آراء

حقول العبادي وبيادر البارزاني

كفاح محمود كريم

من الأمثلة العربية الجميلة بشأن الأوهام أو التوقعات غير الجدية مقارنة مع واقع الحال هو حسابات الحقل والبيدر، حيث أنها في الحقل ربما تعطي مع أوهام الربيع التي تشبه الربيع العربي، انطباعا مزينا بالغرور والتصور المبالغ، كما كان يتوقع رومانسيو الثورات من نتائج فوضويات الربيع العربي وماسيه، فما حصل للسيد العبادي وطاقمه بأن الطريق إلى قلعة اربيل سيكون بسهولة الوصول إلى كركوك، إن حساباتهم الحقلية تلك لم تتطابق مع بيادر البارزاني وحزبه، تلك البيادر التي حصد فيها البارزاني ما كان يتوقعه من بل ويصر عليه في الانتخابات العراقية الأخيرة، وقبلها في الاستفتاء الذي جرى يوم 25 أيلول 2017م وحصد فيه الأغلبية من الأصوات.

حينما قرر الفارون من الدستور إلى حيث كان يفعل دكتاتور العراق الكبير صدام قائلا ( ليس لدينا قانونا كالقرآن فنحن نضعه وفي أي لحظة نلغيه أو نعدله!)، أدرك الكثير هنا في إقليم كردستان وفي مقدمتهم البارزاني إن برنامجهم اكتمل وهم قاب قوسين او ادنى من تطبيقاته، واجتياح الإقليم وإلغاء كيانه وتجربته والعودة لا إلى المربع الأول بل إلى ما دون الصفر، ولذلك جاء الاستفتاء تعبيرا إنسانيا وقانونيا وأسلوبا مدنيا متحضرا للرجوع إلى رأي الأهالي في مسألة مصيرية تتعلق بحياة ملايين من البشر، إلا أنهم رأوا ذلك وبعنجهية بدائية إن هذا السلوك غير دستوري وانه يمس أساسيات الدولة العراقية التي وصفتها ديباجة الدستور ووضعت أقفالا ومفاتيح للدخول والخروج منها، تلك الديباجة التي وصفت العراق الجديد بأنه (عراق المستقبل، من دون نعرة طائفية، ولا نزعة عنصرية ولا عقدة مناطقية ولا تمييز، ولا إقصاء.) وإذا كان هذا هو القفل فان المفتاح في هذا النص الذي ختم الديباجة هو: (إنّ الالتزام بهذا الدستور يحفظُ للعراق اتحاده الحر شعبا وأرضاً وسيادةً). ورغم ذلك اختاروا لغة الدماء والاجتياح وإيقاف العمل بالدستور، وخرقه باستخدام القوات المسلحة لحل النزاعات مع الأقاليم والمحافظات، هذه القوات التي تم تعريفها دستوريا في المادة التاسعة أولا/ أ:

(لا تكون أداة لقمع الشعب العراقي ولا تتدخل في الشؤون السياسية ولا دور لها في تداول السلطة)/

ورغم ذلك تم احتلال كركوك والمناطق المتنازع عليها، وتهجير أكثر من 180 ألف مواطن منها وحرق بيوتهم وسرق ونهب ممتلكاتهم، بل وان أول بيان إعلان احتلال كركوك تم منع استخدام اللغة الكردية من قبل قائد العمليات لمنطقة كركوك، رغم إن اللغة الكردية هي اللغة الرسمية في العراق إلى جانب العربية كما جاء في المادة (أولاًـ اللغة العربية واللغة الكوردية هما اللغتان الرسميتان للعراق ).

ولان الاستفتاء والانتخاب والاعتصام والتظاهر اساليب مدنية متحضرة للتعبير عن الرأي، فقد استخدمها شعب كوردستان وقياداته للتعبير عن الخطر الذي يدهم الإقليم وشعبه، والذي أكدت مجريات الأحداث صدق ما ذهب إليه البارزاني من أن الاستفتاء جاء نتيجة عدم تطبيق حكومة بغداد للدستور، وعليه قامت الدنيا ولم تقعد عند أولئك الذين ينظرون بعين واحدة ويريدون أن يروا العالم بزاويتهم الشمولية التي كلفت العراق منذ تأسيس كيانه السياسي آلافا مؤلفة من الضحايا والفرص الذهبية للتقدم والتطور، إلا أنهم يصرون عبر كل مراحل التاريخ على إبقاء هذه البلاد على هذا النحو الذي هي فيه اليوم!

لقد جاءت الانتخابات العراقية الأخيرة لتؤكد جملة من الحقائق، في مقدمتها فشل مشروع الإقصاء والتهميش لحركة التحرر الكوردستانية المتمثلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيسه مسعود بارزاني، الذي اكتسح صناديق الاقتراع في كردستان متقدما على مستوى العراق والإقليم، مما يتطلب إعادة النظر ومراجعة العلاقات بين أربيل وبغداد بعيداً عن التعصب والتوتر وأن تكون تلك الانتخابات بداية لمرحلة جديدة بين الجانبين، مرحلة فرضتها إرادة الشعبين العراقي والكوردستاني، العراقي حينما رفض أكثر من نصف سكان العراق التصويت احتجاجا على فشل الحكومات وبرلماناتها، وكردستانيا هذا الإصرار من شعب كردستان وتمسكه بقيادته وحركة تحرره الوطني والقومي الذي رفض كل نتائج غزوة كركوك وتداعياتها وأصر على الديمقراطية والحوار والانتخابات التي أفرزت واقــــعا جديدا يأمل فيه البارزاني أن تتم مراجعة للعلاقات بين أربيل وبغداد بعيــــــداً عن التعصب والتوتر، وأن تكون تلك الانتخابات بداية لمرحلة جديدة بين الجانبين، لا تخضع لحسابات كارثية أكل عليها الزمن وشرب، بل على معطيات واقعية تتعامل مع حقيقة البيادر والمنتجة للخير والسلام والازدهار، وليس للهيمنة والتهميش والاقصاء!.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى