من أعدم ياسين؟
حازم الامين
لا أدري لماذا لا يرفع العراق صوته في وجه العالم لمطالبته بأن يكون شريكا في معالجة الكارثة الناجمة عن احتلال “داعش”، وهو ابن هذا العالم، مدنه وصحراءه وأطفاله ونساءه. “داعش” عراقي وسوري، لكنه أيضا فرنسي وبريطاني وبلجيكي وتونسي وسعودي. لا أحد بريء من ولادة هذه المسخ. ومن العدل أن تتوزع أعباء الهزيمة التي ألحقها بالعراق وأهله على آباء التنظيم الكثر. فبالإضافة إلى الأكلاف الهائلة التي باشر العراق بدفعها، والمتعلقة بمخيمات النازحين والمدن المدمرة والارتدادات الاجتماعية والمذهبية والقومية التي خلفها زلزال دولة الخلافة، أضيفت على كاهل العراق كلفة معالجة أوضاع آلاف من عائلات غربية وعربية وأسيوية كانت التحقت بالتنظيم تحت أنظار دولها وحكوماتها، وعلى العراق اليوم أن يحاكم الرجال ويجد مخرجا للنساء والأطفال.
وكم يبعث على الذهول وأنت في أحد مراكز الاحتجاز في بغداد، أن تلتقي مثلا بوفد من السفارة الفرنسية أو البريطانية، حضر لمعاينة مدى تطابق شروط الاحتجاز والمحاكمة في السجن العراقي مع الشروط التي يمليها القانون الفرنسي! في هذا الوقت تسمع من مسؤول فرنسي عبر وكالات الأنباء أن باريس تفضل أن يحاكم الفرنسيون في العراق، هناك حيث ارتكبوا جرائمهم! وكم سيتضاعف ذهولك حين تتذكر أنك في رحلة الطائرة من باريس إلى إسطنبول التقيت بعدد ممن افترضت في حينها أنهم ذاهبون بأمان إلى “الجهاد” في سوريا أو في العر اق. وأن هذا الأمر تكرر في رحلة الخطوط الجوية التركية من تونس إلى إسطنبول، وأن مسؤولا أمنيا لبنانيا قال لك في العام 2014 إن حل معضلة السجناء الإسلاميين في لبنان هو أن يجري عفو عام عنهم، وهم بدورهم وما أن يخرجوا من السجن سيغادرون إلى سوريا.
العالم كله أرسل المقاتلين إلى العراق وإلى سوريا، واليوم حانت ساعة التفكير بارتدادات هذه الحقيقة. ومرة أخرى يلجأ هذا العالم إلى المراوغة كوسيلة لتدبير مآزقه.
على العراق أن يتولى محاكمة المقاتلين الغربيين في التنظيم، وعليه أيضا أن يتولى أمر السعوديين والتونسيين والأردنيين. هذا العراق المبتلى بجاره الإيراني وبحليفه الأميركي وبالحشد الشعبي وبحكومة الأحزاب الدينية وبالانقسام القومي والمذهبي، عليه أن يحاكم عناصر بلجيكيين في “داعش” محاكمة عادلة وأن يراعي فيها شروطا يراعيها القضاء البلجيكي. ومن وراء الستارة يهمس صوت أوروبي بصوت خفيض، ويقول: “لن نغضب إذا ما صدر حكم بالإعدام بحق هؤلاء، لكننا لا نستطيع أن لا ندين هذا الحكم، ذاك أن قوانيننا تلزمنا بأن ندينه!”.
والحال أن المأزق لا يقتصر على هذا النوع من المراوغة، فما أصاب العراق، ولاحقا سوريا، جراء غزو العالم لهما عبر “داعش”، لا يقتصر على تبعات وصول المقاتلين غير العراقيين وعائلاتهم إلى ربوعه. السعودية أرسلت مع المقاتلين مناهج تعليمها، وإيران سلمتهم المدن يدا بيد وتركيا كانت طريقا آمنا لهم، واليوم يتنصل الجميع من أعباء فعلاتهم، والعراق المنهك والمتنازع يجد نفسه بمواجهة حل معضلة على هذا القدر من التعقيد.
لو كنت عراقيا، وأنا عراقي بمعنى ما، لشعرت فعلا بأن العالم يجدد تخاذله عليّ. العالم الذي سبق أن فعلها حين هُزم صدام في الكويت وعاد ليقتل الشيعة في الجنوب، وحين هزم في إيران وعاد ليقتل الأكراد في حلبجة. العالم سبق أن سلم العراق إلى إيران، وكان شريكا في تسليمه إلى “داعش”، وها هو اليوم يشيح بوجهه عن أبنائه وعن نسائهم وأطفالهم الموزعين على مخيمات النزوح.
ثم أن للمأساة وجها آخر، ذاك أن العراق المنهك والمتنازع وسوريا المنقسمة والمتهالكة حين يتوليان مصائر أقوام غرباء لن يمارسا رأفة لم يمارسوها على العراقيين والسوريين أنفسهم. فياسين الشاب التونسي عنصر “داعش” الذي أسرته قوات سوريا الديمقراطية في الرقة قبل سنتين، ولم تطالب الحكومة التونسية باسترداده لمحاكمته على رغم معرفتها بمصيره، تقول زوجته إن “قسد” عادت وبادلته مع أسرى لها مع “داعش”، والأخير أعدمه لأنه هرب من القتال وسلم نفسه لـ”قسد”. والسؤال هنا: من أعدم ياسين؟ “داعش” التي نفذت، أم قسد الذي بادل، أم الحكومة التونسية التي لم تسع لاسترداده؟
الجواب حتى الآن هو أن ياسين يستحق الإعدام، وليس مهما الجهة التي أعدمته. هذا الجواب، بالإضافة إلى مستوى ابتذاله، يغفل أن لياسين أطفالا وزوجة، وأن تونس بلد الأبناء ولبنان بلد الزوجة وأننا جميعا نؤسس لـ”داعش” بلدا ومجتمعا وظلامة.
Alhurra
جميع المقالات المنشورة تُعبر عن رأي كتابها ولاتعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media