آراء

إرهاصات الحرب ضد إيران والمبادرة الكردية على مستقبل كوردستان سوريا

عزالدين ملا

أصبحت منطقة الشرق الأوسط على صفيح ساخن، ولا يمكن التكهن بالاحتمالات، ويبدو من كل ذلك ان المنطقة تسير نحو تغييرات جذرية.

المنطقة برمتها تشهد تفاعلات متنوعة، وسيد المشهد خلق توازنات جديدة فيها، والكورد المتفاعلون والمتأثرون مع تلك الأحداث بشكل مباشر، وهم سيكونون ضمن تلك التغيرات والتوازنات.

شكلت قضية تحرك الولايات المتحدة الأمريكية، اقتصادياً وعسكرياً، ضد إيران ووجودها في سوريا والعراق واليمن، القضية المحورية في الأحوال السياسية والاقتصادية والعسكرية في الشرق الأوسط.

كانت هناك تحركات إقليمية ودولية على مستويين الدبلوماسي (أمريكا والدول الأوروبية والمجلس الوطني الكوردي) والعسكري (روسيا وإيران والنظام السوري). في الآونة الأخيرة أمريكا والتي تعمل من خلال الاسلوب الدبلوماسي والاقتصادي لردع إيران وقطع أذرعها عن المنطقة. والدول الأوروبية ومن خلال فرنسا وبموافقة أمريكية التي تعمل على تحقيق تقارب كوردي كوردي من أجل إدارة المناطق الكوردية، وكسب حليف جديد في المنطقة.

وروسيا التي تعمل للاستفادة من التناقضات الحاصلة بين الدول وخاصة أمريكا وايران، وأمريكا وتركيا، لذلك فهي تستخدم الاسلوب العسكري مع النظام السوري كـ أداة ضغط، لكسب المزيد من النفوذ والتوسع.

هل تريد واشنطن تغيير السلطة في إيران؟

وعن ذلك يبيّن عضو اللجنة المركزيّة في الحزب الديمقراطي الكوردستاني سوريا، محمد سعيد وادي، إنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة عملت لصالح المشروع الإيراني في العراق ودول ثانية من خلال إسقاط الأنظمة لصالح طهران؛ حيث أن “نظام الملالي في ايران بدأ بتوسيع نفوذه في المنطقة والترويج لمشروعه، وتصدير الثورة الخمينية، ووصلت به حد منافسة أمريكا في تقسيم المصالح في المنطقة. وبدأ العمل في انجاز المشروع النووي، الذي أصبح يهدد أمن وسلام العالميين”.

ويردف حديثه لـ صحيفة كوردستان: “اتفاق أمريكا والدول الخمسة + واحد في زمن أوباما في وقف المشروع النووي مقابل وقف الحصار الاقتصادي على ايران وتحرير اموالهم المحجوزة، وعدم مضايقة حلفاء أمريكا في المنطقة، ورغم ذلك ازدادت إيران عنجهية وفسادا في المنطقة، مما أدى إلى ان قام الرئيس ترامب باصدار قرار بالانسحاب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات اقتصادية على ايران لتقليم اظافره والحد من عنجهيته، واذا فشلت أمريكا ردعها اقتصاديا، ستحاول القيام بضربات محدودة ومحاولة تغيير النظام من الداخل لصالح القوى الاصلاحية”.

بينما يرى عضو اللجنة المركزية للديمقراطي الكوردستاني سوريا، محمد سعدون إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تهدف إلى اسقاط النظام في ايران: “لأن الثنائية المذهبية في الاسلام تفيد أمريكا بالدرجة الأولى وهي من ساعدت الخميني للوصول إلى الحكم وبهذه العملية استولت على الخليج، علماً أنها كانت من ضمن النفوذ البريطاني والفرنسي منذ الحرب الكونية الثانية”.

ولا يتوقّع الكاتب والشاعر، إبراهيم يوسف حدوث: “أية مواجهة أمريكية لطغاة طهران، وهذا لسببين، أولاً أن إيران استطاعت أن تطوّر ترسانتها العسكرية، بالرغم من كل ظروف الحصار، وأن تواصل الانتهاكات داخلياً، وتكون على نحو علني قوة شر-وهنا أعني أدوات حكمها- بل إنها لا تفكر حتى الآن- بقص أجنحتها- في لبنان، أو العراق، إذ إن إرهابيي حزب الله والحشد الشعبي، وبؤرهما لما يزالوا يمارسون حالة الدولة داخل دولتين هما لبنان والعراق، بل إنها تدخلت في الشأن السوري، وكانت القوى التي كسرت ظهر الثورة السلمية، وسعت لتحريفها مع من حرفوها: خليجياً وإقليمياً ودولياً”.

ويشرح أنّ: “سجل إيران لا يتأثر بإيراد المزيد من الأمثلة في سياق جرائم طغاتها، وهي لا يمكن أن تفعل ذلك إلا برخصة تواطئية من لدن أمريكا، وفي هذا مما يجعل أي مطلع على سير السياسة الأمريكية أن يدرك أنها ليست جادة في إطلاق وعيدها، وتهديدها، وما تسريب كل ذلك إلا لمزيد من الابتزاز، هذا ما أراه، على المدى القريب، في أقل تقدير”.

ويقول وادي ” إذا كانت أمريكا جادة في تغيير سلوك ايران كي تنسحب من مناطق نفوذها في سوريا واليمن والعراق ولبنان. وتركيا مع المشروع الأمريكي والاوروبي في صفقة القرن المزمع تنفيذه في المنطقة، لكنها لا تريد اسقاط هذا النظام البعبع في منطقة الخليج لابتزاز انظمة الخليج، وتصدير الاسلحة إليها واستنزاف خيراتها”.

ويربط سعدون الضغوطات الأمريكية على إيران بـ صفقة القرن، ويقول في ذلك: “كلنا نعلم بأن أمريكا ستحاول طرح صفقة القرن وهي بحاجة إلى أرضية للقبول لدى العرب، لأن النظام الايراني سيف مسلط على رقابهم، وهذه الأنظمة إما أن ترضخ للابتزاز الأمريكي وبشروط أمريكية لتحميهم، أو الويل لهم من ايران التي خلقت منظمات ارهابية في كل المنطقة تطلعاً لإرجاع مجد الامبراطورية الفارسية أو على الأقل الدولة الفاطمية”.

وبالنسبة ليوسف فإنه: “لم تعد أمريكا الترامبية تشغل نفسها، بأكثر مما يمكن أن تبتزه، على نحو علني، من دول المنطقة، وبوقاحة، كما فعلت في السعودية، بعد أن كانت تفعل ذلك على نحو غير مباشر. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، الآن، ونحن في أواخر العقد الثاني من الألفية الثالثة ثمة تحولات كبيرة جرت في عالم السياسة، فهي الأخرى غدت أكثر سوريالية، بعد أن فقدت أكثر قيمها، لاسيما لدى المتحكمين بأمور العالم. نحن أمام فانتازيات سياسية، لكنها فانتازيات قبيحة، كما تبدو إلى اللحظة، لاسيما بعد أن بات القائمون في الأسرة الدولية المتحكمة بمصائر العالم لا ينتخون أمام أعظم الجرائم التي تتم، ولنا في ما حدث في كركوك، أو عفرين، أو في سوريا كاملة خير الأمثلة. السياسة غدت فن إدارة الدمار، وليس الأزمات، فحسب!”.

ويقول سعدون: “الآن أصبحت أمريكا وروسيا القوتين الرئيستين اللتين تتحكمان بالساحة السورية وأما تركيا وايران فأصبح هامشيا مقارنة بهما، وما التوتر بين امريكا وايران إلا لدفع ايران للانسحاب من سوريا مع أذرعها واضعاف حزب الله في لبنان وقطع أذرعها في اليمن وقطاع غزة والعراق، وكل هذا تقوم بها بأموال خليجية”.

المبادرة الفرنسيّة: ظروف وتجارب سابقة

ويقرّ وادي بعدم جدوى المبادرة الفرنسية، التي تهدف إلى التقارب بين حركة المجتمع الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي، ولا يعتقد أنها يمكن أن تصل إلى مراحل متقدمة، لجهة: “عدم ثقة المجلس بـ تف دم وتجاربه المريرة معها في الاتفاقيات السابقة، كونها “تف دم” لا تملك قرارا مستقلا بسبب تابعيتها المطلقة لقنديل، وهو من المنظومة الايرانية في المنطقة كـ حزب الله والحشد الشعبي والحوثيين.. الخ”.

ويمكن للكورد الاستفادة من خلط الأوراق في المنطقة والاستفادة من نتائج الأحداث، والتي لم ولن تُرجِع سوريا دولة مركزية كما كانت، بل ستصبح فيدرالية علمانية “شاء من شاء وأبى من أبى”، وعلى الكورد البحث عن المخارج المفيدة والخاصرات الرخوة لتمرير مشروعهم، وتثبيت حقوقهم في الدستور السوري المرتقب، والتخلص من المنافع المرحلية والعقد التنظيمية والانطلاق إلى خدمة قضيتهم، حسبما يبيّن وادي في حديثه لصحيفة كوردستان.

وينتقد وادي أداء الكورد، بالقول: “اعتقد الكورد في سوريا ليست ضحية الانظمة الحاكمة في سوريا فحسب بل ضحية قصر رؤيتها وعدم ايجاد استراتيجية حقيقية قوية لصالح قضيتها، وانشغالها كثيرا بالانقسامات المفتعلة من قبل أعداء الكورد، وسهولة انقيادها إلى مشاكل هامشية بعيدة عن مصلحتها الاستراتيجية، ويعود سبب ذلك فقدان مركز قرار كوردي موثوق وذو مصداقية لإدارة المراحل التي مرت بها الحركة الكوردية في سوريا. ولكنني متفائل بمستقبل الكورد لتقاطع مصالحها مع مصالح الدول الذات الشأن، والتنسيق الجدي بين مركز قرار الأمة الكوردية الرئيس مسعود البارزاني والمجتمع الدولي والدول الاقليمية، بسبب وحدة الملف الكوردي في المنطقة مع اختلافات لكل جزء من كوردستان المغتصبة”.

فيما يقول سعدون: “المجلس وافق على المبادرة لأن المجلس لم يعد يثق بـ “تف دم” نتيجة التجارب السابقة معها، وأي اتفاق معها يجب أن يكون بضمان دولي إن كانت فرنسا أو أمريكا أو أية قوة دولية أخرى لأن “تف دم” لم تلتزم بتعهداتها أمام الرئيس البارزاني وتوقيعاتها برعايته. وتف دم هي أيضاً أبدت موافقتها على المبادرة، وهي بدورها بحاجة إلى قوة دولية للاعتراف بها وضمها إلى لجنة المفاوضات مع النظام وحمايتها للحفاظ على تلك المكتسبات التي استلمتها من النظام التي جاء بها لتنفيذ أجنداته ومحاربة تطلعات الكورد الذين انضموا إلى الثورة السورية في بداياتها”.

واعتبر سعدون إن: “الظروف والمتغيرات فرصة للكورد لتحقيق الحقوق القومية المشروعة لهم، لكن مع الأسف وجودPYD الى جانب النظام والحرب بدلاً منه أدت إلى أزمة كبيرة بين الكورد… حيث تم تهجير ما يقارب أكثر من 800 ألف كوردي واستشهاد وجرح الآلاف، وتطبيق قوانين جائرة ملاحقات وخطف وقتل ….إلخ، ومحاولة طمس القضية القومية للشعب الكوردي الذي يعيش على ارضه التاريخية وله حقوق حسب المواثيق والعهود الدولية، فهذه الحالة حالت دون استفادة الكورد من هذه الظروف”.

ولا يثق الكاتب الكردي، إبراهيم يوسف بـ ” “تف دم” كما أنني لا أثق بالرؤية السياسية لكل من يثق بسياسات تف دم، وأرى أن أعظم ما يمكن أن تفعله هذه المنظومة هو تفكيكها، والخروج من حياة شعبنا، كقوى مهيمنة، متسلطة. إن مصلحة شعبنا تكمن في لحمة شعبنا، ولكن بعيداً عن تقاسم النفوذ بين الهياكل الموجودة. ثمة خصوصية لكورد سوريا، هذه الخصوصية تكمن في أنهم-لو تركوا أحراراً- فهم قادرون على خلق حالة تؤهلهم لتجاوز المرحلة، وأن يكونوا بمستوى التفاعل معها، وفي هذا ما يكذب تلك الرؤية التي تهول الأمر وترى أننا خرجنا من الجغرافية والتاريخ لو لم تظهر منظومة PYDعبر بطاقة “اليانصيب” “.

ويضيف: “وهناك من يتحدث عن بطولات من دافعوا عنا في الجزيرة، وكوباني، وعفرين، وكأن هؤلاء الشباب. الشابات، قد نزلوا عبر “البراشوتات” من جبل قنديل، وليس أن هؤلاء هم أبناء المكان، وكان من الممكن أن يحققوا الكثير لو تركت الأمور عند حدود تلك القوى التي تشكلت مع بدايات الثورة السورية، ومن دون أن أنسى حالة-المجلس الوطني الكردي- الذي أوقع الأمر-بين يديه- بعد أن تم اغتيال عدد من الناشطين المبرزين، وفي طليعتهم: الشهيد مشعل التمو وشهداء آل بدرو، وتل أبيض، والشيخ نعسان، وولات حمي إلخ. هذه النقطة نشير إليها-لمحاً- لكن، يجب ألا ننساها، أثناء أي تقويم حقيقي”.

ويشير يوسف إلى أن: “أن الدبلوماسية الكوردية لا بُعد تاريخياً لها، ولا جهات إقليمية ودولية حاضنة لها، إنها عبارة عن شيكات بلا رصيد، أضف إلى أنها لما تزل في حدود الحزبية، هنا وهناك، إذ لا يتم الاستعانة بالقدرات الفائقة الموجودة، وفي هذا أعظم خطورة، فالسياسي الكوردي هو الدبلوماسي، وهو من يقرر مصير الناس، من دون أن يتم التفاعل مع النخب الكوردية، ولا أعني هؤلاء الذين هرولوا إلى المجلس الوطني الكردي فور تأسيسه، ومنهم من كان من عداد الفاركونة الخلفية للنظام، في الداخل، أو الخارج، وهم أول من انفضوا عن المجلس، بعد أن خابت أحلامهم، وقفزوا إلى مراكب أخرى شتى. من هنا، أرى أن ما هو واضح للعيان ليس دبلوماسية كورد روج آفا، إنها طاحونة المرحلة التي تدور، وما يقوله هذا الممثل أو ذاك في هذه المنصة الدولية أو تلك، سبق أن قالها سواه، ولا مأثرة له فيها”.

واستعدى حزب الاتحاد الديمقراطي جميع شركاء المكان ضد الكورد، حتى هؤلاء الذين حررهم، وحرر مكانهم، من أسر الراديكاليين: النصرة- داعش، بل بعض من ينفذ اجندات الغير، كما أنه أوجد شرخاً عظيماً في حياة كورد سوريا، وقد بلغ به الأمر أن تسلل حتى إلى المجلس الوطني الكردي الذي أرى أحزابه-التقليدية- وليس أحزاب التسول الناشئة لاحقاً، بغرض تكسب بعض وجوه قياداتها هنا وهناك، أنها خير من حمت كوردنا، عبر عقود، وهي جديرة أن تكون ومن يشبهها- ممن هم خارجها- كتنظيمات أو كمستقلين- أن يمثلونا، من دون احتكار أحد بداعي الحزبية، وفقما يسرد الكاتب الكردي في حديثه.

ولا يرى يوسف أن حزب الاتحاد الديمقراطي بإمكانه أن يقود زمام أمور كوردستان سوريا، ويدعو إلى دعم المجلس الوطني الكردي، لأنهم ـ ويقصد المجلس الوطني الكردي ـ “الأكثر قبولاً لدى القوى الكبرى، وأن أي بقايا اهتمام بهذه المنظومة إنه لمتأت من قدرته على اللجوء إلى خزان الدم في تحقيق ما يرسم له، وهو يقاد إلى المعارك، في لعبة غميضة لا يعرف كنهها. لن يبقى الكورد، خارج معادلات التاريخ والجغرافيا، تلك القوى الشوفينية التي رفع أيتامها رؤوسهم عقب مأساة: كركوك وعفرين، من شركاء المكان، ومن وراءهم، لن يفلحوا في مواصلة ارتكاب جرائمهم بحق قضية شعب وأرض، وإن كنت ممن يشددون على العيش المشترك مع الشركاء الأصليين، بوئام، وحب، وسلام، شريطة أن يعرف جميعهم أن هناك كوردستان كبرى، وأن مكاننا جزء منها، ومن حقنا مفاوضة من نريد على العيش المشترك، في الوقت الذي يجب أن تكون هناك ضمانات تقرير المصير، في حال إقدام أصحاب العقول الشوفينية على محاولات محونا!”.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي يكيتي ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى