ماذا لو ضمت تركيا كوباني الى السلطنة العثمانية ؟؟
د. زارا صالح
نوستالجيا العودة الى خارطة السلطنة العثمانية مازالت تراود الحلم التركي وحزب العدالة والتنمية الاردوغاني منذ بدء ما يسمى بالربيع العربي وفي ظل الفوضى التي عمت نتيجة ذلك وكذلك الحديث عن استراتيجيات وتقسيمات وضم مناطق جديدة ورسم خارطة تراعي التوافقات والصراعات الطائفية والقومية على ضوءها مما فتح شهية الحزب الحاكم ( العلماني- الاسلامي) لبسط نفوذها ومحاولة امتلاكها لمفاتيح هذا التغيير القادم وخياراتها البديلة. فبعد فشل تركيا في مواقع عدة مثل مصر وذلك عبر الاخوان المسلمين وسقوط مرسي ثم تلتها حاليا اليمن التي باتت في قبضة الحوثيين المدعومين من ولاية الفقيه الإيرانية ، فبات من الضرورة بمكان عدم التفريط بملف دول الجوار( سوريا والعراق) خاصة وان لبنان أيضاً احتلت من قبل حزب الله الإيراني .
حاولت تركيا منذ بداية الثورة السورية احتضان المعارضة وفرضت ممثلها المتمثل بجماعة الاخوان المسلمين السورية كبديل قادم لكن الرياح لم تجري كما اشتهت سفينة الاردوغانيين في ظل تعقيد المسألة والصراعات الدولية على سوريا, لكنها بقيت المفتاح لأغلب التنظيمات المتطرفة والجهادية سواء بتغاضيها عن قضية العبور على الطرف الاخر او من خلال دعم وتسليح البعض الاخر.
التغيير المحوري حدث بعد صعود داعش خاصة في سوريا وكانت قبلها في العراق وبالتحديد كوردستان الا انها لم تحاول التدخل وكذلك لم تسمح للتحالف الدولي باستخدام أراضيها مركزا لضرب داعش لأسباب عدة داخلية متعلقة بسياستها وكذلك لانها انتعشت اقتصاديا في علاقاتها التجارية والسياسية مع حكومة اقليم كوردستان ورئيسها مسعود البرزاني وأصبحت المنفذ النفطي لهم هذا عدا عن آلاف الشركات والعقود التجارية مع الإقليم وهذا الحلم التركي بالعودة الى اتفاقية السلطنة وولاية الموصل قد تحقق نوعا ما عبر هذه العلاقة.
في سوريا اختلف الوضع عوامل عديدة تأخذ بعين الاعتبار وبالغة الأهمية منها الشريط الحدودي الطويل ، مشكلة الأكراد في الجهتين ، قضية العلويين لديها وكذلك موضوع حزب العمال الكوردستاني ومشروع السلام الذي أبرمته مع زعيمه اوجلان وامتداد الحزب الى سوريا المتمثل بحزب الاتحاد الديمقراطي وفصيله العسكري (قوات الحماية الشعبية) التي تقاتل داعش اليوم في موقعة كوباني ومواقع اخرى في المناطق الكوردية.
بعد ان سنحت الفرصة الان لتركيا لاحتضان الملف السوري والإجماع الدولي سهل المهمة اكثر لمحاربة داعش لتحقيق الحلم التركي وهناك اكثر من حجة لتبرير الدخول البري عدا عن إرضاء الشارع التركي وموافقة البرلمان لحماية الأمن القومي التركي وضريح الأب سليمان شاه وكذلك مأساة نزوح الكورد من كوباني وتدفق الآلاف الى الداخل التركي. ولعل خطوة كهذه لن تلقى رفضا في الشارع التركي بسبب الضغوطات عليها بعد هذا الكم الهائل من اللاجئين السوريين وخوف حزب العدالة من تبعات ذلك لهذا فان التدخل وبعمق ٣٠ كم مع انشاء منطقة عازلة وحظر جوي سيوفر ملاذا للسوريين داخل سوريا ولن تكون عبئا على تركيا سيوفر قاعدة مناسبة للمعارضة السورية المسلحة وكذلك ستكون بمثابة ورقة ضغط قوية على النظام لتهديده وفرض شروط قبول الحوار مستقبلا خاصة وان هذا القرار التركي لاقى مباركة أمريكية أيضاً وضوء اخضر .
هذا الطرح لن يلقى رفضا من جانب أطراف من المعارضة خاصة التي تتبع تركيا مثل الاخوان المسلمين وغيرها لاسيما وان موضوع السيادة التي يتحجج بها البعض هي مسألة شعارا تية والتجارب السابقة من لواء إسكندرونة التي تنازل عنها النظام لصالح الأتراك وكذلك استيلاء الأتراك وفي اكثر من منطقة على أراضي الشمال السوري دون أية مقاومة ودعوى سورية .
وإذا حصل وضمت تركيا كوباني الى أراضيها قد يتبعها في مناطق اخرى مثل القامشلي وعفرين كما هدد الأتراك قبل ايام وهي مناطق خصبة وغنية بالنفط يسيل اللعاب التركي عثمانيا ،
الاخوان المسلمين لايرون في الأتراك محتلا وسيكون ذلك مرحب به لانه يمثل امتداد وفتح لمشروعهم الاسلامي كجماعة اخوان مسلمين والتي تدعمها تركيا كما كانت في مصر وسوف تختزل الحدود وتزال امام نشر الأيديولوجيا الإخوانية او إقامة خلافة أوسع على الطرفين.
وهناك رأي كوردي اخر يدعو الى العودة معاهدة سيفر وإعادة الحلم الكوردي لإقامة الدولة المنشودة على هذه الرقعة بين تركيا وسوريا وكوردستان العراق ، هذا الرأي يدعم بفشل الحكومات السورية وسياساتها الرسمية في التعامل مع المكون الكوردي الا وفق منطق سياسة الصهر في بوتقة العروبة وهو بمثابة زواج الغصب التي فرضها الفكر الناصري والبعثي القومجي الى تاريخ اليوم وان اعادة رسم جغرافي او قومي او طائفي هو نتيجة فشل السياسات الرسمية للأنظمة العربية والإقليمية في بناء أوطان حقيقية وعلى مبداء شراكة حقيقية وتعاملت مع معظم المكونات وحتى العربية المختلفة على مبداء السيد والعبد في منظومة الاستبداد التوتاليتارية.
المنطقة مقبلة على سيناريوهات متعددة وسيكون نصيب سوريا منها أيضاً في حسابات الخريطة الجغرافية خاصة بعد صعود داعش وإقامة الخلافة البغدادية وغيرها من اماراة سلفية وعلى ضوء اللوحة السياسية تركيا كعضو في الناتو ومدعومة دوليا اضافة الى نزعتها التوسعية لإعادة بناء السلطنة تجعل منها لاعبا محوريا في هذه المرحلة وكوباني قد تكون مدخلها ( الإنساني ) لسيطرة برية عسكرية في العمق السوري- الكوردي مما قد يسهل عليها أيضاً استكمال مشروع السلام مع حزب العمال الكوردستاني وزعيمه اوجلان واحتواء قوته العسكرية على طرفي الحدود وإغلاق هذا الملف نهائيا وتضع حدا لحقبة الصراع الدموي والعسكري مع هذا الحزب نظرا لارتباط الملفين معا كورديا وهذا ما أكده زعيم الحزب اوجلان عبر تهديده بفشل مفاوضات السلام اذا سمحت تركيا بسقوط كوباني ولم تحارب داعش .
وبهذا ستتمكن تركيا من بقاء اكثر الملفات سخونة وتتعلق بها في قبضتها وسترضي طموح شارعها التركي ذو الخلفية الاسلامية القريبة من الاخوان وإنهاء الملف الكوردي ليبقى موضوع العلويين معلقاً كقضية داخلية ستتفرغ تركيا لإيجاد مخرج له خاصة وان هناك تعاطف ودعم من قبل العلويين الأتراك تجاه نظام الاسد .
داعش يمثل العنوان الأكبر الذي يعتبر رمحا نحو تغيير الخريطة في المنطقة وبانتظار سيناريوهات قادمة تنهي نزيف الدم السوري عموما .