الشعب الكوردي في سوريا ليس بـ أقلية بل شعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية
قهرمان مرعي
كان الجنرال شريف باشا السفير ,الدبلوماسي والسياسي الكوردي , يدرك جيداً المخاطر المحدقة بقضية شعبه بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى وإنتصار الحلفاء وإنعقاد مؤتمر الصلح في 1919 وتأسيس عصبة الأمم وتقاسم النفوذ في العالم بموجب صكوك الإنتداب بين فرنسا وإنكلترا وتوزيع تركة الخلافة العثمانية .
في حين لم يغب عن باله ويسهى عن فكره تماطل الإنكليز والفرنسيين , بما فيهم ممثلي عصبة الأمم , عن تنفيذ إتفاق سيفر 1920 بخصوص أخذ رغبة شعب كوردستان في تقرير مصيره بنفسه , بسبب مصالح الدول الإستعمارية تلك , لهذا عمل على ربط ملف القضية الكوردية بالقضية الأرمنية في مسعى منه لإستمالة الدول المنتصرة والغرب المسيحي بشكل عام بما فيه أمريكا ورئيسها وودرو ولسون ومبادئه الأربعة عشرة , للتعاطف مع قضيته القومية بالتوازي مع القضية الأرمنية , بسب المجازر التي تعرض لها الأرمن خلال الحرب العالمية الاولى (1914-1918) .
وبالنتيجة جاءت نشوء تركيا الكمالية , من خلال تمكين أتاتورك من توسيع رقعة دولته (العلمانية) على أنقاض دولة ( الخلافة) و بالتآمرعلى قضية شعب كوردستان وحريته وإستقلاله من خلال إتفاق لوزان 1923.
في سابقة , مع إختلاف الزمن والأحداث والمعطيات , يسعى البعض و بحسن نية , من الساسة وممثلي الكورد في المجلس الوطني الكوردي على ربط قضيتنا القومية في كوردستان سوريا بحقوق الأقليات الإثنية والدينية والمذهبية في سوريا (ورقة استنبول في الفترة27-30 ايار(مايو)/2017 بخصوص حقوق الأقليات في سوريا ) لاسباب يبدو لي غير منتجة , منها :
ـ تشكيل ضغط على المعارضة العربية القومية والاسلامية السنية بما فيهما الفصائل المسلحة والدول الداعمة لهما للإعتراف بحقوق الأقليات , في حين يتغافلون عن إدعاءات النظام الأسدي الذي جر البلد إلى الدمار والهلاك , بأنه حامي الأقليات, على إعتباره يمثل الأقلية الطائفية الحاكمة على مدى أكثر من أربعة عقود .
ـ السعي لإستمالة عطف الدول الكبرى المؤثرة في القضية السورية , لضمان حقوق الأقليات دستورياً في سوريا المستقبل .
لكنهم تناسوا أن قضيتنا ليست مجرد ضمانات وإمتيازات , بل قضية شعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية , لم تفلح السياسات العنصرية للدول المقتسمة لـ كوردستان من تقويض وحدة شعبه المصيرية , مع خصوصية كل جزء ولا النيل من شعوره القومي وبعثرة إنتمائه العرقي أو كسر إرادته الجمعية في الخلاص خلال مسيرة قرن كامل من الإنكار والصهر والإلغاء .
الحركة السياسية الكوردية بمعظم فصائلها ناضلت على مدى عقود في مواجهة الاستبداد وحرصت على ان القضية التي تناضل من أجلها هي قضية شعب وارض , لهذا فإن الهدف من جعل سوريا دولة إتحادية هو إبقاء إقليم كوردستان سوريا في إطار نظام فيدرالي جغرافي يمارس فيه الشعب الكوردي حقوقه القومية من خلال ممارسة السلطة والتمتع بالثروة في ظل شراكة حقيقية مع الشعب العربي بموجب دستورجديد ينظم هذه العلاقة , مع ضمان حقوق باقي المكونات المتعايشة معه , في حين أن حقوق الأقليات تتلخص في الضمانات الدستورية والقانونية والامتيازات التي تمنحهم حقوقهم الثقافية ,الدينية والمذهبية وتضمن حقهم في الممارسة والمشاركة والتمتع بتلك الحقوق بطمأنينة وأمان , دون تعسف وإكراه .
لهذا يجب التنبه جيداً بشأن الخصوصية الثقافية للمكونات الدينية والمذهبية والأثنية التي تعتبر نفسها أقلية بإرادتها وواقع حالها , وبين الخصوصية الثقافية للشعب الكوردي في سوريا على إعتبارها تتضمن مقومات قومية لشعب يعيش على أرضه التاريخية , لها صلة بتجزئة كوردستان وإلحاقها بالدول الغاصبة منذ العهد الاستعماري للمنطقة .
بإستثناء ابناء الشعب الكوردي الأصلاء من الديانة الأيزيدية , كانت الأقليات على الدوام جزء من النظام , عنوان لمقالة لي كتبتها في عصر الثورة السورية , أعيد نشرها علها تفيد في تبيان الكثير من الحقائق التي لم تغب عن ذاكرة شعبنا الكوردي في سوريا.
الأقليات في سوريا كانت على الدوام جزءاً من النظام
ملاحظة وتنويه : ( التعميم غير منصف ولكن الاغلبية كانوا منساقون وراء مصالحهم الشخصية والفئوية ويجب ان لاننسى دور الأشخاص المناضلين من مختلف الاقليات ولكن لم يرتقي إلى الشكل الجمعي السياسي )
– لم يكاد يطىء قدم موفد حافظ اسد و قيادته القومية والقطرية أرض مطار طرابلس الغرب ، السيد جورج صدّقني ، حتى فاجأهم العقيد القذافي زعيم الجماهيرية الليبية الاشتراكية العظمى ، وزعيم زعماء كانتون الأمة القبائلية الافروآسيوية الديمقراطية ؟ بأنه لن يستقبل الموفد البعثي ، لأن جورج بدو يكذّبني .
فالمسيحيون في سوريا يعتبرون انفسهم مكوّن نشط وتنويري لبعث العروبة ، وجزء مهم ورافد للثقافة القومية العربية ، و احتل رجالاتهم مناصب مهمة في الحكومات الاسدية المتعاقبة وفي الوزارات ، وكذلك اعضاء في دورات مجلس شعب البعث ، وكذلك في الاعلام ، والجيش ، ولا ننسى بأن فروع البعث وشعبه الحزبية وخاصة في محافظة الجزيرة /الحسكة لم يخلو من المسيحيين وكذلك مجالس المحافظة بوجب ( كوتا ) مدارة من قبل الجهة صاحبة القرار ( اللجنة الامنية في المحافظة ) وكذلك رئاسة الدوائر والبلديات وكان المجلس الملي لأغلب المذاهب حاضن لتلك العلاقة ، وبقيت الكنيسة الشرقية والغربية محل اهتمام شخوص النظام المتنفذين وإعلامه الرسمي في المناسبات الدينية ، وكذلك المدارس الاهلية والخاصة و الجمعيات الخيرية …
وهنا لسنا بصدد توضيح الآثار السلبية او الايجابية لتلك العلاقة سواء في إطارها الشخصي أو الجمعي ، فالنظام كان يهدف الى استغلال الخصوصية الدينية لبعثرة الإرادات الوطنية وتشتيتها وبالتالي ادعاء حمايتها بالتقرب من الغرب وخاصة (فرنسا) والطرف الآخر مطمئن لترتيب اولوياته وفق مصالح رعاياه ، طبعاً علاقة المسيحيين مع النظام في محافظة الجزيرة كانت تختلف تأثيراتها سلباً على الأوضاع أكثر من بقية المحافظات بسبب الإجراءات الاستثنائية بحق الشعب الكوردي ، ونجح النظام المجرم في تخويف المسيحيين من حدوث سقوطه الآجل . فهم الآن يسيرون في الفلك الذي رسمه النظام لهم بإتقان ، بإستثناء بعض الشخصيات والحركة الآشورية الديمقراطية .
– حدثني زميلي في العسكرية الإلزامية في منتصف ثمانينات القرن الماضي ، وهو ابن أحد شيوخ العقل الدروز ، مين ممثلكم ،انتوا الأكراد بالقيادة ، فقلت له أية قيادة ، فقال قيادة الحزب والدولة ، فأبتديت استغرابي، وقلت له نحن الكورد لا ننتسب للبعث ، الحزب القومي العنصري ، فسكت ؟ وتابعت انتم مين ممثلكم ؟ فقال توفيق صالحة ، عضو قيادة البعث القطرية والقومية حينذاك . ضمن النظام ولاء الدروز على إمتداد رقعتهم الجغرافية في الجولان وجبل العرب وبعض المنتفعين في لبنان ، وكانوا جزء من الجيش والأمن وخاصة سلك الشرطة وكذلك في الوزارات وكانت وزارة الإدارة المحلية حكراً عليهم في حكومات وسنوات متعاقبة ، وتمكن النظام من تحييد محافظة السويداء ، لأسباب كثيرة لسنا بصدد ذكرها . لكن يبقى صوت المناضلين من أمثال الفنان سميح شقير يهز مضاجع النظام المجرم ، وأزلامه .
– كان المدعو عبد الله الأحمد عضو القيادة القطرية للبعث ، من ريف حمص ، ورئيس لجنة إعمار مزارع الدولة، المكلّف ببناء المستوطنات للعرب المستوطنين في الجزيرة (كوردستان سوريا) عام ١٩٧٤ولغاية ١٩٧٩، ينتمي الى الطائفة الاسماعيلية . والذين سبق لهم الاستيطان في قرية الزهيرية العائدة ل- منطقة ديريك في اوائل الستينات من القرن الماضي . المتنفذون منهم كانوا متماهون مع الطائفة العلوية بالمطلق في السلطات بمختلف تسمياتها ، لكن إرهاصات الثورة في مدينة السلمية قطعت الحبل السري . ولم يستطع النظام بجبروته كسر إرادة أهل المدينة .
– كان مجرد سماع اسم حسن تركماني في رئاسة الاركان ، يوحي للجميع ، بأن الشخص بإمكانه حماية مصالح الاقلية التركمانية ، والتي تتوزع في بعض مناطق حلب وريفهاوبعض قرى الجولان وحمص ، واللاذقية ولم نسمع خلال حكم البعث وحافظ اسد ان طالبت بحقوقها القومية ونحن نعلم أبان تميز علاقات اسد الابن مع حكومة العدالة والتنمية ، كان حسن تركماني يمثل النظام في الاتفاقيات العسكرية والامنية ( تفاهمات انقرة ) منذ عام ١٩٩٩ ولغاية اندلاع الثورة . وكان انخراط معظم مناطق تواجد التركمان في الثورة عامل ايجابي لهم و سيكون لها دلالاتها في سوريا المستقبل وخاصة لتداخلها مع مناطق التواجد الكوردي في ريفي حلب واللاذقية .
– اما الطائفة العلوية التي ينتمي إليها السلطة الحاكمة ، فإن الاغلبية الساحقة كانت مستفيدة من مجمل الامتيازات ، باستثناء بعض الشخصيات والعائلات المعروفة بعداء الاسد الأب لها . وهم المستحكمون لجميع مفاصل الجيش والأمن والحكومة ومعظم الدوائر والمؤسسات ، وفق تسلسل هرمي على مقياس القرابة والولاء وهم الآن وقود لحرب طائفية ، فرضها النظام المجرم على الشعب السوري بمجله .
– أما الاغلبية السنية ، عمد النظام تفتيتها مناطقياً وتشتيتها سياسياً وخاصة بعد تدمير حماه ١٩٨٢، ولجم تطلعاتها بدعوى ارتباطها بتنظيم الأخوان المسلمين ، لكنه تمكن من تسخيرها عن طريق بث روح حزب البعث العنصري النفعي بينهم فكان أبناء دمشق درعا وحمص وحلب ودير الزور وبقية المناطق يشكلون جسم الجيش والأمن ( امن الدولة، الامن السياسي ، الشرطة ) و كذلك الحكومات المتعاقبة .على مقاييس تبادل المنفعة ، وهم الآن في معمعة الصراع على التصنيف بين كل الصفات التي ألصقها النظام بهم ( معتدل، سلفي ، إرهابي ، وسطي ، وطني ، مناصر ،مجاهد ….الخ)
– أما الشعب الكوردي في سوريا وخاصة في مناطق تواجده التاريخي في كوردستان سوريا (الجزيرة ، كوبانى ، عفرين ) لم يتمكن النظام قط من جره الى حظيرته السياسية والأمنية ، بالرغم من كل الإجراءات العنصرية بحقه ، بفضل وجود الحركة السياسية الكوردية وتنظيمها السري ونضالها العلني وإرهاصات الثورة لدى أبنائه خلال حكم البعث والأسد(دبليو) قبل الثورة وخلال السنة الأولى من عمرها . ولكن مع كل الأسف والحزن ، تمكن النظام من تجديد الشراكة مع حزب العمال الكوردستاني ، وفرعه ، حزب الاتحاد الديمقراطي ، ونجح في خرق الاتفاق بين المجلسين الكورديين ، وإلى خلق عدو وهمي مفترض للشعب الكوردي بدلاً عن نفسه ، ونحن الآن على عتبات مصير مجهول ،و اذا لم تتوحد إرادة الشعب الكوردي في كوردستان سوريا حول مصالح أبناء هذا الجزء ، فسندفع لا محالة ضريبة صراع القوى الكردستانية والإقليمية على مراكز النفوذ و بالتالي حصاد الوهم والخيبة .
وهكذا ، انعكست إحداثيات علاقات مكونات الشعب السوري على الأرض من خلال ثورة الحرية و الكرامة ، على مر السنوات الثلاث من عمر الثورة بكل تفاصيلها ، وتمكن النظام مجدداً من بث روح الفرقة بينها بدعوى حماية الأقليات حيناً وتحييد بعض المناطق حيناً آخر واستمالة بعض القوى الى جانبه ، وتسخير مقدرات أخرى لصالحه و بعثرة جهود الكثير من الفصائل بإنشغالها بمخاصمات بينية ثأرية ، وإختراق صفوفها ، بمساعدة محوره الطائفي الإقليمي والدولي وكذلك تخلي المجتمع الدولي عن إلتزاماته تجاه الشعب السوري وخذلانه في أوج انتصاراته ونحن ندخل السنة الرابعة من ثورته العظيمة .
جميــع المقــالات المنشــورة تعبـر عــن رأي كتـابهـا ولا تعبـر بالضــرورة عــن Yekiti Media