معارك الكورد المؤجلة
قهرمان مرعان آغا
تبدأ حروبنا عندما تنتهي حروب الآخرين , هذا ما أثبته التاريخ القريب , فخلال مئة سنة فائتة خاض الشعب الكوردي في عموم كوردستان معاركه الخاسرة و ذلك بعد أن يتمكن الغاصب لوطنه من تثبيت دعائم قوته وحكمه و الأمر يعود لأسباب كثيرة و مختلفة , تبعاً لتطور الحدث التاريخي و مآلاته وما رافقه من مؤثرات وأسباب داخلية متعلقة بطبيعة الإنسان الكوردي الفردية و وعيه و بإرادته الجمعية و كذلك خارجية تتعلق بسياسات القوى الكبرى التي تتواجد بشكل مباشر و في قلب الحدث في كل مرحلة من مراحل التغيير في الشرق الأوسط و العالم , فإذا سلّمنا بأن معظم الحروب قد فُرضت علينا , هذا يعني افتقادنا إلى المشروع السياسي القابل للتطبيق وفقاً للظروف الموضوعية والذاتية.
إذا أخذنا أحداث بدايات القرن الماضي و الحرب العالمية الأولى و سقوط الإمبراطوريات في كل من روسيا القيصرية/ 1917 و السلطنة العثمانية /1919 و ما تلاها من تقاسم النفوذ بين القوى الاستعمارية (فرنسا وبريطانيا) المنتدبتين من عصبة الأمم , لرسم الخرائط الجديدة وإقامة الكيانات في منطقتنا و تطويع الاتفاقات و القرارات الصادرة بشأن حقوق الشعوب ومصالح السكان وفق سياساتهم الاقتصادية , مع الأخذ بعين الاعتبار بأن فكرة تشكيل الدولة القومية كانت أكثر تطوراً لدى الشعوب الأخرى , الفرس والترك والعرب عند سقوط الخلافة بمفهومها الديني الجامع من الكورد لأسباب كثيرة تاريخية تتعلق بحالة الصراع الحضاري وما تلاه من صراع مذهبي و الـتسليم لفكرة الأمة الدينية بعد قرون من الانزياح عن مبدأ العصبية القومية.
فمن خلال استحضار التاريخ واستقدام الحاضر من الممكن القول إن الدولة القومية الفارسية المتمثلة بالجمهورية الإسلامية في إيران لم تزل تستمد قوتها المعنوية في صراعها الحضاري من الإمبراطورية الفارسية سواء في محيطها في الخليج أو الشرق الأوسط و ما المذهبية الدينية سوى مرحلة لاحقة من ذلك الصراع , وكذلك تركيا , جمهورية أتاتورك القومية تتقدم في سعيها لإحلال مفهوم الأمة الجامعة ( الثقافي والديني ) في محيطها الجغرافي في آسيا وصولاً إلى إفريقيا , منطلقاً من إرث الخلافة العثمانية , بعد أن نجح رئيسها الحالي أردوغان في إزاحة خصومه ومنافسيه من المشهد السياسي وهو مستمر في تثبيت حكمه الفردي والتحضير لتقمص صورة السلطان من خلال إبراز شخصية الزعيم.
وكذلك العرب , الخلافة الأموية و العباسية وما تلاها من إرث تناحري و صراعات وصولاً لثورة الشريف حسين وتحالفاته مع الانكليز , لكن الواقع لم تختلف الجمهوريات عن الملكيات في جوهر الحكم , وخاصة جمهوريات الدولة (القومية ـ القطرية) حيث أصبح اقتران العروبة بالإسلام من منطلقها القومي العنصري جزءاً أساسياً من حكم الأنظمة (العسكرية) تلك , حتى أصبح مفهوماً طاغياً جلبت الكوارث على شعوب المنطقة , و ظاهرة ( داعش ) ليست سوى إرجاع التاريخ إلى عناصره البدائية , لاستعادة دور الأمة بسطوتها الجاهلية الأولى.
أما بخصوص الكورد في هذا السياق فلم تعد لحضارة ميديا بصورتها المشرقة في مواجهة الطغيان ونشر العدل والأمان سوى سفر من أسفار الحضارة (السائدة و البائدة)وكذلك الدول والإمارات في عهود الخلافة , بخصوصياتها الإثنية سوى جزءاً من العام في إطار الأمة الاسلامية و سيظل صورة القائد صلاح الدين الأيوبي , الملك العادل و سجل تاريخه الناصع , قاسمنا المشترك مع العالم من حولنا , مترفعاً عن العصبيات والهويات , يمتطي جواده سابحاً في سماء الإنسانية ورحابها السمحة , ممتثلاً لأمر الله.
وإذا أخذنا خطاً بيانياً متسلسلاً للمحطات التاريخية البارزة التي تغيرت فيها خرائط العالم , وتحررت فيها الشعوب وتشكلت بموجب اتفاقياتها الكيانات فيما يخص قضيتنا القومية ووطننا كوردستان.
ـ معاهدة سيفر / 1920 , التي أعطت الحق للشعب الكوردي من جملة شعوب الخلافة العثمانية , في تحقيق مصيره و اختيار شكل العلاقة مع الشعوب الأخرى أو استقلاله الذاتي , خلال مدة (سنة) من تاريخ تصديق الاتفاقية , إلا إن رفض الحركة القومية بقيادة كمال أتاتورك للاتفاقية برمتها حالت دون الالتزام بها , فتمكن من الانتصار على الجانب اليوناني وألغى امتيازات الدول المنتصرة على المضايق وانتهى من معظم حروبه و استبدل الاتفاقية بـ اتفاقية لوزان 1923 و أعلن تأسيس الجمهورية ضمن الحدود السياسية الحالية و تمكن من تقوية نفوذ دولته العنصرية داخلياً و خارجياً , لهذا فشلت ثورة الشيخ سعيد بيران و قمعت بشكل وحشي , لانعدام موازيين القوة و بسبب تأخر استحقاقاتها المفروضة عن توقيتاتها , وما تلاها من انتفاضات لغاية 1937 للأسباب ذاتها . وما الحرب المستمرة والتي يخوضها حزب العمال الكوردستاني وتدخلاته في أجزاء كوردستان الأخرى منذ من أربعة عقود خارج ساحته النضالية , دون مشروع سياسي قومي والتي يستغلها الدولتين التركية والإيرانية للإجهاز على فرص تطور القضية الكوردية , سواء في إقليم كوردستان الفيدرالي أو غرب كوردستان و شرقه , سوى مزيداً من الحروب المؤجلة . وما حدث بعد الاستفتاء في25 أيلول 2017 وكذلك غزو و احتلال عفرين وكذلك اجتياح مناطق جبال قنديل سوى جزء من إتمام استراتيجية التآمر على شعب كوردستان.
ـ جمهورية كوردستان في مهاباد /1946 , كان وجود القوات البريطانية و السوفيتية في غربي إيران والتي كانت تقتسم كوردستان يعود إلى 1941 و بغض النظر عن العوامل الداخلية والخارجية التي أدت إلى انهيارها , فلم يخض الجيش الإيراني الحرب ضد الجمهورية وبدعم من بريطانيا إلا بعد الانتهاء من حروبهم الداخلية , في الوقت الذي يستحضر الشعب الكوردي هذه التجربة و الذكرى الخالدة ورئيسها القاضي الشهيد كرجل دولة و كأول كيان سياسي في التاريخ الحديث . تكرر الأمر عند الإطاحة بحكم الشاه والثورة الطائفية شباط/1979 وعودة الخميني كمرشد أعلى , وتكفير الشعب الكوردي و حركته السياسية , مع بدء الحرس الثوري هجومه على كوردستان في ربيع 1980 .
ـ ثورة أيلول 1961 , تعتبر بحق الثورة الكوردية الكبرى و التي حققت لقائدها السروك ملا مصطفى البارزاني مشروعه السياسي , في بيان آذار 1970 من خلال الاعتراف الدستوري بالحكم الذاتي لـ كوردستان العراق , إلا إن استئناف القتال ضد نظام البعث , الحاكم في العراق في آذار 1974 تأخر كثيراً لنهاية الفترة الانتقالية (أربع سنوات) , بعد أن تمكن الحكم العنصري في بغداد من تسويف بنود الاتفاقية و تثبيت حكمه و تقوية جيشه وعلاقاته الخارجية بالاستفادة من رساميل نفط كركوك , علماً إن اتفاقية الغدر بالثورة جرت في اجتماع منظمة (أوبك) الدول المصدرة للنفط في الجزائر مع شاه إيران 1975 وبتآمر إقليمي و دولي . ومسلسل سقوط كركوك في 16/اكتوبر/2017 يندرج في ذات الاتجاه , بعد الانتهاء من حرب (داعش) في معركة الموصل.
ـ الجزء الكوردستاني الملحق بالدولة السورية : عمل النظام الأسدي منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي إلحاقه بـ حزب العمال الكوردستاني (ب.ك.ك) من خلال استنزاف قوته البشرية تارة في معارك قومية وهمية في كوردستان الشمالية (باكور) لتنفيذ سياسات النظام الإقليمية وتارة أخرى استخدام فرعه السوري حزب الإتحاد الديمقراطي (ب.ي.د) في الثورة المضادة ضد الشعب الكوردي منذ عام 2012 وسوق خيرة أبناءه و بناته إلى محارق القتال خارج مناطق تواجده وسكناه و بالتالي طرح قوته العسكرية للبازار مع القوى الدولية وخاصة التحالف الامريكي من خلال الجهد العسكري لقوات سوريا الديمقراطية التي لم تزل تحارب في ريف دير الزور بعد انتهاء الجميع من حروبهم . لهذا لا يستبعد التضحية من قبل الحلفاء الغربيين لهذه القوات كما جرى التضحية بغيرهم في مناطق الشمال والجنوب ولا يستبعد أن يستفرد النظام بمناطق شرق الفرات بعد اتفاق الدول الكبرى النافذة في الملف السوري أو التمهيد لعودة السطوة الأمنية للنظام إلى الشارع حيث يعمل إدارة (ب.ي.د) إلى تغيير جلده من خلال استبدال الصور والشعارات بما يتلائم مع الاندماج في سلك النظام من شرطة وجيش و أمن , بشكل مباشر.
فيما بقي المجلس الوطني الكوردي متمسكاً بمعركته المنتظرة سلمياً و التي يعتقد بأنها قد تبدأ افتراضاً بعد انتهاء الجميع وخاصة النظام المجرم من حروبه و بالتأكيد ستكون المعركة السلمية خاسرة بكل المقاييس لأسباب كثيرة يتعلق بطبيعة النظام والقوى المتحالفة معه والداعمة له , فيما يتجه الأنظار إلى أبعد من مما يجري على الأرض من ترتيب و تثبيت مناطق النفوذ , بتمكين النظام إلى السيطرة على حدوده البرية مع الجوار على حساب مصالح الشعب السوري و قضيته الأساسية في الحرية والكرامة , فيما الجهد الأممي لم يتخطى مراحل التحضير الشكلي لعمل وآلية اللجان الخاصة بالمبادئ الدستورية و الانتقال السياسي وفق مقررات مؤتمراته المتعددة وقراراته المعطلة لحل القضية السورية.