آراء

الشهيد عبدي قادر نعسان ……. خالد في الذاكرة

مصطفى بكر

باعتبار الشهيد الصيدلي عبدي قادر نعسان، شخصية وطنية وقومية فريدة ، ناضل بكل ثورية وصدق في سبيل تخليص شعبه من أسر العبودية بكافة أشكالها , الاحتلال وتوابعه ، التخلف الاجتماعي والفكري …. الخ .

آثرت أن أتحدث بإيجاز عن انطباعاتي عنه منذ تعارفنا المتأخر ، عن صداقتنا وعملنا النضالي معاً في أحد أحزاب الحركة الوطنية الكرُدية ، بدال من الكتابة التنظيرية الإجرائية. ألتي يتصرف فيها الكاتب بكل حرية ؛ تاركا للقارئ الكريم حرية تفسير ما أروي .

صيف عام1972 ، ذهبت إلى قرية علبلور برفقة أثنين من رفاقي في البارتي الديمقراطي الكردي في سوريا – القيادة المرحلية – ، بقصد زيارة عبدي ألذي كان آنذاك طالبا في كلية الصيدلة بجامعة إسطنبول ، والذي كان يأتي كل عام ليقضي إجازته الصيفية في قريته , بعد فترة قصيرة من وصولنا ، دخلنا مباشرة في السياسة حيث حدثنا عبدي بإسهاب وإعجاب عن نضالات اليساريين الأتراك الذين تعتبر جامعات تركيا عامة وجامعة إسطنبول خاصة معاقل لهم ، غير أنه قال : إن اليسار التركي مازال يعاني من

الشوفينية الطورانية المتوارثة ، ثم حدثنا عن الحركة الوطنية في كوردستان الشمالية ، عن رموزها التقليدية وكلاسيكيتهم  والاضطهادات التي يتعرضون لها على أيدي الفاشية التركية . بصدد اليسار التركي المفعم بإيديولوجية ) السوسيال – شوفن ( ألذي يكيل بمكيالين ، قال : أخشى على اليسار الكردي من وقوعه في المستقبل في فخ الكوسموبوليتية التي نصبت له

منذ الآن . في الأخير ، تحدثنا مطولاً عن شاغلنا الأكبر آنذاك ، ثورة أيلول المباركة بزعامة البارزاني الخالد ، وعن إيجابيات وسلبيات اتفاقية الحادي عشر من أيلول عام 1970 وعن فترة الهدنة التي مدتها أربع سنوات . هنا أتذكر قول عبدي : أخشى على الثورة من المراهنة على دول الجوار المحتلة لاراضي كوردستان المقسمة بينهم ، كما أخشى من تعود البيشمركة في فترة الهدنة على الكسل والتراخي ، وقد يذهب بعض ضعاف النفوس منهم إلى الفساد الإداري والكسب غير المشروع ، مستغلين نفوذهم الحزبي أو قوتهم العسكرية . جذب عبدي انتباهي بحديثه العفوي الصريح ، النابع من شخصية قوية واثقة بنفسها ومفعمة بالروح الثورية . بدأت صداقتنا منذ يوم التعارف هذا ولم تنقطع حسب

المفهوم المادي إلا باستشهاده عصر يوم الحادي عشر من أيار عام 1985 ، غير أن تلك الصداقة وذاك التآخي الرفاقي لازال  مزهرين في وجداني . كنت أزور عبدي صيف كل عام وأحيانا كنت أقضي في قريته أكثر من يوم ، نتبادل خلالها أطراف الحديث حول الأوضاع السياسية المستجدة ، أحوال الثورة في كوردستان العراق ، مجريات الحرب الباردة بين حلفي وارسو والناتو ، دعم الاتحاد السوفيتي لحركات التحرر الوطني العالمية باستثناء ثورات شعبنا الكردي ، إذ يدعم بدالاً عنها تلك الأنظمة الدائرة في فلكه وفق مصالحه ، الفكر الماركسي كعلم متكامل وكيفية تشويهه على أيدي الأنظمة الشيوعية حسب مصالحها القومية الاقتصادية أو الجيوسياسية ، حاجة مجتمعنا الكردي لثورة اقتصادية – فكرية اذ لكل

نمط من الإنتاج نمط من التفكير ( . كان عبدي آنذاك مستقال تنظيميا غير أنه كان مشبعا بالأفكار اليسارية الثورية .

تأثر كثيرا باتفاقية الخامس من آذار عام 1975 ، ورأى فيها خيانة إيرانية لثورة أيلول المباركة ولؤماً أمريكيا بحق الكرد الذين يذهبون دوما ضحية مصالح الدول العظمى . – أنهى عبدي دراسته الجامعية وعاد إلى سوريا نهاية عام1976 .

ألتحق بالجيش لأداء  خدمة العلم خلال عامي 1977 – 1978 – . أمضى نهاية خدمته العسكرية في

حلب ، حيث زارني عدة مرات ،  كنت وقتها طالبا في السنة الرابعة – أدب فرنسي – ومستقيل من القيادة المرحلية , فاتفقنا على أن أعود إلى الحزب اليساري الكردي بسكرتارية السيد عصمت فتح الله ، على أن ينتسب هو إلى الحزب المذكور فور إنهائه خدمة العلم . – خريف عام 1979حضرت والرفيق عبدي مؤتمر الحزب حيث أنتخب كالنا لعضوية اللجنة المركزية إلى جانب عدد آخر من الرفاق . – ربيع عام 1982 ، استحالت المعايشة في حزب واحد ، بين تيارنا ) الراديكالي ( والتيار الآخر ألذي كنا ندعوه التيار ) الكالسيكي أو المحافظ  .

نهاية خريف عام 1982 عقدنا في منزل الرفيق عبدي الكائن في قرية علبلور المؤتمر التأسيسي لحزب الشغيلة الكردي في سوريا ؛ حيث ناقش أعضاء المؤتمر أسباب تخلف وانهيار أغلب الثورات الكردية ووضعوا رؤى ثورية للعمل بها في كردستان سوريا . – كان دور عبدي كبيرا في تأطير وبلورة تلك الرؤى ألتي تم تثبيتها في برنامج الحزب السياسي ونظامه الداخلي . 1 – نتيجة اتفاقية سايكس – بيكو ، أرتبط مصير جزء من الشعب الكردي بمصير أشقائه العرب السوريين .

2 – اعتبار نضال الشعب الكردي في سوريا جزءً لا يتجزأ من نضالات حركة التحرر الوطنية الكردستانية .

3 – اختيار كلمة ( الشغيلة ) أسما للحزب ولجريدته المركزية باعتبار أن الطبقة العاملة لم تتبلور بعد في كوردستان لأسباب تاريخية وآنية معروفة .

4 – إيلاء أهمية قصوى لتحرر المرأة كونها المدرسة الاولى.

. 5 – يتوجب على كل من يود الانتساب إلى الحزب عبور خلية المرشحين ألتي تستغرق مدة ستة أشهر

على الأقل ، يتلقى خلالها المرشح للحزب دروسا ومبادئ أولية عن * – تاريخ وجغرافية كوردستان . ** –

تعلم مبادئ القراءة والكتابة بالكردية . * – دراسة موجزة للمادية الديالكتيكية .

6 – وضع عبارة  يا عمال العالم و يا أيتها الشعوب المضطهدة أتحدوا ( شعارا لجريدة الحزب المركزية . خلال الفترة القصيرة ألتي ناضلت فيها مع الرفيق عبدي في قيادة الحزب اليساري وقيادة الشغيلة ، وخلال معايشتي شبه اليومية له ، رأيت فيه الخصال الحميدة :

– الإيثار : إذ كان يضع نفسه دوما في خدمة رفاقه ومصالحهم .

– الثورية في اتخاذ المواقف الحاسمة من الأحداث الإيجابية أو السلبية .

– الحرص الشديد على سلامة وسمعة رفاقه وكل من يتصل بهم .

– المحافظة الصارمة على سمعته وشرفه .

– الكرم إذ كان يقدم في كثير من الأحيان إعانات مختلفة كثير من الأحيان إعانات مختلفة للمحتاجين ، ونادرا ما كان يتناول طعامه منفرداً

– شغفه الشديد بالمطالعة وسماع الأخبار المنوعة .

لقد كان عبدي قادر نعسان فعالاً قائداً شجاعاً وثورياً حقيقين ، يحمل رؤى وأحمالاً  كرُدستانية عامة ، ذهب ضحية تآمر النظام العفلقي الذي ألب عليه الرجعية المحلية المتذرعة بعادة الأخذ بالثأر العشائري البغيض , فكان مقتله على يد أحد اللذين كان يناضل عبدي من أجلهم . فإلى روحك السالم والطمأنينة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى