آراء

معركة إدلب ومخرجات اتفاق بومبيو – أوغلو

وليد حـاج عبدالقـادر

يبدو أن الأزمة السورية قد دخلت فعلياً طورها المكشوف في مسارها العسكري ومعها جدواها المفيدة لكل طرف انغمس في دوامتها بشكل أو بآخر، وأخذت تبحث عما يفيدها، وكأي معركة استخلصت من حروب تجزأت ساحاتها إلى بقع استحضرت معها عوامل بقاء أخرى، فتتدرج في البحث عن آليات بمسميات ومصطلحات عدة تنوعت أدوارها، ولتنكشف بجلاء على رقعة الجغرافية السورية وباتت المناورات بفعالياتها العسكرية أيضاً تتوضح رغم أنها لم تكن مخفية مطلقاً!، ولعل الأبرز في كل هذا السياق هو قضية محافظة إدلب كحاضنة خططت لها كبقعة استقطبت وبمنهجية غالبية المتغيرات العسكرية متلازمتها من الإجلاءات القسرية حتى وصلت إلى التخمة.
 
هذا المفترق من الطرق من جهة، والتسويات/التصفيات من جهة أخرى في إعادة ومن جديد لتدوير الأزمة أو التخطيط في استهداف المستدرجين استنزافاً إلى هذه الجغرافيا الملتهبة إلى درجة أن المفاوضات أضحت مقرفة بوضوحها ومساوماتها القذرة وأثمانها التي هي ليست بالمطلق كوبونات نفط وإن ما خلا الأمر من أموال هائلة!، إلا أنه الدم البشري الذي هدر، مما دفع بواحد مثل السيد صالح مسلم إلى أن يصرح بأنهم يحررون مناطق بدماء مقاتليهم وتساوم أمريكا عليها مع تركيا وغيرها لتحقيق مصالحها!.
 
هنا وباختصار، ووسط كل هذا الضجيج ونحن نرى مآلات ما تبقى من النزاع، بدءاً من الجنوب وخط البادية وصولاً إلى ما بين حوضي دجلة والفرات، مروراً إلى إدلب، وما تم ترتيبه ببراعة وبالمجمل على كل الخارطة السورية وامتداداتها، وفي عودة إلى سوريا المفيدة المنخرطين أجمع، وبالتحديد هنا تركيا أوراقها المتعددة، فهل سنكون مبالغين في تصوراتنا لحجم الجائزة الممنوحة لأردوغان والطعم الكبير الذي سخر له لينال؟، سيما أنه بات يقدم كل من دخل – داره / حاضنته – إلى المحرقة في إدلب، وبصمت مخز وممنهج !، لقد فتحت التوافقات التركية والأمريكية في منبج ومن قبلها الروسية والتركية في عفرين والاستدراج المنكشف لـpyd الأبواب على كل الإحتمالات التي تحولت إلى حقائق بينية صريحة تمددت وأوضحت بكل جلاء نواة مقايضات كبرى تطال حتى خارج الجغرافية السورية – جبل قنديل بكوردستان العراق مثلاً – ومدى كما دقة حبكها وربطها كلها من جديد بسياقية محافظة إدلب، هذه المحافظة التي جهزت منذ بدايات الأزمة السورية لتصبح الحاضنة الرئيسة لكل الهجرات الجبرية من جهة، ولتدخل اليوم موسوعة المقايضات الكبرى وسمسارها الصريح والوحيد بلا منازع، هي تركيا أردوغان.
 
وهنا، وبالعودة إلى سريالية الصراع في سوريا بعد متواليات خفض التصعيد ومتلازمتها خفض القوة، خاصة مما تلاها، لابل وحتى ما سبقها من مقايضات دموية بين روسيا وتركيا، الغوطة الشرقية مقابل عفرين، ومن ثم المتغيرات التي حصلت كنتاج لإعادة تعويم النظام عسكرياً، ووصول الأزمة إلى ذروتها، ولتبرز مسألة محافظات الجنوب والبادية من جهة وخيار معركتي الجنوب أو إدلب ومعها حساسية جبهة الجنوب إسرائيلياً وإمكانية حلها بطريقة أو بأخرى وبالمقايضة أيضاً، كانسحاب إيران وميليشيا حزب الله مقابل تسليم سلاح المعارضة والتوجه إلى مصالحة مناطقية يستبعد منها عمليات التهجير، ولتعزز هذا التوجه بشكل أقوى أحداث الأردن الأخيرة رغم محاولات إيران وحزب الله وتحركاتهم العسكرية في محيط بادية السويداء وريفها التي أوحت – ربما – بقرب اندلاع معركتها.
 
ومن جديد، لولا التهديد الأمريكي الصريح، ولئلا يؤدي ذلك إلى زيادة الضغط على الأردن وهي في أزمتها الراهنة، كل هذه التحركات والمناورات لم تستطع أن تغفل أعين المتابعين للشأن السوري، ولا الأمم المتحدة بشخص أمينها العام واليونسيف وكل المهتمين بحياة الإنسان، وأعني به موضوع إدلب واستهدافها كواحدة من المقايضات التي أخرجتها لقاء بومبيو – أوغلو، وكصفقة تبدو واضحة في آفاقها منطقة منبج التي هي لن تكون سوى مفترق طريق قاسية، وكل المؤشرات توحي بأنها ستطلق بالتوازي مع تنفيذها معركة يسميها جميعهم من أسوأ وأبشع المعارك وأكبرها كارثية، ولهذا السبب استنفرت الأمم المتحدة بمنظماتها، وجاءت الضربات الجوية للنظام وروسيا في ريفها كمقدمة، ومعها الصمت التركي كدليل بفك الارتباط حتى مع ضمانات آستانة من جهة، ومناورات النظام في الجنوب وبالأخص درعا وملتقى بادية الشام والسويداء من ناحية أخرى، كإيحاء نظري وإن ما خلت من محاولات تحسين السيطرة هناك.
 
وبالمحصلة فإن الظرف الأردني بات من أهم أسباب تأجيل أي عمل عسكري على حدودها لئلا تؤدي إلى نزوح شبه جماعي إليها، وبالعودة إلى الشيفرة المبسطة لكل هذه الدلائل، وبكلمات مبسطة، ومنذ بداية الأزمة السورية ودخول روسيا وأمريكا وبقوة فيها، كان ولا يزال هدفهما الصريح والمعلن هو محاربة الإرهاب والقضاء عليه، وقد أكدا عملياً على أن كل عملياتهما العسكرية وتحالفاتهما تتجاوز بينيات المعارضة والنظام، لا بل إن أمريكا أوقفت الدعم عن فصائل حاربت النظام في الجنوب وعليه إذاً لن نكون ساذجين إن أخذنا تسريبات تركيا المتعددة والمتشعبة أوجهها وبتقاطعاتها على الأرض بالتوافق مع تصريحات وزير الدفاع الأمريكي ماتيوس في تأكيده على الإصرار الأمريكي في تنفيذ خارطة الطريق بخصوص منبج مع تركيا، وجملة تأكيدات وزير الدفاع التركي نورالدين جانيكلي، أيضاً على كلام ماتيس في تطبيق ذلك من دون مماطلة، والذي – جانيكلي – توسع أكثر في إيضاحات صريحة كشف فيها أبعاد أعمق لخارطة الطريق تلك الخاصة بمنبج لتشمل – على حد زعمه – بعد توصل أمريكا لقناعة تامة بأن حزب الإتحاد الديمقراطي هو جزء من pkk، الأمر الذي سهل التوصل إلى الإتفاق بمفرداته الواسعة، ولنصل معه إلى الاختزال المكثف لمجمل أبعاد الاتفاق التركي – الأمريكي.
 
ودائماً حسب كلام وزير الدفاع التركي جانيكلي، الذي كشف عن لقاء مرتقب قريباً في ألمانيا لوضع الآليات التطبيقية للاتفاق قيد التنفيذ، وليضيف على تصريحه – جانيكلي – جملته الأخطر: “أن التفاهم مع أمريكا حول منبج يفتح المجال للتعاون بشأن – تطهير – بقية المناطق في أنحاء سوريا من المنظمات الإرهابية” ؟، هذا الكلام الذي لا يدع مجالاً لأي شكوك حول مدى حجم المقايضة التركية وبالتالي انكشاف ما أسلفناه حول الحاضنة البشرية لأولئك المجاميع العسكرية بمسمياتها، وتقديمها لأمريكا كبقعة ضوء ومقايضة صريحة تتجاوز حدود سوريا سايكس بيكو وشظاياها تتوهج بعنف وعدوانية في جبال قنديل لتشمل التهديدات نطاق أزمة الموصل في إنتاج لدوامة 1920 – 1925 ووأد سيفر في لوزان، كل هذا والـpyd لا يزال يعيش في وهم شرنقة الحسرة والشعور بالغبن، وعنجهية الاستبداد وفاءً لإيديولوجية تدرجت وأنتجت مقابر ثقلى بشهدائها والمتحولة في أهدافها كما قمع بيني بات أيضاً صريحاً في استهداف القوموي الكوردي كخيار حتمي.
 جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى