رسائل في التسوية السياسية لسوريا
عماد يوسف
” حدود الجولان ستكون أهدأ بعودة حكم الأسد ” بهذه الكلمات اختصر وزير الجيش الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان تفضيل حكومته الحفاظ على نظام الأسد الذي عرف بمحوره الممانع والمقاوم لإسرائيل منذ قرابة خمسين سنة من حكمه ’ معللاً هذا التفضيل بوجود جهة يمكن مخاطبتها وشخصاً مسؤولا ً وحكماً مركزياً ..
لم يكن الصمت الإسرائيلي على ما يحدث في الجوار السوري من محاولات التغيير السياسي إلا رسائل مبطنة يمكن استشفاف وجود توافقات من تحت الطاولة بين النظامين , في وقت تحتاج فيه إسرائيل إلى هكذا نظام يتبجح بالمقاومة ولم يطلق طلقة واحدة على حدود إسرائيل خلال أكثر من أربعين عام من حكمه , وقد تكون الصفقة هذه المرة بضمان إسرائيل الحفاظ على حكم الأسد مقابل التخلي عن الجولان السوري وإزالتها من الخارطة الجغرافية لسورية أسوة بلواء اسكندرونة التي منحت لتركيا .
ولا شك أنها صفقة ظهرت بوادرها مع الدور السلبي للمجتمع الدولي في الثورة السورية وتخليه عن واجبه الإنساني والقيمي جراء المجازر التي ارتكبت في سوريا لإبادة المعارضة والقضاء على الشعب الثائر ’ وتمسكه بفكرة الحل السياسي دون تحقيق أي تقدم يذكر على الرغم من المبادرات العديدة التي قدمت سواء من الأمم المتحدة أو الجامعة العربية نتيجة تطورات الأحداث داخلياً وعدم جدية المجتمع الدولي في إيجاد مخرج حقيقي للأزمة وتبدل مواقف المؤيدين للتغيير .
لمن لم يفهم بعد الاستراتيجية الدولية التي تعتمد على تمديد عمر الأزمة والصمت على أحداثها ’ عليه أن يقارن بين طرفي الصراع ومدى استفادة كل منهما من تكيف الموقف الدولي مع مصلحته ’ وتوائمه مع الرغبة الدولية في الإبقاء على الأقوى عسكرياً وفق شريعة الغاب , وتناغمه مع الوجود الإسرائيلي وسلامة حدوده , في بحث الأخير عن ضامن يكفل أي نظام يجاوره ’ بعد تحول الأرض السورية لمجموعة مستعمرات متناحرة بين قطبين دوليين من جهة متمثلة بأمريكا وروسيا , وقطبين اقليميين من جهة أخرى يتصارعان على التمدد والنفوذ هما تركيا وايران .
خدع السوريون الباحثون عن التخلص من الاستبداد بمقررات جنيف 1 التي قدمت لهم كطعم لجرهم نحو اللعبة الدولية في طرحها للحل السياسي بمرحلة انتقالية لسلطة تنفيذية ذو صلاحيات موسعة يتم وضع الخارطة السياسية لمستقبل سوريا , ووجدت المعارضة نفسها مرغمة على القبول بالدخول في معمعة المفاوضات السياسية منها والعسكرية ورغم اعتراضهم على بيان جنيف 1 ’ إلا أنهم وجدوا فيها فيما بعد القشة التي يتعلق بها الغريق حين لمسوا تنصل الدول من التزاماتهم , وتبين لهم أنها مجرد مهل وأشواط إضافية منحت للنظام ومن ورائه روسيا وايران لإعادة سيطرته العسكرية وتقديم النظام على أنه النموذج الأمثل لضمان سلامة إسرائيل بعد أن باتت ملامح التسويات الخفية تحت الطاولة تظهر للعلن , وما ملفا اللاجئين واللجنة الدستورية المقدمان على اللائحة السورية إلا خطوتا القفز إلى الأمام وغض النظر عن باقي الملفات العالقة لإرغام من شاء على القبول بالأمر الواقع أو تصنيفه في خانتي المجهول المغيب أو المتطرف المحارب .
لا شك أن التسويات السياسية ستكون حسب مصالح دولية وتفرض على السوريين , فكل تدخل من قبلهم كانت تحت دواعي القضاء على الإرهاب وحفظ الأمن ’ وبالتالي لن ينسحبوا ألا بعودة الاستقرار النسبي كما صرحت به الخارجية الإيرانية بعد الضغوط التي مورست عليها لإبعادها من حدود إسرائيل اثر التوافقات الروسية الإسرائيلية , وهي الدواعي نفسها بالنسبة لتركيا في مخاوفها من نشوء كيان كردي ودورها في لجم جناح الفصائل المتطرفة وإعادة اللاجئين قبل انسحابها العسكري , في ظل تأشيرات بقبولها فكرة عودة المؤسسات الإدارية للنظام إلى مناطق سيطرتها , ليعود النظام شيئا فشيئا ويعود الاستقرار المشروط بالقبضة الأمنية كحل ابتدأ به النظام وانتهى به .