آراء

نعم … لنا وطن أسمه كوردستان 2/2

وليد حـاج عبـد القـادر

واستطراداً لما سبق وكواحدة من اتفاقاتها، كان الوفد الكـوردي المفاوض برئاسة الجنرال حسين شريف باشا حاضراً، وتم التوافق على معاهدة سيفر في ١٠ / ٨ / ١٩٢٠ ووفقا للمادتين ٦٢ – ٦٤ مــن الفقرة الثالثة تم الإقرار بحق كـوردستان في إجراء استفتاء لتقرير المصير والذي ضم ولاية الموصل، ونظراً لغياب التوافق الكـوردي على شكل الحدود أو ممـن سيدخل استفتاء المصير بسبب التفاوت في عدد السكان وحدود المنطقة السياسية والإدارية، إلا أن شريف باشا العضو في جمعية صعود كـوردستان عام ١٩١٩ /Kurdistan tealì cemiyeti / كان قـد اقترح خارطة شملت مقاطع هامة ومـن ضمنها مناطق هامة من كوردستان المحتلة صفوياً، ولكن لم تتم الموافقة على بعض من توصياته، وأخرجت قسم من كردستان / الحقت بالعراق / وانتدبت من قبل انكلترا وقسم آخر / ألحقت بسوريا / انتدبت من قبل فرنسا، وبين أخذ وشد حقيقيتين وبوادر خلاف كوردي / كوردي أخذ يظهر للعلن بين راغبي الاستقلال ورافضيها حبا وحنينية للعودة إلى حضن الترك.
وهنا، علينا ألا ننسى ثورة محمود الحفيد الـذي كان قـد ثار وأعلن مملكة كوردستان، وكان على تواصل مـع الجنرال شريف باشا، وفي ذروة الخلافات البينية كان ثلاثة مـن رجال الملك قـد وصلوا الى الجانب الكوردي في سوريا على أمل إيصالهم إلى بيروت، ومنها إلى باريس حيث الجنرال، ومعهم رسالة الملك إلا أن السلطات الفرنسية منعتهم مـن السفر، ويقال بأنهم سجنوا لفترة، وكانت مملكة كوردستان قــد أسقطت، واستقروا هم في سوريا، وهنا، وللصـيرورة التاريخية وحقائقها واستدراكاً لكل ما حاول الآخرون طمسه وعـدم تدوينه، إلا أن حقائق عديدة كانت واضحة وهي مسألة البترول سيما نفط كركوك وحقول بابا گرگر مــن جهة، وكذلك حقل قره جوغ مضافاً إليها التقلبات الدولانية، والصراعات داخل الدولة العثمانية ذاتها، والتي خلقت مشاكل جمة تجسدت بانفصال الحركة التركية الوطنية بقيادة كمال أتاتورك عن الباب العالي، وأقامت برلمانها في أنقرة نيسان ١٩٢٠ وأدت إلى صراعات مريرة مهدت لها انتصار أتاتورك في حرب / الاستقلال / خاصة في حربه ضد اليونان وأرمينيا، وكذلك على القوات الفرنسية، ونجح في سياسته التوددية مع الإتحاد السوفيتي، وتوقيعه معها على معاهدة موسكو / قارنوها مع اتفاقات إردوغان وبوتين / في ١٦ / ٣ / ١٩٢١، وتلاها اتفاق أنقرة مــع فرنسا، والتي وضعت حـداً للحرب بينهما، وعقـد أتاتورك معاهدة الكسندروبول مـــع الأرمـــن، ومعاهدة قارص التي حــددت حدودها الشرقية، أما مــع بريطانيا، فقد أنهيت أزمة – جناق – بخصوص الأراضي المحايدة في سبتمبر ١٩٢٢ بعــد عقــد اتفاقية مودانيا في ١١ / ١٠ / ١٩٢٢، يضاف إلى ما سبق أمــور أخــرى دفعت الحلفاء للعودة إلى مفاوضات جديدة مــع أتاتورك، والتي أنتجت مؤتمر لوزان، واتفاقيتها المشؤومة عام ١٩٢٣ والتي – شرعنت انتدابياً – التقسيم الجائر بحق كوردستان، والتي تمكنت تركيا بموجبها إلغاء اتفاقية سيفر، واستعادة أراض شاسـعة في الأناضول، وتشكل الخارطة التركية الحديثة.
وقبل المضي في هـذا الإسهاب، لابد مـن التنويه، وبعجالة على أن كوردستان المحتلة صفوياً ما وهنت ثوراتها سيما بعد منح الكورد في الدولة السوفيتية جمهورية ذات حكم ذاتي، وعلى تماس بحدود طويلة معها فكانت ثورة شكاكي المستمرة، وعلى الرغم من إطاحة ستالين بتلك الجمهورية ذات الحكم الذاتي، إلا ان فورة النضال القومي هناك مـا وهنت في تقاطع كبير مع الجزء الكوردستاني الآخر، وما كان عام ١٩٢٦ قــد حل إلا وخطوط الحدود الحالية كانت قد ارتسمت، وكان البند ٦٣ أيضاً الذي نــص بصراحة على الضمانات والحماية الكاملة للأقليات الآشورية والكلدانية، وكلها كانت مــن إفرازات أزمة الموصــل التي تداولت وأصبحت مشكلة عويصة أمام عصبة الأمم، وكل يشـد ويضغط لضمها طمعاً في غزارة آبار نفطها، وتـم التوافق أخيراً على ضمها للانتداب البريطاني على العراق سنة ١٩٢٥ مــع منح حصة من النفط لتركيا / كانت تتقاضاها لغاية منتصف الخمسينيات /.
ومــع تثبيت الحدود انتدابياً ابتدأت، لا بل، استمرت النضالات والثورات الكوردية، والتي ما إن كانت تخمد إحداها إلا وجينة الأخرى تتقد وتستمر، وليبدأ سريالية التقسيم الـذي كان ثنائيا، وإذ بالجزء العثماني وقــد جـزء إلى ثلاث !!، وهنا وبالرغم مــن ترسيخ تلكم الخطوط نظرياً، إلا أنها بقيت خرائطية نظــرية فقط، وما استطاعت البتة أن تمس جوهريا في قوة وعمق كما ترسيخ وحدة المصير والوعي الجمعي المشترك ثقافة وإرثاً وتراثاً، وبقيت الروابط تنمو وتتعزز من بانة وسقز في كوردستان المحتلة إيرانياً إلى كركوك واربيل بكوردستان العراق مـــروراً إلى آمــد وروحا بكوردستان تركيا إلى قامشلو وعفرين في كوردستان سوريا، وعلى الرغم مــن الإقرار التاريخي المرافق بعسفه واستهدافاته العميقة تركياً وفارسياً مــنذ جالديران سنة ١٥١٤، ورغــم أن التاريخ يؤكد بأنها ما ارتقت إلى ذلك التقسيم البنيوي الحاد، ولكنها ما وهنت من النضال القومي أيضاً، واندلعت الثورات والانتفاضات منذ بدايات التقسيم الأول / ثورة سنان باشا ضد الشاه، وثورة جان بولات ضد العثمانيين أوائل القرنين الخامس والسادس عشر /، وما انتهت بفرض المركزية الحميدية المفرطة بفرسانها، حيث قابلتها سلسلة من الثورات المتلاحقة مترافقة مــع ثورات في الجانب المحتل صفوياً، وهنا، وفي العودة إلى الجزأين اللذين ألحقا بدولتين عربيتين تشكلتا بموجب اتفاق سايكس وبيكو، فمن منا لا يتذكر ثورات البارزانيين أوائل عام ١٩٠٠ مروراً إلى ثورة محمود الحفيد، وإعلانه مملكة كوردستان كما أسلفنا سابقاً وتتالي الثورات المتلاحقة وصولا إلى عصرنا الحالي، والذهاب إلى يوم تقرير المصير، أمــا في الجزء الملحق بسوريا، فهي أيضاً مــــا توقفت نضالاتها وان تموضعت في النضال السياسي لخصوصيتها الجغرافية بالدرجة الأولى، ولربما انكفائها بربط آفاقها المستقبلية ومستقبل أجزاء كوردستان الأخرى، ومــع هذا مـا وهنت في سعيها الحثيث لتثبيت حقوقها المرحلية، والتي تمثلت بتلك الوثيقة التي وقعها مائة وواحد من رجالات المنطقة من كورد ومسيحيين مطالبة سلطات الانتداب الفرنسي بمنحهم الحكم الذاتي وذلك سنة ١٩٣٠
وهنا، وبالقفز على كثير من التفاصيل التي لا تزال الذاكرة الشعبية تعيش حوادثها، إلا أنه الســؤال الأساس الـذي يراود الشعب الكوردي في الجزأين اللذين ألحقا بدولتين منتدبتين استعمارياً كانتا حينها ؟ هـو الموقف مـن قضية الشعب الكوردي وكوردستان، والتي هي / بالمطلق / قضية شعب وأرض، لا بل، والسعي الممنهج / عربياً أقله في أطـر النظم وثقافات الدول / الـذي مـورس في تغييب الحقائق التاريخية، وجعلها قضية مهاجرين ولاجئين – وبهذا الزخم – !! استقروا في مناطق لا تزال تسمى بالأطراف والمفاصل والتي / حسب غالبيتهم / شكلت مع الأيام أرضية تهـدد وحـدة تلك الدول!! هكـذا بنيت الأرضـية المعرفية وعـدلت التوافقات والتفاهمات، لا بل ألغيت بنود مــن المراسلات المكتوبة في تحـد صـارخ للحقيقة التاريخية، وهنـا وفي خلاصة سريعة، وبالرغم مما ورد أعلاه فأن جزأين من كوردستان، ووفق كل الخرائط والتفاهمات التي واكبت اتفاقيات الصلح بعيد مؤتمر فرساي وإفرازاتها حتى اتفاق لوزان بذاتها مروراً إلى قرار عصبة الأمم وأزمة الموصل، فأن شـعب كوردستان / العراق / لم يأت ببدعة وإنما سعت لتطبيق بند أساسي كانت قـد أقرته أول جامعة دولية / عصبة الأمم / ونصوص اتفاقياتها المعروفة بمبادئ ويلسون، والتي اعتمدت في مؤتمر فرساي الآنف الذكر، هذه المبادئ التي أقرت كلائحة وبرنامج رئيسي وإعلان عالمي لحقوق الإنسان، على الرغم مـن مناورات دولتي الانتداب اللذين أطاحا بذلك في الخاصية الكوردستانية، ولكنها ما تمكنت مطلقاً المس أو القضاء على مشاعر الانتماء مـن جهة والرغبة القومية الحثيثة مـن جهة ثانية في الحق بتقرير المصير كمطلب ثابت وشرعي، هذا الحق الذي يعززه التقادم، ولا يلغيه أو ينفيه أي شرط جازم بعيداً عـن قرار ذلك الشعب بنفسه و: هو في الأساس وعصرنا الحالي تجذير حقيقي وإعادة أنتاج وتدوير للمسألة إلى تلك البدايات منذ جالديران والصراع الصفوي / العثماني سوى توافقهم في قضية كوردستان، ومــن هنا، ومـع الأدلة الحازمةـ وحتمية الصيرورة التاريخية، والتي قــد تنصف الكورد وكوردستان، بالرغم مــن زعيق خامنئي وإردوغان وقفزهما مجدداً / كدول / على كل أساسيات العلاقات الدولانية والزج بفائض قوتهما القومية، وبتدخل سافر في أية فسحة مـن العالم كحق مشروع لأمنهم الإقليمي وتدخلهما في العراق وسوريا وعدائهما الصارخ لأية تبلور للقضية الكوردية فيها ، وبالرغم مـن انه بات من البديهيات الآن بأن الدولتين / تركيا وإيران / تملكان وسائل ضغط في العراق وسوريا، ومن خلالهم تبحثان ضغطاً في تأمين مساراتهما بالجزأين الملحقين من كوردستان، وعلى الرغم مــن بعض التناقض في أهدافهما، ســوى توافقهما على الكورد سيما بعـد فشـل الدولتين العراقية والسورية اللتين تشكلتا بموجب خرائط سايكس بيكو، والتي دعمـت باتفاقية لوزان، وفشلت بعدها كل حملاتهما التعريبية، عنــوة كانت أو مسالمة، وبات جزأي كوردستانة بحكم العودة إلى جذورها والتي هي وبمطلق الأحوال ومهما كانت النتائج فهي عائدة إلى كوردستانيتها، ووفق خرائط وتحديدات مراسلات حسين مكماهون، ومناطقية الشعوب والأوطان، وما حرب البادية المشتركة بدءاً من الحدود الأردنية وصولا إلى العراقية والسورية ومسألة ديرالزور وعانة وراوة إلا المفاصل التي ستحسم التشكل الخرائطي الجديد، وعلى أرضية هذه الحقائق يحز في نفوسنا إنسانياً ومعرفياً مواقف بعضهم الذي كنا نتأمل منهم مقولة صدق وعلى مبدأ : هل يدرك الأقربون منا بأنه : لنا … وطن أسمه كوردستان وقد ألحق بهما جزأين انتداباً.

جميع المقالات المنشورة تعبر عــن رأي كتابهـا ولا تعبر بالضــرورة عــن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى