في لقائي الأخير مع البارزاني
ديفيد رومانو
في يوم الاثنين الماضي، أتيحت لي فرصة للتحدث مع مسعود البارزاني عن استفتاء كوردستان في 25 أيلول 2017. كان السيد البارزاني رئيساً لإقليم كوردستان في الفترة 2005-2017، وواحداً من القوى التي قادت الاستفتاء على الاستقلال، وهو الآن رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني.
بعض آراء الرئيس البارزاني الخاصة بالاستفتاء معروفة للكثيرين. قال الرئيس البارزاني إن إجراء الاستفتاء جاء من منطلق “كونه حقاً قومياً لأمة واحدة. فلدينا تجارب مع الحلول الأخرى: الحكم الذاتي، الفدرالية وغيرها. لكن تم انتهاك أول أسس المؤسسة السياسية العراقية – لأنه لم يكن هناك أي شراكة. ذهبتُ مرات كثيرة إلى بغداد للمشاركة في اجتماعات وحاولت تحقيق الشراكة، لكن كلما شعرَت بغداد بأنها أقوى، بدأت بانتهاك حقوق الكورد. لهذا، إن لم نكن قادرين على أن نكون شركاء جيدين، فإن من الممكن أن نكون جيراناً جيدين”.
وواصل الرئيس البارزاني حديثه ليقول: “… كان الكثيرون يتساءلون لماذا ليست كلمة الكورد موحدة بشأن المطالبة بحق تقرير المصير. لكن قرار جميع الأحزاب والأطراف كان أن نسمح لكل فرد بالمشاركة في القرار المرتبط بمستقبل كوردستان. لم يكن ذلك قرار زعيم لوحده. عندما اتخذنا قرار إجراء الاستفتاء، لم يحمل أحد الأمر في الشهرين الأولين، على محمل الجد، لأنهم كانوا يعتقدون أن كلمتنا ليست واحدة. كنا نؤكد باستمرار على أن الاستفتاء لا يعني بالضرورة أن نعلن عن دولة مستقلة في اليوم التالي، بل يمكن أن يأتي ذلك بعد أربع، ست، ثماني أو عشر سنوات، لا مشكلة (بالنسبة للفترة التي يستغرقها الأمر). إن تشكيل الدولة يأتي بعد أن نتوصل من خلال الحوار مع بغداد إلى اتفاق على الإجراءات والسبل”.
شعرت بوضوح بالاستياء يعتري نبرة صوت السيد البارزاني، عندما أتى في مسار حديثه إلى الحديث عن موقف –أو غياب موقف- الأمريكيين، والذي أدى إلى الأحداث التي أعقبت الاستفتاء. كان بإمكان الدبلوماسيين الأمريكيين، عندما كانوا لا يزالون يعارضون الاستفتاء، أن يختصروا موقفهم في أن “توقيت إجراء الاستفتاء سيء”، لكن لم يكن مقبولاً أن يقولوا إن “إجراء الاستفتاء لم يكن مشروعاً”. أكد الرئيس البارزاني على “أن شعبنا هو مصدر مشروعيتنا”. كما كان بإمكان أمريكا أن تعلن بأن الخطوات العسكرية سواء من جانب بغداد أو من جانب الكورد ليست مقبولة، لكنها بدلاً عن تلك الخطوة المنطقية، سكتت. فكانت النتيجة “أن موقف أمريكا الضعيف، المهزوز وغير الواضح، أعطى الآخرين إشارة مفادها أنه يسمح لهم باتخاذ خطوة ضدنا”.
الذي لا يعرفه كثيرون، هو أن الرئيس البارزاني كان قريباً من القبول بطلب ريكس تيلرسن (وزير الخارجية الأمريكي حينها) تأجيل الاستفتاء – وأن يجري ذلك قبل يومين فقط من موعد التصويت. وكما كانوا قد تعهدوا من قبل، تحدث تيلرسن في رسالته عن عملية وساطة مدعومة أمريكياً وأممياً بخصوص أبرز المشاكل بين بغداد وأربيل، ولم تكن تلك العملية لتستغرق أكثر من سنة. تشير الرسالة إلى أنه “في حال لم تتوصل المفاوضات أثناء تلك العملية إلى نتيجة مقبولة من الجانبين، أو فشلت نتيجة غياب الثقة ببغداد، فإننا سنقر بضرورة إجراء الاستفتاء”. يصف الرئيس البارزاني رسالة تيلرسن بأنها “موضوع إنشائي جميل” ويقول: “طلبت منه تغيير كلمة واحدة في رسالته – طلبت أن يستبدل كلمة “سنقر” بكلمة “سندعم”. لكن عندما جاء رد الأمريكيين بـ”لا”، عرفنا أن الضريبة التي يجب أن ندفعها ستكون ثقيلة في حال سلوكنا أياً من الطرق التي أمامنا”.
المطلعون على مجريات الأحداث التي تبعت الاستفتاء، يعلمون أن بغداد، وبعد أسبوعين على إجراء الاستفتاء، أفادت من ضوء الأمر الواقع الأخضر الأمريكي، وحركت الجيش العراقي ومليشيات الحشد الشعبي باتجاه مواقع البيشمركة بالقرب من كركوك. فأذعن بعض قياديي الاتحاد الوطني الكوردستاني لضغوط وتهديدات الجنرال قاسم سليماني، وأمروا بيشمركتهم بالانسحاب من مواقعهم بالقرب من كركوك، فكان على بيشمركة الحزب الديمقراطي الكوردستاني اتخاذ نفس الخطوة مضطرين، وإلا تعرضوا للحصار.
يقول السيد البارزاني عن تلك الكارثة: “بعد أحداث 16 أكتوبر في كركوك، اتصل بي السفير الأمريكي هاتفياً، في 18 أكتوبر، وقال: “اليوم ليس كالأمس، وعليكم أن تجعلوا سياساتكم ملائمة (لظروف اليوم)”. ثم واصل الجيش العراقي والحشد الشعبي زحفهم (بعد كركوك) باتجاهنا، وهزمناهم في بردي (آلتون كوبري) وعدد من المناطق الأخرى، ودمرنا دبابات إم وان أبرامز خاصتهم، تلك الدبابة التي كان يُزعم بأنها مخصصة لقتال داعش، استُخدمت لضربنا. بعد بردي وبعد تدمير دباباتهم وإيقاف زحفهم، اتصلنا في 20 أكتوبر بالسفير الأمريكي وقلنا له: “الأمس ليس كاليوم ولن يكون كالغد”. لم يكن القتال خيارنا، كما تبين لبغداد والحشد في تلك الأيام بأنه ليس بخيار لهم أيضاً”.
ربما استقى جميع الأطراف المشاركة درساً من ذلك. فبعد أحاديث لي في الأيام الأخيرة مع العديد من القياديين ومخططي الستراتيجيات، بدأت أشعر أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني مدرك أكثر من أي وقت أن كوردستان العراق بحاجة إلى وحدة الصف وإلى حكم أفضل، وهذا يضم في ثناياه توحيد قوات البيشمركة. في نفس الوقت، يبدو أن حزبي كوردستان ورئيس الوزراء العراقي الجديد، عادل عبدالمهدي، تلمسوا إرادة جديدة للتعاون بينهم، وأن لا يدعوا الأوضاع لكي تتوتر من جديد.
عدا هذا، يبدو أن الدبلوماسيين وأصحاب القرار الأمريكيين ينوون النأي بأنفسهم عن أخطاء الماضي، رغم أنهم مازالوا مصدومين بقرار الرئيس ترمب المفاجئ بسحب القوات من سوريا. ربما يكون هذا هو الذي جعل السيد ترمب، يتراجع الأسبوع الماضي عن قراره إلى حد ما، بينما ذكّر مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جون بولتن، بأن الانسحاب الأمريكي مشروط بهزيمة داعش التامة وتعهد تركيا بعدم مهاجمة المقاتلين الكورد الحلفاء لأمريكا.
Rudaw
جميع المقالات المنشورة تُعبر عن رأي كتابها ولاتعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media