في انفصال العقيدة عن السلوك ..
عماد يوسف
أسست الأنظمة الحاكمة في بلدان الشرق الأوسط مجتمعات على شاكلتها وتنتهج ايديولوجيتها في ما تعاني منه من فساد أخلاقي وتنظيمي تسببت في احداث بون شاسع بين النظريات التي تؤمن بها وبين تطبيقها على أرض الواقع , فانتشرت كل أنواع الرذيلة والموبقات في مجتمعات تدعي القيم وتمارس عكسها إن كان في الاعتقاد الديني أو السياسي على حد سواء لأن غياب الوازع الأخلاقي أو ما يسمى بالضمير في اتقان الأعمال الموكلة إليهم أدى لحدوث خللٍ في بنية ذاك العمل ونتائجه .
نمارس كل يوم نقد المتدينين من انصار الديانات السماوية في ابتعادهم عن تعاليم دينهم , والتدين الشكلي الذي ألزموا أنفسهم به دون أن تغير عباداتهم من سلوكهم وأخلاق تعاملهم في معاملاتهم الاجتماعية والمالية فانتشر الكذب والنفاق والربا والرشوة ,وهضمت حقوق الناس وسلبت حرياتهم في مجتمعات تعتبر متدينة في الشكل منحرفة عن التدين الحقيقي مضموناً , ولا شك أن هذا الواقع إن دل على شيء فإنه يدل على عدم طرح الدين بشكل عام والإسلام بشكل خاص على انه مرادف للأخلاق ,وأن غاية العبادات هي الوصول إلى مكارم الأخلاق كما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له ” ,وإنما تختصره في مجموعة إجراءات إذا ما أتمها الإنسان صار متديناً كالملبس ومداومة بعض العبادات .
وقفت متأملاً حال الأحزاب السياسية في بلادنا مستخدماً القياس العقلي بين التدين الشكلي والتنصير الحزبي أو الانتهاج الشكلي لمبادئ حزب أو قائد وما تمارسه قيادات الحزب وانصاره من اخلال بالقيم التي ينادون بها والنهج الذي يتبعونه , بل إن الثورات التي قامت على دماء ملايين الأبرياء قد أفرزت معارضات للأنظمة الحاكمة لا تقل منها ديكتاتورية واستبداداً وسلباً للحقوق والحريات التي ثارت لأجلها وانقلبت على الأصوات التي صدحت معها في الميادين في اول استلامها لزمام الأمور , بل إن معارضة ً كالمعارضة السورية بشقيها السياسي والمسلح ما ان خرجت من بوتقة النظام وناهضت استبداده بالحكم حتى وقعت فريسة مستبدين جدد بقرارها وتوجهاتها وأصبحت رهينة الدول الممولة لها في توجيه دفة معاركها ضد الكرد حيناً وعدم الاعتراف بهم كشعب له خصوصيته القومية حيناً آخر , متناسية العقائد والقيم التي ناضلت من اجلها في تحقيق الحق والعدل والحرية لكافة مكونات الوطن السوري .
وما حال الأحزاب الكردية عن ذلك ببعيد في انفصال عقائدهم عن سلوكياتهم فترى الحزب منهم يتحول من حلف إلى آخر غير آبهٍ بالنهج الذي يسلكه من اليمين أم من اليسار , قومي أم أممي , فالمهم هو إيجاد ممولٍ للحزب وداعم سياسي يسانده اقليمياً ودولياً , ما عدا الشعارات الشكلية التي يرفعونها والتي تقترب من الطوباوية في طروحاتها كشعار أخوة الشعوب حيناً ونهج القائد الرمز حيناً آخر دون أن يكون لكليهما ممارسات فعلية على الواقع السياسي والاجتماعي سوى الشعارات والشكليات في انفصال واضح للفكرة عن مضمونها , فلا نهج يتبع إلا برفع صور القادة والمتاجرة باسمهم ونضالهم وفكرهم , ولا أخوة أممية تتحقق في ظل العمليات الإجرائية التي تتم في المناطق الكردية في سوريا الهادفة الى احداث التغيير الديموغرافي لها , يحدث كل ذلك والانصار يستميتون في الدفاع عن ما يتم توريده إليهم – من مؤججات الصراع وملهاة القضية – تحت دواعي عدمية البديل تارة وتخوين الآخر تارة حتى تسيطر عليهم العواطف التي تمنع عقولهم من التفكير السليم ليغدو عبيد شعاراتهم وموروثاتهم البالية لمجتمعاتهم , وبعدت الهوة بين النهج وأنصاره وبين شعاراتهم وسلوكياتهم , وتغيرت مفاهيمهم في النضال ونصرة القضية إلى نصرة الحزب ومصالحه .
في زمن الزيف والصرخات الجوفاء، فضلاً عن الادعاء والشعارات العقيمة وعلى جميع الأصعدة ما أحرانا طالما سيأتي ذاك اليوم الذي يقلب لأربابها ظهر المجن، بيقظة حكيمة وانتباهه رشيدة تقيد القول بالعمل، والسعي بالإخلاص، وإلا لن تفلح أمة قوامها الغش وديدنها الظاهر دون الباطن ,يبتغون حرية على مقاسهم وديمقراطية على مزاجهم دون أن يكون للضمير مفعوله ولا للإنسانية تأثيرها , مكتفين بالتعامل مع هذه المعتقدات بمنطق غيبي وتواكلي بعيد كل البعد عن مضامينها ومقاصدها المنشودة .