آراء

النضال السياسي وآفة الانشقاقات

دوران ملكي

يُعتبر النضال السياسي أحد أهم أركان النضال التحرري للشعوب حيث يقع على عاتقه إيجاد الأرضيات اللازمة للعمل السياسي والفكري والثقافي وتشكيل الهيئات الإعلامية و متابعة التطورات العالمية ودراسة الواقع بدقةٍ وإعداد الكادر المؤمن بأهداف قضيته للعمل في الأوساط الجماهيرية والإعداد للتعبئة العامة خدمةً لأيّ عملٍ دفاعيٍ مرتقبٍ والدفاع عن قضيتنا المشروعة في المحافل الدولية

بما أننا في الواقع الكُردي في سوريا لم نفكر يوماً في إعداد فصائل مسلحة لحماية الشعب الكُردي لأن الواقع الجغرافي لم يكن ملائماً لبناء كيانات عسكرية بمعزل عن الشعب المسالم فتحوّلت اهتمامات الحركة إلى ثقافية وعلمية وإعداد الكادر العلمي والكفاءات للوصول إلى حدّ الاكتفاء الذاتي والبناء الاقتصادي المتين والراسخ وامكانية إحداث فرص عمل في المناطق الكُردية عبر الاعتماد على تشجيع الرأسمال المحلي على النمو والاستفادة من الإمكانيات الاقتصادية المحلية من مشاريع زراعية وتقنية تمنع الهجرة وتحافظ على التوارن السكاني لحين الوصول إلى ظروف موضوعية أفضل تساعدنا في التخلص من الظلم المطبق بحقنا

استطاعت الحركة الحفاظ على اللغة الكُردية رغم محاربتها بشدة وعلى العادات والتقاليد العريقة و على الثقافة والتاريخ الكُردي مع التمسك بالأعياد القومية وفلكلوره الذي يجسّد التاريخ الكُردي ويزيد في بناء الشخصية الكُردية حتى توصّلت في ثمانينيات القرن الماضي إلى ثورة قومية ثقافية بنَت الكادر المثقف المؤمن بعدالة قضيته وربطت المواطن الكُردي بقوميته وحبه لذاته الكُردية وأرضه فتولّد الحب الوطني القومي بغضّ النظر عن القيم الشخصية وبدأ يتشكل الوعي الذاتي القومي حتى أصبح الخيال أكثر من الواقع والتلميذ تجاوز الأستاذ وباتت الأرضية السياسية والفكرية لا تتسع لخيالاتهم وبدا وكأنهم في عجلة من أمرهم ليحققوا ما يصبون إليه في فترة قصيرة

في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي زاد الضغط على الحركات الكُردستانية المسلحة في كلٍ من العراق وتركيا مما أدّى إلى نزوح الكوادر السياسية والعسكرية الى كُردستان سوريا مما زاد من توافد الأفكار والثقافات السياسية إلى الواقع الكُردي وكان لها الأثر السيء على حركتنا إذ غزتنا منطلقات نظرية ونظريات شمولية ايديولوجية وكُردستانية لاتعير اهتماماً للخصوصية الكُرديةفي سوريا مما أدّى إلى خلط الأوراق وانخراط قسم من الشباب الكُردي في أحزابهم المنتهية اصلاً في واقعهم الحقيقي

هؤلاء تقاسموا تركة الأحزاب الكُردية من كوادر ثقافية وعلمية ليرقعوا بها جهلهم ويبنوا عليهم أحلامهم فكانت البداية لأنشقاقات تجاوزت النظريات الطبقية آنذاك واستمرّت طويلاً اشبه بكرة الزئبق التي تتناثر إلى كرات صغيرة حتى لاتُرى بالعين وخاصة إن الكفاءات كانت تتكاثر بسرعة هائلة ولا يوجد مؤسسات قومية لاستيعابهم فاستغلتها المحاور الكُردستانيةوشجّعت على الانشقاقات من منطلق التبعية وتشويه سمعة الحركة وإنهائها خدمة لأسيادهم وعلاقاتهم المشبوهة وإستطاعوا أن يخرقوا عذرية الحركة الكُردية وصفوة نقائها وطيبة قلبها والتي لم تستخدم طاقاتها إلا لخدمة أهدافها فلم تتعامل يوماً مع نظام غاصبٍ لكُردستان ولم تتبنَّ التسلق والميكافيلية في علاقاتها

استُغلِت من قبل المحاور الكُردستانية لتتحوّل إلى جسر للعبور تارةً وإلى طاقة اقتصادية خلفية تارةً اخرى وبيعت في المزاد العلني خدمةً لمصالحهم واستطاعوا ان يبنوا كيانات عسكرية وسياسية في الوقت الذي كانوا قد وصلوا إلى مرحلة الإنسلاخ السياسي من شعبهم في كُردستانهم ومدوا جسور العلاقات مع النظام الشوفيني على حساب الشعب الكُردي وعرقلوا مسيرته السياسية وسلبوا استقلاليته ويستمرّون إلى يومنا هذا تارةً لخدمة الأنظمة الغاصبة وتارةً لإعادة أحلامهم المنهارة

ازدادت المتوالية الحسابية للانشقاقات في بداية الثورة السورية حيث أُفسح المجال للعديد من الأحزاب لكي تتشكّل وتفرض وجودها بالاعتماد على هذه المحاور وتحصل على الدعم المادي والمعنوي وتحوّلت في النهاية الى عامل معرقل لطموحات الشعب الكُردي وتحويل مجرى الأحداث السياسية الى خدمة محاورها الداعمة وبذلك توقّفت المظاهرات في المناطق الكُردية وضعف الحراك السياسي وبدأ ظهور تمايز واضح بين داعم للنظام و معارض

كان هذا الانشقاق الأول والحقيقي ففي السابق رغم كثرتها كانت تتفق في الخطوط الأساسية وبفضل المحاور زاد في انقسامنا وتشتتنا ولن يتوقّف عند هذا الحد بل إلى إنهاء الحركة نهاًئياً

لذا يجب على الخيرين الغيورين وأصحاب العقول النيرة الانتباه إلى هذه الناحية وعدم الاستفراط بحركتهم القومية والوقوف عند حقوق الشعب الكُردي في سوريا وعدم ترك المجال للمتربصين من جديد إلى استغلال قضية شعبنا خدمةً لاهدافهم التي لانعرف إلى الآن مدى مصداقية طروحاتهم والحفاظ على لم شمل الحركة الكُردية القائمة بذاتها والوفية لشعبها والحفاظ على أحزابها السياسية الخيرة وعدم الانجرار خلف النزوات السياسية ولبس الخلافات الشخصية لباساً فكرياً سياسياً وعلى الجميع التحلي بالصبر والتروي ومراجعة الذات فنحن شعب التضحيات فلنضحِّ أولاً بهذا الذات الغرور الذي يقوض حركتنا ويشتت شملنا ويؤدّي بنا إلى الندم الذي لا رجعة منه

جميع المقالات المنشورة تُعبر عن رأي كتابها ولاتعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى