من الصحافة العالمية

حين «كفرَ» حازم الأمين بالبعثَين… و«كفرنا» معه!

هــوشنك أوســي

لا أعرف ما الذي بقي ولم يفعله بعض المثقفين اللبنانيين، بخاصّة منهم الشيعة، وكتّاب ومثقفون آخرون مسيحيون وسنّة، ممن عارضوا نظام الأسد، وساندوا ثورة الشعب السوري، حتى يقتنع بعض المثقفين السوريين، الذين يحسبون أنفسهم على ثورة الحريّة والكرامة، أن هؤلاء اللبنانيين ما زالوا معارضين لنظام الأسد، وما زالوا مع مطالب ثورة الحريّة والكرامة السوريّة، وأنهم براء من اللوثات الطائفيّة التي يلحقونها بهم؟!.
فمنذ 2005 وجريمة اغتيال الحريري وهؤلاء ضد نظام الأسد، بل هم كفروا به وبكل أعوانه اللبنانيين، وفي مقدّمهم حزب الله الإيراني – اللبناني، ودفعوا الاثمان والشهداء والجرحى، على ما فعل، تمثيلاً وليس حصراً، سمير قصير، جبران تويني، مي شدياق الخ…
مناسبة هذا الكلام، الحملات التي طاولت الكاتب والصحافي اللبناني المعارض لحزب الله ولنظام الأسد، حازم الأمين، فقط لأنه كتب مقاله «داعش الذي هو في أنفسنا» («الحياة»، 17/7/2017). هذا المقال على ما فيه من نقد ذاتي وموضوعي وجاد، إضافة إلى كونه نقداً اجتماعيّاً – سياسيّاً وثقافيّاً، هو في أساسه يصبّ في خانة تبرئة الثورة السوريّة من «داعش» وملاحقها، ويشير إلى النشأة الأصليّة من «نطفة وبويضة بعثيتين» لهذا التنظيم الإرهابي. بل هو ينتقد أميركا ودورها في ظهوره. وخلاصة ما قاله الأمين في النقد الذاتي: «كل من هتف لـ «المقاومة» في العراق، شارك في انعقاد النطفة على البويضة. ويومها معظمنا فعل ذلك. فقد أطربتنا أشرطة الفيديو التي كانت تبثها «دولة العراق الإسلامية»، والفصائل الموازية لها، واليوم كل بحث عن «داعش» يفضي إلى هذه المرحلة المؤسِسة. ارتداء القفازات في تفسير «داعش» لن يجدي نفعاً، ولن يفيد في سياق المعركة معه. ومثلما هي مخيفة عدم رغبة الأميركيين في الذهاب في البحث عن «داعش» في سياساتهم وأخطائهم وممارساتهم، مخيف أكثر تغاضينا عن البحث عن «داعش» في أنفسنا». وأضاف: «الصدمة المطلوب إحداثها في سياق سعينا للشفاء من «داعش» كما من النظام في سورية، هي أن نبحث أيضاً عنهما في أنفسنا، وفي تمكنهما من حجز مواقع في وعينا وفي خبراتنا وتجاربنا. أن نعيد النظر في مسلمات، وأن نلعب في وجدان تشكل في ظل ثقافتي البعث و «داعش»، وما بينهما من مقاومات». والسؤال هنا: لماذا يصار إلى الإشارة إلى الهويّة القوميّة أو الدينيّة أو الطائفيّة…، لكل كاتب، من قبل بعض الكتّاب المثقفين السوريين الذين يحسبون أنفسهم على ثورة «الحرية والكرامة»؟!. لماذا تتم الإشارة إلى طائفة الأمين، وهو المعروف عنه مواقفه الناقدة بحزم لحزب الله وكل اذرع إيران ونظام الأسد في لبنان والعراق وسورية؟!. نسق كهذا من التعاطي، ألا يصبّ في طاحونة نظام الأسد ويؤكّد مقولته ان «الثورة» كانت طائفيّة؟!. لماذا حين يتم انتقاد نديم قطيش، يتم استحضار طائفته؟!. أوليس ثمة نزوع طائفيّ لدى مَن يستحضر طائفة الشخص المختلف أثناء انتقاده؟.
لماذا يتم إخراج الثورة السورية من جوهرها، وتقديمها على انها ثورة إسلاميّة سنّيّة، عربيّة، وليست ثورة وطنية ديموقراطيّة، سطا عليها الطائفيون والقوميون؟!. والأغرب أن يقوم بعض الكتّاب والمثقفين السوريين المنتمين للبيئة السنيّة بالترويج والتسويق لمقولة «الحاضنة العلويّة لنظام الأسد» واتهام كل الطائفة بأنها تقف وراء هذا النظام الفاشي، ويجري ذلك ليس على المستوى الفردي، بل على مستوى مؤسسات إعلاميّة سوريّة معارضة وحتى عربيّة أيضاً، وهذا فيما يرفض هؤلاء، في شكل قاطع، مجرّد التلميح إلى وجود حاضنة سنيّة أو أن جزءاً من السنّة كانوا حاضنة لـ «داعش» أو «النصرة» أو «أحرار الشام» وكل هذه التشكيلة المتطرّفة التي مارست الإرهاب على السوريين باسم الثورة؟!. يطالب هؤلاء العلويين بالانتفاض على نظام الأسد، ويتهمونهم بالطائفيّة، ولا يطالبون المدن السنيّة بالانتفاضة على «داعش» و «النصرة» و «أحرار الشام»؟َ. فأي منطق هذا؟! والحق أنه إذا نظرنا إلى أحوال كل من هاجموا حازم الأمين واستخفّوا بالبيان الذي وقعّ عليه أكثر من 260 كاتباً وصحافياً وفناناً ومثقفاً لبنانياً والذي يدين ويشجب الممارسات العنصريّة ضد اللاجئين السوريين، يظن أن هؤلا «المنتقدين» – المتهجّمين، أصدروا، حين كان جيش حافظ الأسد يعيث فساداً في لبنان، بياناً واحداً دانوا فيه جيشهم «الوطني – العقائدي»!. وحين قتل النظام السوري ما يزيد عن 30 مواطناً كردياً سورياً وجرح العشرات واعتقل المئات على خلفية انتفاضة 12 آذار (مارس) 2004، فإن هؤلاء لم «يصدروا» بياناً من طينة البيان اللبناني المذكور آنفاً، ينتقدون فيه النظام السوري في تعامله الوحشي وقتذاك مع كرد سورية!.
لماذا، مثلاً، لم يصدر بيان على غرار البيان اللبناني في التضامن مع السوريين، يقول: «نحن الموقّعين أدناه، ناشطين وكتّاباً ومثقّفين وصحافيّين وفنّانين سوريين، ومن موقع إيماننا بسورية وطناً للحريّة والتعدّد واحترام حقوق الإنسان، نعلن رفضنا القاطع واستنكارنا العميق لبعض الممارسات المقزّزة بحقّ المدنيّين السوريّين الكرد على خلفيّة انتفاضتهم على نظام الأسد. إنّ ما يرافق هذه الممارسات من حملات تحريض على السوريّين الأكراد، على وسائل التواصل الاجتماعيّ وفي بعض الصحف وشاشات التلفزيون، أو على ألسنة بعض السياسيّين، لا يقلّ بشاعة عن الممارسات الإجراميّة نفسها. وهذه مثل تلك، لا تسيء إلى الأكراد الأبرياء فحسب، بل تسيء أوّلاً وأخيراً إلى صورة سورية، كما تنتقص من ضمائر السوريين. فما يجري على هذا الصعيد لا يمثّلنا بتاتاً، بل يواجهنا بخيارات حادّة يتعلّق بعضها بتنظيف وطنيّتنا من شوفينيّتها، وبجعل الموقف من الأكراد وحقوقهم أحد معايير هذه الوطنيّة التي نريدها صنواً للديموقراطيّة وحقوق الإنسان».
واليوم نرى البعض منهم اليوم يودون الإطاحة بكل أصدقاء ثورة الحرية والكرامة السورية في لبنان، وفي ايّ مكان، طالما تعلّق الأمر بمحاولة توجيه النقد للبيئة السنيّة – البعثيّة بوصفها أحد العوامل الضالعة والمؤسّسة لتنظيمات على شاكلة «داعش» وأخواتها.
فعلى من يتهافت على التذكير بطائفة حازم الأمين بداعي ردّ انتقاداته، أن يكلّف نفسه ويُتعبها قليلاً بمشاهدة حلقات سلسلة «الخريطة» التي تتناول كتب التراث الإسلامي، وفي مقدّمها صحيح بخاري ومسلم. هذه السلسلة التي قدّمها الباحث المصري (السنّي) إسلام البحيري، بكل جدّ واجتهاد واقتدار، ينبغي مشاهدتها، حلقة حلقة، قبل ردّهم على «كفر» حازم الأمين… وعلى كفرنا معه!.
alhayat.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى