آراء

الإشكالية الحزبية ما بين الانتماء والملكية!!!

د. زارا صالح
حالة الانشطار والتشرذم التي شهدته الحركة الكوردية السورية منذ ولادة الحزب الكوردي الام (البارتي الديمقراطي) الذي أسسه أوصمان صبري ونورالدين زازا وغيرهم، لم تتوقف الى تاريخ اليوم ، ولعل الوقوف على أسبابها يحتاج لبحث واسع لكن هنا سوف نركز على نفطة واحدة وهامة تعد اشكالية لأغلب الاحزاب وثقافتها وتربيتها ونهجها التي ترسخ هذه الظاهرة التي تزيد بين فترة وأخرى خاصة وان ظروف ما بعد الثورة السورية قد وفرت تربة خصبة لبيئة الانشطار والتنقلات الموسمية حسب مبدأ العرض والطلب ومدى حاجة بعض الجهات لأرقام جديدة في لعبة الأرقام في مجالسها.
من خلال نهجها السياسي وأنظمتها الداخلية وظفت اغلب تلك الاحزاب هدفها في خدمة الحزب وسكرتيره وقيادته او بالأحرى الاختزال الفردي بشخصنة الحزب ليكون هو الهدف والوطن والكوردايتي وذلك تماهياً مع ثقافة شرق أوسطية شمولية، قد توجه بوصلتها الى شعارات وشخصيات من خارج الحدود لدغدغة المشاعر القومية والحشد الشعبي لتصدير النضال.
تلك التربية الحزبية التي أبقت على فئة لتكون القيادة ملكاً لها تجمعهم المصلحة وجيشاً من المريدين (حسب نهجهم) حتى يقطع الطريق امام اي تطور او بديل آخر لهم ونكون امام حالة ربط مؤقتة قد تتحول الى انشقاق عند تعارض المصالح.
ولعل وجود هذا الكم الهائل من الاحزاب يعكس ذلك ويؤكد نظرية ان هدف كل تلك الانشقاقات كانت لمصلحة وصراعات شخصية لانها لم تأتي ببديل افضل بل كانت صورة منسوخة عن سابقاتها (قد نستثني بعض الحالات خاصة قبل الثورة وذلك في مسائل مفصلية مثل الموقف من النظام وكذلك النشاطات الجماهيرية والبرنامج السياسي)، فمثلاً قيادي ما يظل مرافقاً لمعلمه طيلة عقود ثم في لحظة تعارض المصلحة يكتشف بانه مختلف سياسياً وفكرياً مع حزبه ويعلن الحرب والتخوين كالعادة الى ان يعلن عن حزب جديد وهكذا تكررت الحالات عشرات المرات وقد تكون المسألة شخصية بحتة او صراع بين نرجسيات متورمة يتحول بعدها الى انشقاقات.
خرجت اغلب الاحزاب من خلال تربيتها الحزبية عن هدفها القومي واستبدلت بمفهوم الملكية وبدلاً من الانتماء الحزبي لتحقيق الهدف والطموح القومي كان التأكيد على ملكية الحزب لأشخاص معينين سرعان ما يتحول الصراع الى طابعه العشائري فيكون (الزعيم المالك) متمرداً ومنشقاً مع كامل عشيرته عندما يفقد الملكية ويتعارض مع الحزب وحتى اذا قدم استقالته فانه ينشرها على وسائل الاعلام ليعرض بضاعته على اخرين في بازار (من يدفع اكثر او من هو بحاجة الى رقم ) ، وهنا لايمكن ان تمر العملية (الاستقالة او الانشقاق) بسلام فتكون الثأرية والانتقام وحتى الجمع بينها وبين بعض الطقوس الهندية عندما يموت الزوج حيث يتم حرق الزوجة أيضاً وهذا هو حال أولئك حاملي هكذا ثقافة انتقامية او عبر ثقافة (اما انا أو سأحرق الحزب!!).
اختزال الاحزاب في شخصنتها وملكيتها لأفراد وجدوا أنفسهم وكأنهم حاملي صكوك الغفران وآلهة الشعب على الارض أوصلت الحالة الى ان يجعل من الحزب وسيلة لغايات ونزعات غريزية لأفراد استغلوها لتحقيقها بكل وسائلها الممكنة ليكون هو الحزب والحزب يكون هو ، وان اي تغير في هذه المعادلة يعني خروج الحزب عن خطه السياسي ومن ثم انقلاب عليه وتشكيل حزب جديد وما اسهله سيما وان الشرط الوجودي النضالي غير موجود. واليوم سوف نشهد الكثير من هكذا حالات (ثورية وسياسية) شعاراً للتبرير وتعارض مع المصلحة وخروجاً عملياً في حقيقته للبحث عن موقع اخر اكثر إغراءاً وهي كثيرة اليوم مما يسهل من عملية بروز فئة الانتهازيين وصيادي الفرص والمتسلقين التي هي واجهة الثورات. والثورة السورية أفرزت العديد منها كمعارضة.
اخيراً يمكن القول بان ثقافة الملكية بقيت هي السائدة حزبياً (لقادة) المصالح والمناصب ليبقى الانتماء أشكالاً وحصراً على قاعدة ليتحول بعدها الولاء للزعيم وليس للحزب وهكذا سنكون امام تفريخ جديد بين كل فينة ونرى اسماء جديدة ولكن الهدف واحد لنكون امام حقيقة ناصعة وهي فشل هكذا نموذج حزبي ليكون إطاراً جامعاً ومعبراً عن طموح الكورد ولهذا لابد من قرأة جديدة بنيوية تناسب واقع اليوم عدا عن انها حتى لم تكن تواكب الماضي الا من خلال أفراد ظلوا دائمين اما انشقاق او بقاء حتى الممات….

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى