عفرين بين مطرقة العصابات المسلحة وسندان الثورجيين الجُدد
عنايت ديكو
لا يخفى على عاقل بأن الفصائل العسكرية المسلحة والمدعومة من تركيا التي احتلت عفرين يوم 18.03.2018، لم تأتِ بشيءٍ جديد الى منطقة كورداغ مطلقاً، لا من الناحية الانسانية ولا المدنية ولا الثقافية ولا العلمية ولا الحضارية، ولا من ناحية الأمن والأمان، ولا الحريات والتعبير ، ولا من ناحية الفعل والعمل السياسي السوري والوطني كفعلٍ ثوري، سوى توزيع الرعب الكبير من الزاوية المنفرجة، والسرقة المُنظمة والدقيقة وحملات الاعتقال الرهيبة، ورفع سقف الآتاوات والضرائب والجزية، والاعتماد على الغنائم والمُصادَرات الحَربية الليلية، ورفع وتيرة الخوف الى أعلى درجاتها، وإلباس الكورد لبوس الجلباب والخمار الأسود وإطلاق اللحىٰ الطويلة وترديد عبارة ” إنا فتحنا لك فتحاً مبينا .… وجئناكم من أجل أن نُعلّمكم الاسلام الصحيح يا أهل عفرين” .! وكأن الاسلام قد أمَرَهم بمصادرة أملاك الناس والقيام بالسرقات والتعدي ومصادرة المال والأموال وفرض الآتاوات والغنائم والجزية على الناس ومصادرة حرّياتهم وحياتهم؟
وبمحاذاة هذا الاحتلال والشروع في تبديل الخصوصية الكوردية وتغيير نمط حياة الكورد رأساً على عقب، يلعب إعلام المعارضة والى درجة كبيرة الدور الرئيس والهام في تثبيت مفاصل هذه الثقافة ونشرها، ويعمل هذا الاعلام أيضاً، على ازدياد وتيرة الخنوع لدىٰ الكورد والاستسلام للأمر في نهاية المطاف والتعامل مع الواقع المحتل والمرير، من مبدأ التعامل مع ” أمر واقع ” واجب. والقيام بالمساهمات الكبيرة في ترسيخ فكرة التوطين المُتدرج للنازحين، وممارسة منهج وسياسة التغيير الديمغرافي في منطقة كورداغ، بالتعاون مع أطراف داخلية وخارجية كهدفٍ اولي واستراتيجي .! فهذا هو اعلام المعارضة ووظيفته… وهذه هي المعارضة السورية وحكمداريتها لمنطقة غير عربية في سوريا.
فبعدَ أن نَهَبَتْ كل شيء … وسَرَقَتْ المال والأموال … واستَولت على الأخضر واليابس من منازلٍ … وأثاث … وبيوت … وعقارات … ومحلات … ودكاكين … ومعاصر … وفلاحة وآلات وحراثة . وبعد أن أحكَمت سيطرتها العسكرية والدينية والعقائدية والقومية على كامل منطقة كورداغ … وبعد أن مَنَعَتْ الكورد ولا تزال تمنع عودتهم الى ديارهم وقراهم، نرىٰ وبمحاذاة هذا الاحتلال العرو – تركي، تبدأ الميليشيات الاسلامية المسلحة والمتطرفة وعبر مؤسساتها وماكيناتها الاعلامية، بالتحرك شعبياً وجماهيرياً واعلامياً ومواعظياً وعلى شكلٍ واسع وكبير لجذب وجلب المزيد وما أمكن، من المستوطنين والنازحين العرب إلى منطقة “عفرين ” واسكانهم هناك، والقيام بتقديم كافة أنواع الخدمات والمستلزمات والتسهيلات والمساعدات والدعم اللوجستي لهم ولعوائلهم… وتوزيع الشقق والبيوت والمنازل والأبنية والمحلّات على هؤلاء النازحين، وخاصة القادمين من الغوطة الشرقية وما حولها ، الى جانب القيام بالمساهمات الجدّية مع الحكومة التركية على الأرض، من أجل القيام بالتغيير الديمغرافي المرسوم والمطلوب.
فقبل أيام … وعلى سبيل المثال لا الحصر، كانت قناة ” الجســـر ” المتشدّدة تصدح من قلب عفرين، وترسل التقارير عبر مراسلٍ مفلطح الشكل والمنظر، عنصري الفكر والمنهج والتفكير والممارسة. وكانت تنقل لجمهورها العرو- تركي أخبار وأحوال الرعيّة في موطنهم ومسكَنهم الجديد، وطرق ووسائل عيشهم وأساليب حياتهم الجديدة، الى جانب التذكير بوجود المرافق الحيوية والبنية التحتية وأهميتها هناك في عفرين وضرورة الاستفادة والاستثمار فيها من أجل المسلم والاسلام، من متنزهاتٍ وحدائقٍ وخضرة وشلالات وهواء وسياحة وجبال وأنهار، وابراز أساليب وطرق الترفيه عن النفس من أجل التشجيع والمجيء الى عفرين. وأيضاً، نقل أجواء الفرحة الرمضانية العارمة التي تجتاح قلوب النازحين والساكنين والقاطنين الجدد في عفرين ونقل ارتياحهم الكبير الى الجماهير، عبر التقارير التلفزيونية المصورة والمشاهدات والمقابلات الحيّة والمباشرة والحصرية .!
وكان مراسل هذه القناة الأحْوَلْ والأعور … يقوم باستجواب النازحين فرداً فرداً ويدفعهم إلى التفاخر والتظاهر الاعلامي الكاذب والمنافق مثل اعلام النظام بالضبط، والمطالبة بضرورة رسم الابتسامة والسلم والسلام والأمان على شفاه المستَجوبين والنازحين أمام شاشة الكاميرات، وكأنهم قد حرّروا لنا ” القدس الشريف ” واسترجعوا لنا ” الأندلس وسمرقند “. وعلى طرف آخر وفي لفتةٍ صحفية أخرى، يقوم هذا المراسل الأحوَلْ والعرمرم … بدعوة البقية الباقية من نازحي الغوطة الشرقية والعالقين على تخوم مناطق التهجير البعيدة ، أن يستكملوا مشوارهم الى أرض الميعاد ( عفرين ) وأن يأتوا ويَسلكوا الطريق المستقيم الى كورداغ والتمتع بجمالها وطبيعتها وهوائها العليل وبالخضرة ووفرة المياه والهدوء والأجواء الجميلة!
ويتكلم أحد الزعران في التقرير فيقول: الحمد لله … هون ما في شي مشاكل … كل شيء تمام … أمن وأمان … الناس كلها مبسوطة هون… كلنا أخوة … والرمضان بيجمعنا هون … خاصة بوجود هذه الطبيعة الخلابة … وهالمتنزهات … والاستراحات التي افتتحت هنا خصيصاً لأجل الأخوة المجاهدين، للتمتع والاستمتاع بالأجواء الرمضانية الحلوة وبالحياة الجميلة والهادئة هنا في عفرين … إيه والله … الأجواء حلوة جداً … وكثير حلوة … وخاصة بعد دحرنا للارهابيين الانفصاليين. ويسترسل في حقارته : “الكورد والعرب أخوة … نحن نأتي الى هنا في الليل، للترفيه عن أنفسنا وسط هذه الأجواء الهادئة وخاصة بعد يوم طويل من الصيام”، دون التطرق الى سياساتهم في مصادرة بيوت وممتلكات الكورد. ومن يدقق في تقاريرهم التلفزيونية، سيرىٰ خلو المنتزه الكامل من سكان عفرين الأصليين. وفي لقطة ثانية … يخرج ” أبو محمد الحمصي ” ويدلو بدلوه الحمصاني ويقول : والله الأجواء جميلة جدا … وسياحية جدا جداً … والمناظر خلّابة وجميلة … إيه المنطقة سياحية … الى جانب هذا … الحمد الله … هنا نحن كنازحين نستمتع بوجود الأمن والأمان والهدود هنا!
– السؤال هنا … كيف لنا أن نسكت عن هذه الممارسات وعن هذه الجرائم، بمجرد إختلافنا مع الآبوجية. فهذه الخلافات مع الأمة الديمقراطية،لا تؤهلنا بأن نسكت عن هذه الفظاعات وعن هذه الجرائم التي ترتكب بحق شعبنا الكوردي كل يوم، والتي باتت تُهدد وجوده القومي على أرضه التاريخية . فـ بحجة الاغاثة وتقديم الخدمات الضرورية اليومية وتأمين دخول عائلة هنا أو هناك الى الداخل العفريني … لا نملك الحقيقة … ولا نستطيع حجب الشمس بالغربال والدفاع عن هذه الانتهاكات والممارسات الارهابية في كورداغ . فسكوت البعض الكوردي الثورجي الجديد عن هذه السياسات الممنهجة والوقوف في منطقة الظلّ، هو دليلٌ كبير على وجود الارتماء في حضنٍ كبير وكبير ودافئ … ولكنه بالمطلق، هذا الحضن هو حضنٌ غير كوردي .!
– كلمة أخيرة … ويجب أن نقف عندها وأن نناقشها بشكلٍ جدّي وصريح … وأن نقول : بأن ” الآبوجي الذي خَرَجَ وذَهَبَ من الباب … سيعودُ حتماً من الشـبّاك ” ما دامت الأسباب والمسببات التي تدفعه للقدوم … موجودة على مسرح الأحداث في عفرين.!
– نقطة انتهىٰ