من الصحافة العالمية

خطورة إيران على مستقبل سوريا

فايز سارة

تؤشر الوقائع السياسية والميدانية إلى حقيقة السيطرة الإقليمية والدولية على سوريا، حيث تقتسم التحالفات والدول أنحاء البلاد عبر القوة المباشرة، أو بواسطة أدوات ووكلاء محليين وبالتعاون معهم، وينطبق الأمر على القوى المتنافسة من الروس والأميركيين إلى الإيرانيين والأتراك وغيرهم إلى درجة يمكن القول معها إن السوريين بمن فيهم نظام الأسد والتشكيلات المسلحة المعارضة له، لا حول ولا قوة لهم، وإنهم مجرد وكلاء وأدوات محلية للقوى الخارجية المتصارعة في البلاد، وإنهم خارج القرار المتصل بالتسوية وبمستقبل سوريا.

وحقيقة السيطرة الخارجية القائمة، تفرض حقيقة أخرى ترافقها، ترسم صوراً أخرى لمستقبل البلاد البعيد، وهي سياسة تمارسها كل القوى الخارجية. لكن ثمة تمايزاً روسياً – إيرانياً في هذا المجال، حيث يؤسس الطرفان بخطوات عميقة، وبخاصة النظام الإيراني، لتكون لهم سيطرة تتجاوز المرحلة الحالية، ويستند مسعى الطرفان إلى جملة من المعطيات الأبرز فيها ثلاث؛ أولاها علاقاتهما القديمة والمتشعبة مع نظام الأسد، وهي علاقات تمتد عشرات السنين، تمت في خلالها إقامة روابط سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية مع النظام ومع أوساط في المجتمع السوري وداخله.

والثانية خضوع نظام الأسد لحضور القوتين الروسية والإيرانية، واعتماده عليهما في البقاء وفي إعادة سيطرته على البلاد، ودورهما في إعادة تأهيله للاندماج في المجتمع الدولي رغم كل ما ارتكبه من جرائم في السنوات الماضية، التي طالت آثارها معظم بلدان العالم، خصوصاً لجهة ثلاثة تداعيات؛ نمو الإرهاب العالمي وقضية اللاجئين، والمساعدات الإنسانية، التي تجاوز حجمها ما يحتمل العالم تقديمه، أو ما اعتاد المجتمع الدولي تقديمه في سابق الأزمات الإنسانية المماثلة، وهذه كلها فرضت على النظام استجابات سياسية وقانونية واقتصادية واجتماعية لطموحات ومطالب الروس والإيرانيين.

والثالثة تكمن في وجود استراتيجية روسية وأخرى إيرانية، ترى كل منهما ضرورة وجود مستقبلي مديد لهما في سوريا. إذ ترى روسيا في سوريا مكاناً لها في المياه الدافئة، وبوابة للتمدد في العالم العربي، وساحة للمساومة والتسويات في قضايا تتصارع فيها مع قوى دولية وإقليمية مثل قضية شبه جزيرة القرم. فيما ترى إيران سوريا جزءاً من استراتيجية تمددها الإقليمي، كما تعبر عنها فكرة الهلال الشيعي الممتد من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق، وما لها من أثر في الصراعات البينية في شرق المتوسط، وأن سوريا واحدة من ساحات تساعدها في المساومة على مشروعها الأهم في امتلاك قدرة نووية.

وإذا كانت جملة السياسات الروسية والإيرانية، عززت مكانة الطرفين في سوريا، فإن التوقف عند نوعين من تلك السياسات أمر مهم لرؤية بعد مستقبلي، قلما جرى الانتباه إليه، وهو التركيز على فئتي الشباب والأطفال السوريين من جانب الطرفين.

ففي التركيز على الشباب، يسعى الطرفان، إلى تنظيم الشباب في صفوف قوات وميليشيات تخضع كلياً لقيادتهم، ومعزولة بصورة كاملة عن نفوذ وتأثيرات حليفهم نظام الأسد، وقد نظم الروس آلاف الشباب السوريين في تشكيلات عسكرية، يتم تدريبها وتسليحها وتمويلها وتحديد مهماتها من جانبهم، وأرسلوهم للانتظام في المدارس العسكرية الروسية لتخريجهم ضباطاً وقادة، ليكون لهم دور في المؤسسة العسكرية السورية ومستقبل البلاد، وهو ما أكده تقرير بثته محطة «RT» الروسية الناطقة بالعربية.

والجانب الآخر في سياسة روسيا، يتعلق بالتوجه نحو تعليم اللغة الروسية للسوريين، وقد تولى نظام الأسد تلك المهمة بمؤازرة روسية في إعداد بنيتها التحتية، من أجل إعادة إحياء تعليم الروسية بعد توقفه قبل عقود. فعقدت اتفاقات لتأهيل أساتذة سوريين في الجامعات الروسية، بالتزامن مع قرار وزارة التربية السورية جعل الروسية لغة ثانية اختيارية في الصف الأول الإعدادي وما فوق، اعتباراً من عام 2014، وتم تنشيط المعاهد الخاصة لتدريس الروسية في مناطق سيطرة النظام، وجرى إصدار مرسوم جمهوري لإحداث قسم تعليم الروسية في جامعة دمشق، واتخذت كل من وزارتي التربية والتعليم العالي خطوات إجرائية هدفها تقوية تعليم الروسية في جميع المستويات التعليمية، ما سيعزز وجود روسيا في سوريا.

أما إيران فاتجهت إلى تجنيد الشباب والأطفال. فقد فتحت الميليشيات الإيرانية أبوابها لضم آلاف الشباب في صفوفها تحت ضغوطات الترهيب والترغيب مستغلة الظروف الصعبة التي يواجهونها، وانفرد حزب الله اللبناني التابع علناً لدولة الولي الفقيه، ليس بضم شباب سوريين إلى ميليشياته المقاتلة فقط، بل أقام معسكرات تدريب لأطفال سوريين ممن فقدوا عائلاتهم، والتجربة الأبرز في هذا الجانب معسكرات مدينة القصير في ريف حمص، التي دمرها حزب الله، وطرد من لم يقتلهم من أهلها في مايو (أيار) من عام 2013.

وبخلاف التوجه الرسمي الذي تتابعه حكومة الأسد في تعليم الروسية، فإن تعليم اللغة الفارسية للسوريين، جهد تتشارك فيه حكومة الأسد مع المؤسسات الإيرانية الرسمية والخاصة. وتعود بداية تعليم الفارسية رسمياً إلى عام 1990، حيث تم في جامعة دمشق إنشاء مركز تعليم اللغة الفارسية بمرسوم جمهوري، وهو نشاط امتد في السنوات الماضية إلى جامعتي البعث في حمص وتشرين في اللاذقية، مترافقاً بانتشار تعليم الفارسية من جانب الإيرانيين عبر مؤسسات رسمية، تشرف عليها المستشارية الثقافية الإيرانية بدمشق، ومؤسسات دينية إيرانية تتبع الحوزات الشيعية، وباستثناء تأكيد حضور إيران في الحياة السورية، فإن الهدف الأساسي لإشاعة الفارسية، يكمن في نشر ثقافة التشييع وسط السوريين، خصوصاً الأطفال الذين تقدم مراكز تعليم اللغة لأكثرهم إعانة مالية، تعزز صلتهم بتعلم اللغة، وتعزز السيطرة الطائفية على عقولهم، حيث صار تعليم الفارسية من إحدى بوابات التشييع في سوريا.

خلاصة الأمر في جهود إيران للتأثير العميق في مستقبل سوريا، أنه أن خصوصيتها، فيما تجده من دعم نظام الأسد، ودعم رسمي وديني إيراني، تجعل من تلك الجهود خطراً مستقبلياً على الدولة السورية ومستقبل السوريين في نظامهم السياسي المقبل وفي تركيبتهم السياسية والثقافية.

الشرق الأوسط

جميع المقالات المنشورة تُعبر عن رأي كتابها ولاتعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى