آراء

الحركة الكُـردية في سوريا ضعف الممارسة وانعدام التفاوض

عبد الله كــدو

ظلت الحركة السياسية الكُـردية في سوريا، منذ تأسيسها، تخوض نضالاً سياسيا، قوامه فضح الاضطهاد القومي الذي تعرض له الشعب الكُـردي، وتحديد خلفياته، ذلك من خلال نشراتها الدورية السرية، ذات الانتشار المحلي الكُـردي الضيق، وكذلك من خلال ندوات جماهيرية كُـردية سرِّية صغيرة، خشية ملاحقة الأجهزة الأمنية للنظام، التي كانت تناصب اللغة و الثقافة الكُـرديتين، وليس الحركة السياسية فحسب، عداءا شديداً، وتقر بحق المتعاطين إياها عقوبات مثل الطرد مـن العمل والاعتقال.

مـرت الحركة الكُـردية بفترات قصيرة مـن الاحتكاك المباشر أو التصادم مـع ” مخابرات ” الحكومات المتعاقبة في البلاد، فقد دافع المناضلون الكُـرد الذين اعتُقلوا في آب عام 1960 أمام محاكم حكومة الوحدة، وتعتبر مرافعات القياديَيْن أوصمان صبري والدكتور نورالدين ظاظا، أمامها، أوراق قومية ناصعة في تاريخ الحركة السياسية، ثم جاء التصدي لمشروع الحزام العربي الاستيطاني، من قبل الحزب الديمقراطي الكُـردي ( البارتي) و الحزب الديمقراطي الكُـردي ( اليساري)، وتم اعتُقال مجموعة من قياديّي وكـوادر الحزبَيْن في عام 1974، استمرت مدة اعتقالهم لنحو تسعة أعوام.

بعد انهيار سلطة منظومة الدول الاشتراكية وسقوط معظم الدول التوتاليتارية التي كانت تدورفي فلكها في العالم الثالث، ارتعدت فرائص النظام السوري ، فاقتنصت القيادة المشتركة للأحزاب الثلاثة التي اتحدت في حزب ( الوحدة) يكيتي الكُـردي، الفرصة ، ذلك في خريف 1992، حيث قام بتوزبع البيان/الملصق في الذكرى الثلاثين لصدور مشروع الإحصاء الاستثنائي الشيوفيني، ثم قام حزب يكيتي الكُـردي بتنظيم مظاهرة أمام مجلس الشعب بمناسبة ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 2002 ، و على خلغية تلك الأنشطة، اعتُقل العشرات من قياديّي و منتسبي الحزبين، ومنهم مـن رفـد المكتبة الكُـردية السياسية بمرافعات قيمة أمام محاكم النظام، نشرت ضمن سلسلة ” دفاعا عن قضية عادلة”.

ثم نظم معظم الأحزاب الكُـردية – معاً- مزيدا مـن التظاهرات والاعتصامات بدءاً من عام 2003 ، واستمرت حتى بداية الثورة السورية القائمة، مـروراً بالانتفاضة الكُـردية التي انطلقت من قامشلو في ربيع 2004، حيث نحن بصدد مرحلة ما قبل الثورة السورية القائمة.

إلا أن الحركة لم تتمكن مـن قطف ثمار نضالها على مـدى أكثر مـن نصف قرن، على شكل مكتسبات ملموسة، أو انتزاع وثائق رسمية، تفصح عـن اعتراف أو إقـرار بالحقوق القومية للكُـرد، ذلك ﻷسباب كثيرة، منها قساوة النظام وسطوته في طـرد السياسة مـن المجتمع السوري، بتحكمه في جميع مفاصل الدولة والمجتمع، ومنها الإعلام الذي كان يَتّهم أي متعاطف مـع الحركة أو القضية الكُـردية بدعم فصل جـزء من البلاد وإلحاقه بدولة أخـرى، و اتهامه( بالسعي لإتمام المشروع الذي عجز عنه الاستعمار) ، الأمر الذي جرى مع الحزب الشيوعي السوري/ قيادة يوسف فيصل، لدى طرحه ” حق تقرير المصير للشعب الكُـردي” في مشروع المجلس الوطني للحزب، هذا إضافة لعدم توفر الاندفاع والجدية الكافية في الحركة الكُردية، وعجزها عـن تحقيق وحدتها أو تأطير نضالها في إطار سياسي جامع، يُكسب الحركة ثقلا سياسياً وبشرياً مؤثرا، يتمكن مـن دفع النظام لإقرار الحقوق القومية للشعب الكُـردي، عليه فقد ظلت الحركة السياسية عاجزة عـن جـرِّ النظام إلى طاولة المفاوضات ، ذلك رغم تكرارها، بمناسبة أو بدونها، بأن القضية الكُـردية لا حلّ لها إلا في دمشق، وهكذا ظلت الحركة السياسية الكُـردية مُبعدة أو محرومة مـن التغاوض مع النظام، الذي ظلَّ رافضاً أي اعتراف بها، وبالتالي حُـرِّمت من أي مشاركة في إدارة المنطقة الكُـردية وتعذر عليها توفير أي مكسب مادي على الأرض، ذلك امعاناً مـن النظام في عزلها عـن جماهيرها، حيث أن أغلبية الجماهير يستهويها تحقيق النتائج الملموسة دونما انتظار طويل، وعليه فقد اقتصر العمل الحزبي لمعظم فصائل الحركة الكُـردية في الجانب اللغوي والثقافي و السياسي النظري، لأطول مـدة مـن تاريخها، حتى تحول إلى ” فانتازيا” نخبوية ضيقة يرهقها التنظير، ويستهلكها قبل الوصول إلى الممارسة والتنفيذ.

وابتعدت الحركة عـن إقامة علاقات سياسية خارجية، لتشكيل ضغط خارجي يتضافر مـع الضغط الداخلي للحركة، ذلك على خلفية التمسك بالحل الوطني ( الداخلي) الذي لم يصل، مما أبقت الحركة الكُـردية على نفس الشعارات والآليات القديمة وأحيانا نفس المسؤولين في القيادة،ٍ حيث لم تخضع لاختبارات عملية، أهمها التفاوض مـع النظام الذي كانت الحركة الكُـردية تخاطبه، وعليه لم تشعر القيادة ولا القواعد بضرورة إجراء أية مراجعة ﻷدائها، ولا رسم خطط عمل سنوية أو خمسية أو… أي لم يتم التأكد أو التحقق عملياً مـن مـدى جـدوى الاستمرار في برامجها وآلياتها القديمة المجترة، التي ظلت كبضاعة معروضة جانبا، في متجر، دون أن يغير صاحبها طريقة عرضها أو أي تجديد أو تغيير فيها.

وباستثناء نقاط الاحتكاك المباشر التي وردت

أعلاه ظل الطابع الوظيفي الروتيني الرتيب طاغيا على سيرورة العمل الحزبي للحركة .

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى