صعود تنظيم الدولة الإسلامية، فرصة ذهبية لأكراد العراق
اعداد سيروان قجو محلل مستقل للشؤون الكردية لمؤسسة كارينغي للسلام الدولي
فيما تتخبّط الحكومة المركزية في بغداد في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، يقطع الأكراد بهدوء خطوة إضافية نحو الاستقلال.
تؤشّر سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) على مدن وبلدات في شمال العراق إلى تنامي تأثير هذا التنظيم الإسلامي المتشدّد، وتهدّد بانتشار العنف وعدم الاستقرار على نطاق أوسع. لكن مع تراجع سيطرة الحكومة المركزية في بغداد على البلاد، بات بإمكان الأكراد أن يدفعوا بقوة أكبر نحو إقامة دولة كردية مستقلة.
لقد أظهرت حكومة إقليم كردستان نجاحاً أكبر من الحكومة العراقية في التصدّي لتنظيم داعش. فالقوات الكردية التي يفوق عددها المئة ألف، تبدو أفضل تجهيزاً وتدريباً من المجموعات القتالية التي تحاول مواجهتها. ورداً على تقدّم داعش السريع، نشرت القوات الكردية المعروفة بالبشمركة أعداداً كبيرة من عناصرها في العاشر من حزيران/يونيو الجاري في مناطق لطالما كانت موضع نزاع بين الأكراد والحكومة المركزية في بغداد، وعلى رأسها كركوك التي تشكّل عامل توتّر مستمر في العلاقة بين بغداد وحكومة إقليم كردستان. فالوضع القائم حيث يتقاسم الأكراد والعرب والتركمان حكم المدينة بموجب اتفاق ترعى القوات الأميركية في العراق تطبيقه منذ العام 2003، لايزال على ماهو عليه منذ أكثر من عقد.
وهكذا شكّلت السيطرة مؤخراً على كركوك وطرد داعش منها، فرصة ذهبية للأكراد من أجل استعادة التحكّم بالوصول إلى موارد نفطية مهمة، ووضع حد للخلاف المستمر منذ سنوات مع الحكومة المركزية حول تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي التي تنص على تطبيع الأوضاع في كركوك التي ينتمي سكّانها إلى إثنيات متعددة. من شأن ضم هذه المنطقة الغنية بالنفط إلى إقليم كردستان الغني أصلاً بموارده أن يجعل حكومة الإقليم في موقع أقوى لدى إعلان الاستقلال.
يندرج صعود تنظيم داعش وتمدّده في العراق في إطار طموح أكبر يتطلّع إلى إزالة الحدود بين سورية والعراق، في خطوة يعتبرها التنظيم الوسيلة الأساسية لإقامة دولة إسلامية. لكن لايمكن تحقيق ذلك من دون موارد اقتصادية مستدامة. فبعد سيطرة داعش على مساحات شاسعة من الأراضي الغنية بالنفط في شرق سورية، شعر التنظيم بالزخم لمواصلة المجهود نفسه في العراق – لاسيما في الشمال حيث تكثر حقول النفط. غالب الظن أن الأكراد هم المجموعة الوحيدة التي تستطيع الحفاظ على حقول النفط في شمال العراق. يدرك المجتمع الدولي، ومن ضمنه تركيا، هذا الأمر جيداً. فالأكراد الذين يقعون بين حكومة المالكي المحاصرة ومقاتلي داعش، هم في الموقع الأفضل للحفاظ على الأمن في هذه المناطق في الوقت الحالي، حيث يمكن أن تتحوّل البشمركة، في المدى الطويل، قوة عسكرية بحكم الأمر الواقع. إذا استمر الوضع على هذا الحال لوقت أطول، فقد تُضطر الحكومة العراقية الضعيفة إلى القبول بانتشار دائم للقوات الكردية في هذه المناطق. بيد أنه سيكون على القيادة الكردية العراقية النظر في كلفة نشر أعداد إضافية من الجنود، والذي يجب ألا يأتي على حساب حفظ الأمن على حدودها الهشّة مع سورية. فعلى ضوء الحرب الأهلية الهمجية في سورية المجاورة، وتنامي التشدّد الخارج عن السيطرة يواجه كردستان العراق تهديداً خطيراً بوصول التداعيات والامتدادات إلى عقر داره.
الجانب المشرق بالنسبة إلى الأكراد هو أن إقامة الدولة الكردية تبدو فجأة أقرب إلى التحقّق، لاسيما وأن تركيا لم تعد تعارض الفكرة في الظاهر. عندما توقّفت حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي عن إرسال مخصّصات الموازنة لإقليم كردستان في شباط/فبراير الماضي، ماأدّى إلى تفاقم الخلاف حول موضوع الموازنة ولاسيما توزيع الموارد النفطية بين حكومة إقليم كردستان وبغداد، وتوقُّف المفاوضات، فقدت حكومة إقليم كردستان أي أمل بإمكانية إجراء مباحثات مثمرة مع بغداد. وردّ الأكراد بإرسال شحنة نفط إلى تركيا، وتوقيع اتفاق لمدّة 50 عاماً مع أنقرة ينصّ على استخدام خطوط الأنابيب التركية لتصدير النفط الكردي. فضلاً عن ذلك، يعتبر الأكراد الآن أنه لاعلاقة لهم بالنزاع السنّي-الشيعي الدائر حالياً في البلاد. فقد شكّل صعود داعش القشة التي قصمت ظهر البعير، بعدما لم يعد للأكراد حوافز تدفعهم إلى الحفاظ على ارتباطهم ببغداد، وبعدما فقدت الحكومة المركزية سيطرتها على الأمن في الداخل.
لكن لايزال الأكراد يواجهون تحدّيات خطيرة، منها مدى قدرة حكومة إقليم كردستان على تثبيت حكمها في المناطق التي استعادت السيطرة عليها مؤخراً من الجيش العراقي، ومنها نينوى وكركوك وأجزاء من محافظة ديالى. وإلا، في حال عجزها عن ملء الفراغ الذي خلّفه الجيش العراقي وراءه، سوف يُحكم مقاتلو داعش قبضتهم في هذه المناطق كما في غرب العراق، مع مايترتّب عن ذلك من تداعيات خطيرة وغير متوقّعة. علاوةً على ذلك، وفي حال إقامة دولة كردية مستقلة، فإن بقاءها يتوقّف إلى حد كبير على تحالفها مع دولة مجاورة ذات نفوذ واسع على غرار تركيا. أما في يختص ببغداد، فلن تكون في وارد التصدّي لإقامة دولة كردية. فغالب الظن أنها ستكون في حالة من الانهيار، مع تركيز اهتمامها على الحفاظ على ماتبقّى من العراق والحؤول دون تفكّكه.
لأول مرة منذ الاجتياح الأميركي، باتت الديناميكيات مؤاتية لإقامة دولة كردية مستقلة. فالأكراد العراقيون أقوى نفوذاً من أي وقت مضى، وتركيا أكثر استعداداً للقبول بوجود دولة كردية مستقلة عند حدودها. إذا لم يتوصّل العراقيون على الفور إلى مصالحة وطنية شاملة ترضي السنّة المهمّشين منذ وقت طويل وكذلك الأكراد أنفسهم، وهو أمر مستبعد جداً نظراً إلى ماآلت إليه الأوضاع، سيستمر الأكراد في الدفع باتجاه تحقيق الاستقلال. خريطة الشرق الأوسط على وشك أن تتغيّر بما يصب إلى حد كبير في مصلحة الأكراد.