«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: قصف سوريا رسالة سياسية من الغرب لروسيا
في أواخر الأسبوع الماضي، أطلقت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ضربات صاروخية منسقة على أهداف محددة للنظام في سوريا. وكانت هذه هي المرة الثانية التي تطلق فيها إدارة «ترامب» ضربات على نظام «الأسد». وهناك أمرين فقط يميزان ضربات الأسبوع الماضي عن الهجمات التي نفذت قبل عام، وهما ضعف الصواريخ التي تم إطلاقها في أحدث هجوم، ومشاركة المملكة المتحدة وفرنسا. لكن الضربات لن تغير الحرب السورية. وقد كانت تلك الهجمة مدفوعة بالأساس بالسياسات الداخلية في البلدان الـ3 المعنية، والتي أكدت أن تغيير النظام ليس هدفها، وأن روسيا مسؤولة جزئيا عن تصرفات «بشار الأسد».
أربع قوى
وهناك الآن 4 قوى عالمية تتدخل في سوريا، وهي روسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا. وقد غامرت روسيا هناك لصرف النظر عن المشاكل في الداخل. وقد ضربت الولايات المتحدة -التي تدخلت في البداية في محاولة لتدمير تنظيم الدولة الإسلامية- «الأسد» مرتين، وذلك أساسا لأن الرئيس «دونالد ترامب» يريد أن يعكس سياسات الرئيس السابق «باراك أوباما»، الذي لم يفرض خطه الأحمر على استخدام «الأسد» للأسلحة الكيميائية. ويأتي تدخل المملكة المتحدة موجها ضد روسيا، وتستخدم بريطانيا الآن طرد الدبلوماسيين والغارات الجوية ضد دولة موالية لروسيا لتشتت الانتباه عن مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المثيرة للجدل، والتي هددت قبل بضعة أشهر بإسقاط حكومة رئيسة الوزراء «تيريزا ماي». وتريد فرنسا، التي تتعامل مع الاضطرابات العمالية المعطلة، والرئيس «إيمانويل ماكرون»، مع انخفاض شعبيته بشكل سريع، إخفاء ما يعرفه الجميع بالفعل، وهو أن فرنسا أصبحت الشريك الأصغر لألمانيا في الاتحاد الأوروبي.
وكانت الدول الأربعة غير مستعدة لحرب حقيقية على استخدام «الأسد» المزعوم للأسلحة الكيميائية. وتبحث الولايات المتحدة بشدة عن طريقة لمغادرة سوريا. ولم تكن المملكة المتحدة وفرنسا على استعداد لنشر القوة العسكرية الضرورية لإسقاط «نظام الأسد»، ناهيك عن مواجهة روسيا عسكريا. ولطالما كان نشر القوات الروسية في سوريا محدودا، ويركز في الغالب على الأصول الجوية لمساعدة نظام «الأسد» على هزيمة المعارضين الذين لا يستطيعون تحدي روسيا جوا. وهذه ليست عاصفة الصحراء، ولا هي مقدمة للحرب العالمية الثالثة. كل ما في الأمر أن القوى الأجنبية تفعل ما كانت تفعله دائما في الشرق الأوسط، تدفع البيادق على رقعة الشطرنج لكسب النقاط.
وفي هذه الأثناء، كان اللاعبون الحقيقيون في هذه الحرب هادئين بشكل ملحوظ خلال عطلة نهاية الأسبوع. فـ(إسرائيل)، التي قصفت أهداف نظام «الأسد» وأهدافا إيرانية في سوريا عدة مرات، ورد أنها زودت بعض المعلومات عن منشآت الأسلحة الكيميائية السورية، لكنها لم تشارك في الحملة. (يبدو أن انفجارا وقع في قاعدة لحزب الله جنوب حلب خلال عطلة نهاية الأسبوع كان انفجارا في مستودع للأسلحة وليس هجوما جويا إسرائيليا، كما أفادت العديد من وسائل الإعلام). وكانت تركيا مشغولة بالتوسط بين روسيا والولايات المتحدة حتى بدأت الصواريخ بالسقوط. ووصفت إيران هذه الهجمات بأنها جريمة لكنها قيدت ردها في إطار خطابي فقط حتى الآن.
وقد تتحول الحرب الأهلية السورية إلى حريق أكبر بكثير، ولكن إذا حدث ذلك، فسيكون بسبب صدام بين المصالح التركية الإيرانية، وليس بسبب الضربات الجوية الغربية المحدودة على منشآت «الأسد» للأسلحة الكيميائية. وفي حين تستمر روسيا والولايات المتحدة في تعطيل قرارات مجلس الأمن، سيستمر نظام «الأسد» في إخماد المعارضة. وستواصل تركيا توغلها في شمال سوريا. وستواصل إيران بناء القواعد وتعزيز الوكلاء في جميع أنحاء البلاد. وستطبق (إسرائيل) استراتيجية الردع الخاصة بها على نطاق أكبر بكثير. وسوف يقترب الأكراد السوريون من اللحظة الحتمية التي يتم التخلي عنهم من قبل راعيهم (الولايات المتحدة)، التي لم تعد ترى لهم فائدة. وكلما خفت خطر الغارات الجوية الغربية، كلما تمكنت الأطراف المتحاربة من العودة إلى القتال الحقيقي.
تحالف مناهض لروسيا
لكن القوى الغربية تصر على أنها ستواصل التدخل طالما استمر نظام «الأسد» في استخدام الأسلحة الكيماوية. لكن هناك القليل من الأدلة المتاحة للجمهور على استخدام الأسلحة الكيميائية في «دوما». وقالت الولايات المتحدة إنها تعتقد استخدامها، لكن سجلها في تقييم وجود أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط يترك شكا في صدق حديثها. وعلاوة على ذلك، بدأت الغارات الجوية للتحالف قبل وقت قصير من وصول محققين من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى دمشق.
علاوة على ذلك، لا يوجد سبب يذكر لاستخدام نظام «الأسد» لهذه الأسلحة. وقد يكون «الأسد» وحشا، لكنه كان براغماتيا إلى حد كبير حتى هذه النقطة، وليس هناك سبب كبير للاعتقاد بأن هذا قد تغير. وليس لدى «الأسد» ولا رعاته أي دافع لاستخدام الأسلحة الكيميائية في هذه الحالة. فالنظام على أعتاب ضمان أمن دمشق، فلماذا يشارك في هجوم كيميائي على معارضة مهزومة غالبا؟ إن استخدام الأسلحة الكيميائية لا يقدم سوى القليل من المزايا العسكرية، ويعطي أعداء «الأسد» ذريعة مفيدة لشن هجمات. وتحاول روسيا مغادرة سوريا، وتحاول التحرك نحو تسوية متفاوض عليها منذ شهور. ويعد موقف إيران في سوريا مستقر ولكنه مهدد، وهي تحتاج إلى وقت لتأسيس وجود قوي وتأمين خطوط الإمداد الطويلة، وأصبح الاستهداف الغربي ضارا بجدول أعمالها.
ووسط هذا الارتباك، فإن الشيء الوحيد الذي يمكن قوله على وجه اليقين هو أنه تم تدشين تحالف مناهض لروسيا. ولم تغير الضربات الغربية توازن القوى في الحرب السورية، وفي الحقيقة، لا علاقة لها بالنزاع الذي يحيل سوريا إلى خراب. ويبدو من المرجح أكثر في هذه المرحلة أن الضربات كانت بيانا سياسيا ضد روسيا.
ولم تتنبأ توقعاتنا لهذا العام أن يتصادم الغرب وروسيا إلى هذا الحد. وتريد روسيا موازنة القوى في الشرق الأوسط، وهو ما يعني إبقاء تركيا وإيران تتقاتلان إلى أجل غير مسمى، مما يمنع أيا منهما من أن تصبح قوية بما يكفي لتحدي المصالح الروسية في مجالات نفوذها المرغوبة. وتريد القوى الغربية توازن القوى كذلك. لكن العادات القديمة تموت بسهولة. وقد تكون مقارنات الحرب الباردة، على الرغم من تطبيقها بشكل خاطئ على الوضع الحالي، مقنعة بما يكفي في صراع غامض أخلاقيا. كما أن الضرورات المحلية في بعض الأحيان تفوق الضرورات الدولية. ويريد «ترامب» مواجهة مشاكله الداخلية وتحتاج «ماي» إلى أن صرف تركيز أوروبا إلى التهديدات الخارجية بدلا من مشاكل الحدود مع أيرلندا الشمالية، ويبدو «ماكرون» يائسا لتحقيق نصر سياسي، وكل هذا قد يحدث بتكلفة منخفضة بقصف أهداف غير مهمة في دولة منبوذة في الشرق الأوسط. أما بالنسبة للرئيس الروسي «فلاديمير بوتين»، فهو الآن يقف مواجها الغرب، وقد يغفر له قدر كبير من الخلل الاقتصادي إذا ظهر بصورة المدافع عن روسيا.
وهناك حربان يجري خوضهما هنا، حرب عسكرية في سوريا، وحرب علاقات عامة بين روسيا والغرب. وكانت الغارات الجوية في سوريا مقصود بها هذه الأخيرة. أما الأولى فلا نهاية لها في الأفق.
جاكوب شابيرو – جيوبوليتيكال فيوتشرز