آراء

الغائب عن تقرير مصيره

حسين جلبي

بإستثناء الأشهر القليلة التي أعقبت بداية الثورة السورية في آذار 2011، والتي شهدت حراكاً مدنياً سلمياً في المدن والبلدات الكُردية للمشاركة في فعاليات الثورة، حيث أطلق النشطاء الكُرد خلالها الشعارات المعبرة عن الأحلام والطموحات القومية والوطنية، والتي كان من المفترض أن تكون بداية لوضع الأسس لتقرير شكل الحقوق الكُردية في سوريا، لم يكن للكُرد أي دور في كل التحركات التي تمت على الأرض فيما بعد. خاصةً في جانبها العسكري. بحيث يمكن القول: بأنهم كانوا الغائب الأكبر عن تحديد ما آلت إليه أحوالهم، بعد أكثر من ست سنوات من الثورة. إذ لم تتحقق أية مصلحة كُردية حتى الآن. وليس هناك أي منجز كُردي الهوية والمضمون، يمكن الإفتخار به أو الحديث عنه.
وإذا كان مفهوماً، وإن لم يكن مشروعاً، عدم تمكن الكُرد من تحقيق أي شئ يثبت هويتهم القومية في سوريا قبل الثورة، بإستثناء تثبيت يوم 21 آذار من كل عام كعطلة رسمية بمناسبة عيد النوروز، وذلك نظراً للحرب الممنهجة الشاملة التي شنتها أنظمة ما بعد الاستقلال على كل ما هو كُردي بغاية محوه وصهره، فإن ما ليس مقبولاً حتى الآن، هو عدم تحقق أي شئ يدل على تلك الهوية أو يعبر عنها. رغم أننا نسمع بشكلٍ يومي عن قوات كُردية مؤللة تخوض الحروب في طول سوريا وعرضها، وتطلق النار من كل البنادق، وفي كل الإتجاهات، مع ما يسببه ذلك من خسائر مادية جسيمة ونزيف بشري، ولها علاقات مع قوى إقليمية ودولية وازنة. ونسمع عن مشاريع صاخبة يقول أصحابها: بأنها بمثابة فتح مبين في الإجتهادين الدستوري والقانوني الإنساني، مثل الإدارات الذاتية والكانتونات والفيدراليات، والكومينات والحكومات الذاتية والحاكميات المشتركة، حتى بات من الصعوبة ملاحقة تلك المشاريع المتناسلة بغرض احصائها، إذ يحمل كل يوم الجديد منها، والتي يقولون: بأنهم يطبقونها على بقعة جغرافية باتت جنةً للديمقراطية. لكن الحقيقة التي لا تغيب عن المراقب، هي أن ما يجري اليوم للكُرد، أو ما يتصوّره البعض بأنهم يقومون به بأنفسهم، بعيدٌ كل البعد عن السكة التي تؤدي إلى تحقيق مصالحهم القومية، في حدودها الدنيا. فالكُردي يُجرّ اليوم جرّاً من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي، وجميع تشكيلاته، ذات الصبغة المسلحة أو المدنية، ودون أن يكون مقتنعاً، إلى جبهات قتال الآخرين البعيدة، لتحقيق شعارات خلبية أو غير مفهومة في أحسن الأحوال، لا تستحق كل ذلك العناء وكل تلك التضحيات. في الوقت الذي يعجز فيه الحزب الذي يقف وراء ذلك عن توفير الأمان له حيث يقيم، إذ يكون عرضةً للخطف والإخفاء في كل لحظة، ولا يكون مقبولاً منه إبدائه لرأي مخالف، وفي الوقت الذي يعجز فيه الحزب، أو يمتنع عن تأمين أدنى مستويات المعيشة الأُخرى، المتمثلة بالخبز والماء والغذاء والكهرباء والوقود لأبناء المنطقة بصرف النظر عن انتماءتهم القومية والحزبية. إذ يقوم بممارسة الإحتكار في هذه القطاعات، ويتاجر في كل شيء فيها لزيادة الأموال التي يقوم بتكديسها.
لقد بات الكُردي هو الطرف المقابل في المعركة التي يخوضها الكُردي بشراسة. لا بل أخذ الكُردي يخوض معركته ضد نفسه، ضد الرموز القومية الكُردية من لغة وعَلَم وتاريخ، وكأنه يحقق بذلك أهدافه الكُبرى. وهكذا أصبح التجهيل شعاراً، والتنكر للقومية إفتخاراً، وإنزال العلم القومي الكُردي بطولةً، وحرق وإغلاق مكاتب الأحزاب الكُردية عملاً قانونياً من أعمال السيادة. وأصبح تخوين الكُردي، وتشويهه، وإستهدافه وفرض الأتاوات عليه، وتجنيده قسراً للقتل أو الموت، وإرغامه على الهجرة للنجاة بنفسه ممارسات مسكوت عنها، وإثارتها تدخل ضمن إطار إثارة الفتن والخيانة العظمى.
من جهة أُخرى، يحاول حزب الاتحاد الديمقراطي المعني بكل تلك الكوارث والواقف ورائها بإصرار، تصوير حق تقرير المصير منجزاً لمجرد السماح برفع صور زعيم حزب العمال الكُردستاني عبدالله اوجلان، وبضع مئات من الرايات المختلفة في المنطقة، ولمجرد حمل الكُردي سلاح الدول الإقليمية والدولية، وتنقله به إلى حيث يطلب منه، ليطلق من هناك النار على الأهداف التي تحدد له.
إن القفز المستمر من مشروع إلى آخر، والتقلب بين الشعارات وإختراع الجديد منها تبعاً لما تتطلبه سوق السياسة اليومي، لا يخفي ورائه غياب الرؤية الواضحة وعدم جدية تلك المشاريع والشعارات فحسب، بل إرتهاناً واضحاً لاجندات غير كُردية. كما أن السكوت عن المغامرة بمصير القضية القومية وجعلها وقوداً لتلك الاجندات، والإستسلام للقمع الممارس وعدم تشخيص حقيقة الوضع، وعدم تسمية الأشياء بأسمائها، يدل على أن الكُرد آخر المعنين بتقرير مصيرهم، والذي يصبح يوماً بعد آخر في مهب الريح.
المركز الكردي السويدي للدراسات

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي يكيتي ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى