آراء

الأسد من كذبة المقاومة إلى وهم العروبة

أنـور مـالك

منذ اندلاع الثورة الشعبية على نظام بشار الأسد في مارس/ آذار 2011 ونحن نسمع شعارات تتردد كثيرا ولمنتهى الغثيان، وهذه الشعارات التي يسوّق لها داخل سوريا وخارجها تحوّلت إلى مبررات لتخريب البلاد وتدميرها بحرب نجسة لم يسبق لها أيّ مثيل، غير أنه مع طول الثورة تبيّنت لمن كان لا يرى الحقيقة أن كل تلك الشعارات مجرد أكاذيب متراكمة تفضح نفسها، دأب أدعياء بالترويج لها لتبرير خراب يزرعونه في العالم الإسلامي.
1- يدّعي نظام الأسد ومن يدعّمه في الحلف الإيراني أن ما حدث في سوريا هي مؤامرة كونية على الممانعة والمقاومة، وهذه كذبة كبرى تنسفها حقيقة الواقع الذي تأكد فيه مدى دفاع اللوبي الصهيوني خاصة في أمريكا على نظام الأسد منذ اندلاع الثورة الشعبية على نظامه.
لو كان هذا النظام يشكّل أدنى خطر على ” إسرائيل “، فهل من المعقول أن تضيّع تل أبيب فرصة الثورة التي صارت مسلحة للانقضاض عليه وإسقاطه؟
 
هل من المعقول أن اللوبي الصهيوني بأمريكا لا يحرّض البيت الأبيض على ضربة عسكرية تنهي نظام الأسد وتوجد كل المبررات الأخلاقية والإنسانية التي تفرض ذلك وليس تسمح له فقط؟
 
هل من المعقول أن الذين ناهضوا أيّ تدخل عسكري ضد الأسد هم أبرز حلفاء “إسرائيل” وعلى رأسهم روسيا بل هذه الأخيرة غزت سوريا عسكرياً لحماية النظام؟
 
لقد ثبت أن “إسرائيل” هي أكبر من دافع عن نظام الأسد منذ بداية الثورة وليس بعد مرور سنوات وظهور جماعات وتنظيمات متطرفة قد ترعب الكيان العبري، وهذا يكفي كدليل قاطع على أن الممانعة والمقاومة مجرد كذبة كبرى يسوق لها لتحقيق غايات أخرى لصالح أمن “إسرائيل” أولاً قبل كل شيء.
2- يدّعي نظام الأسد أنه عروبي ودمشق هي عاصمة العروبة وأهمها في المنطقة العربية كلها، وطالما تغنّى حزب “البعث العربي الاشتراكي” بهذا الشعار القومي، وينتقد خصومه بمعايير قومية بحتة.
 
لكن الحقيقة تناقض ذلك تماماً، فعندما ثار الشعب السوري ذو الأغلبية العربية الساحقة على بشار الأسد، لم يجد هذا الأخير سوى إيران الفارسية كي تدافع عنه بكل قوتها العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية، رغم أنه كان ينتقد الموقف التركي المؤيد للشعب السوري وصل حد الادعاء بأن الأتراك يعادون العرب عرقياً، وأن المؤامرة الكونية يقف خلفها أعداء سورية العروبة كما يزعمون.
 
هذا ليس بالجديد، بل سبق ذلك أن حافظ الأسد تحالف مع إيران الفارسية ضد العراق العربية التي يحكمها حزب البعث أيضاً، في حرب الثماني سنوات بين صدام والخميني، وكانت الأسلحة تشحن من سوريا نحو إيران كي يستعملها الخمينيون ضد العراق العربي.
 
فهل يعقل أن العروبة ينتهي بها الحال كي تدافع عنها إيران الفارسية التي يقطر ملاليها حقداً دفيناً على كل العرب سواء كانوا سنّة أو شيعة؟
 
ليس من المنطقي أبداً أن الذي يدّعي العروبة يخدم مشروعاً فارسياً عنصرياً ضد العرب، ولا يمكن أن نتخيّل أن حاكماً عربياً -كما يدّعي- يدمّر بلاده العربية لصالح غزو إيراني فارسي ويرهنها تحت حوافر مليشيات طائفية وإرهابية من أجل البقاء في الحكم، بل يذهب أبعد من ذلك، حيث شرّد وهجّر وقتل وسجن وأخفى ملايين السوريين العرب ودمّر بيوتهم وممتلكاتهم، وصار يمارس سياسة توطين الفرس وتجنيسهم في إطار شعاره الآخر أن الجنسية السورية لمن يدافع عنها كما صرّح بشار الأسد في يوليو/ تموز 2015.
3- زعم بشار الأسد في 2013 عبر لقاءات صحفية مع كل من التلفزيون الإيطالي والتلفزيون الروسي وصحيفة “صانداي تايمز” البريطانية أن سوريا هي آخر قلاع العلمانية في العالم العربي.
 
وهي كذبة أسدية أخرى ينسفها الواقع، فمنذ اندلاع الثورة قاد حملة الدفاع عن النظام معمّمون متطرفون من الحوزات الدينية الشيعية في إيران والعراق ولبنان، حيث إن المليشيات المسلحة سواء من “حزب الله” أو غيره التي دخلت سوريا للدفاع عن الأسد كلها يقودها رجال الدين الشيعة، فهل يعقل أن آخر قلاع العلمانية ينتهي بها المطاف لهذه الحالة من الطائفية المقيتة؟
 
إما أن الأسد ليس علمانياً كما يدّعي ظاهرياً أو أن المعمّمين ليسوا من رجال الدين كما يزعمون، وفي الحالتين إن علمانية الأسد مشبوهة جداً وهي مجرد شعار رفعه للتقرب من دوائر غربية تشجع العلمنة في العالم العربي والإسلامي.
 
الثورة أثبتت بالدليل القاطع أن علمانية الأسد كذبة كبيرة يستعملها فقط لتحقيق غايات أخرى ترتبط أساساً برجال دين غلاة في قم والنجف، وبزعامة مرشد الثورة الخمينية علي خامنئي الذي هو بدور يمكن وصفه بالكاهن الأعظم لدى الشيعة في كل أنحاء العالم.
 
4- منذ بداية الثورة وبشار الأسد يرافع لقضية الإرهاب، ودائماً يحاول التسويق لوجود مسلحين تابعين لتنظيمات إرهابية يحاربها المجتمع الدولي، لكن الحقيقة أن الأسد الذي يدّعي محاربة الإرهاب ويطرح نفسه كحليف للقوى العظمى ضد الإرهاب هو من صنعه ويرعاه ويدعمه بوسائل مختلفة وواضحة.
 
فالوحشية التي استعملها الأسد ضد الشعب السوري صنعت أيضاً وحشية مضادة، فلا يعقل أن الذي يسمح لجيشه كي يغتصب النساء والفتيات أمام ذويهن، ويجبر الأب كي يغتصب ابنته والأخ يغتصب شقيقته وغير ذلك من المظاهر البشعة التي يعافها وحوش الغاب، ينتظر من الضحايا كي يرشوه بالورود أو يصفّقوا لما يسميها إنجازات.
 
أمر آخر وهو في غاية الخطورة ويتعلق بإطلاق سراح قياديين في تنظيم “القاعدة” وغيرها، فهل يعقل أن الذي يحارب الإرهاب كما يزعم يطلق سراح قادته من سجونه وفي بداية الأزمة كما يسمّيها؟
 
 أيضاً تعاونت مخابرات سورية مع مخابرات العراق في عهد نوري المالكي الذي سبق وأن اتهم الأسد بدعم الإرهاب، حيث تمّ تسهيل فرار قياديين فيما كان يسمى تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” الذي تحوّل لاحقاً إلى تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وكانوا يقبعون في أكبر السجون وأكثرها تحصيناً في العالم.
 
كما رفعت الحراسة عن الحدود بين سوريا والعراق، وسهّل لهم الحصول على أسلحة من خلال الفرار من الثكنات وترك كميات هائلة من السلاح النوعي كي يستولي عليه مقاتلون من تنظيم “داعش”، وهذا ما حدث في الموصل التي تخلّت عنها الحكومة العراقية الموالية لإيران كي يسيطر عليها الدواعش، ووجهت لجنة برلمانية عراقية اتهامات لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بالتورط في تسليم المدينة، لكن الجنرال الإيراني قاسم سليمان المتهم أمريكياً بالإرهاب يحميه من أيّ متابعة قضائية.
 
 

فهل من يحارب القاعدة ومشتقاتها يسلّحها ويطلق لها قادتها ويتركها تصول وتجول من العراق إلى سوريا؟

 
نظام الأسد تحت الرعاية الإيرانية أغرق سوريا بتنظيمات إرهابية، وذلك كله من أجل تحويل ما يحدث في البلاد من ثورة شعبية سلمية مدنية ضد نظام مستبد إلى “الحرب على الإرهاب”، وبدل أن يدعم المجتمع الدولي الثوار يتحرك عسكرياً في إطار مواجهة تنظيمات إرهابية تهدّد المنطقة برمتها، وهو ما تدفع ثمنه كل الكتائب المسلحة المعارضة.
 
 5- طالما يدعى نظام بشار الأسد أنه يدافع عن الأقليات وهو الحصن المنيع الذي يحميها من جماعات مسلحة إرهابية، لكن الحقيقة الموجودة على أرض الواقع عكس ذلك تماماً.
لقد استهدفت قواته الطائفة المسيحية وقد وثقت شخصياً في إطار بعثة مراقبي الجامعة العربية عملية اغتيال شخصين مسيحيين في حمص وهما العقيد الأسبق أمير روجيه ونجله هاني روجيه، وكل الشواهد حينها تثبت أن الجيش النظامي هو الذي استهدفهم في مكان آمنٍ وبرصاص متفجر لا يمكن أن يكون سوى بحوزة نخبة الجيش، كل ذلك من أجل التسويق عبر المراقبين لمخاطر مزعومة تستهدف الأقلية المسيحية في سورية.
أيضا استهداف الكنائس تكرّر مرات كثيرة، وقد أفادت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في أبريل/نيسان 2015، أنها وثّقت استهداف 69 كنيسة في البلاد منذ بدء الثورة في مارس/آذار 2011، حيث استهدف النظام منها 41 كنيسة، فيما أحصت تحويل 11 كنيسة إلى مقر عسكري.
 
من جهة أخرى أن الأقلية العلوية، قد زجّ بها الأسد في متاهات لا تحصى ولا تعد من أجل مصالح عائلته كي تبقى في الحكم، وتشير الكثير من المصادر أن خسائر العلويين في الثورة السورية تجاوزت 100 ألف قتيل أغلبيتهم الساحقة من الشباب وأن الجرحى قد تجاوز عشرات الآلاف أيضاً.
 
صحيفة “التلغراف” البريطانية في 07 أبريل/نيسان 2015، نشرت تقريراً مفصلاً عن وضع العلويين المؤيدين لبشار الأسد في سورية، وكشفت حقائق تعكس مدى الإنهاك الذي وصلت إليه هذه الطائفة، سواءً من سوء أوضاعها المعيشية أو كثرة القتلى من أبنائها. حيث أجرت الصحيفة مقابلات مع بعض العلويين تحدّثوا عن سخطهم من نظام الأسد الذي يستخدمهم في حربه الضروس مع قوات المعارضة.
 
لقد نادت بعض الأصوات العلوية مطلع الثورة بضرورة انقاذ الطائفة من التورّط في الحرب على الشعب يقودها بشار الأسد ومن معه في أركان نظامه لأجل مصالحه الخاصة، غير أن هذه الأصوات لم تلق صداها لدى العلويين، الذين نجح رأس النظام في الزجّ بهم في مستنقع الحرب الطائفية التي تعود بالوبال عليهم.
 
نظام الأسد هو الذي وضع الأقليات في خطر كبير بتشبّثه الدموي بالسلطة ورضوخه التام للمشروع الإيراني، وما يحمله من شعارات تتعلق بحماية الأقليات والدفاع عنها هي كاذبة فقد استهدف النظام نفسه هذه الأقليات باغتيالات وتصفيات وانتقامات وصلت حتى إلى الدروز في السويداء.
 
6- يزعم نظام الأسد أنه غير طائفي ويحارب الطائفية، وحاول منذ وصول حافظ الأسد إلى سدة الحكم عبر انقلاب عسكري عام 1971، ابعاد تهمة الطائفية عن نظام حكمه من خلال منح بعض المناصب السامية في الدولة لأشخاص من الأغلبية السنّية، غير أن ذلك لم يكن سوى مجرد قناع يخفي وراءه تجاعيده الطائفية الحقيقية.
 
فالسنّي الذي يتقلّد منصب وزير حتى ولو كان على رأس وزارة الدفاع، لا يمتلك سلطة القرار بل هو يتمتّع بمنصب شكلي فقط، حيث يحيط به العلويون من كل جانب ويهيمنون على كل المناصب الإدارية والاستخباراتية الحسّاسة ذات النفوذ المطلق.
 
كشف نظام الأسد عن طائفيته المقيتة منذ اللحظات الأولى من اندلاع الثورة السورية، حيث تعامل بوحشية لا نظير لها مع المتظاهرين الذين أغلبيتهم الساحقة من المسلمين السنّة.
 
كما بدأ يسوّق منذ البداية للصراع الطائفي رغم أن الشعب السوري الذي تظاهر ضد النظام لم يحمل أيّ شعار سوى الحرية والكرامة والإصلاح السياسي، وبعدما واجههم النظام بالقتل والقناصة وميليشيات مجرمة راحوا يطالبون النظام بمعاقبة الجناة، غير أنه أصرّ على خياراته الأمنية، لذلك طالبوا بإسقاط النظام ورحيل بشار.
 
الأسد استنجد لحماية نظامه من الشعب الثائر ضده بميليشيات طائفية معروفة وعلى رأسها “حزب الله”، وصار كل العالم يسمع شعارات تملأ سماء سورية، وهي “زينب لا تسبى مرتين”، “يا لثارات الحسين”، “النواصب”، وغيرها مما هو معروف في أجندة الفكر الشيعي على مرّ العصور.
 
إن كان نظام الأسد غير طائفي ولم يشعل حرباً طائفية في سورية منذ بدايتها، فلماذا لا تقاتل في صفوفه سوى الميليشيات الطائفية القادمة من لبنان وإيران والعراق واليمن وغيرهم؟
بل وصل به الحال إلى تجنيد مرتزقة من الطائفة الشيعية في أفغانستان وكل أنحاء العالم بحجة الدفاع عن ما يسمونها “المراقد المقدسة”، وبلغ أمره لدرجة توطين وتجنيس الشيعة الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين في سورية، بعد تهجير السنّة طبعاً.
 
محاولات التغيير الديمغرافي في سورية تمارس على أوسع نطاق، فالأغلبية السنّية يجري تهجيرها بقصف الطيران أو بالحصار وفرض التهجير القسري وللأسف تحت رعاية الأمم المتحدة في أغلب الأحيان، وفي الوقت نفسه يجري جلب الطائفيين الشيعة لتوطينهم، وهذا أكبر مؤشر على طائفية نظام الأسد التي يدّعي أنه يحاربها.
 جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى