الموازنة بين البارزاني وعبد المهدي
صبحي ساله يي
لا يختلف إثنان على أن المنطقة بكاملها تعيش على بركان، وأن الذي يحدث بين أمريكا وإيران، ليس مسلسل القط والفئران، أو لعبة الدرج والثعبان، وأن العراق بحكم موقعه وعلاقاته المتداخلة والمتشابكة مع الإثنان، بمثابة المركز للزلزال المتوقع الهيجان، وبين عشية وضحاها سيكون المتضرر الأول والأكبر من أي تندلع بعد الآن. ولايختلف إثنان على أن العراق بحاجة ماسة الى السلم المجتمعي أكثر من أي وقت آخر.
مع ذلك نلاحظ أن البعض من السياسيين والنواب والكتاب، على العكس من كل السياسيين والنواب والكتاب في العالم، أمام حالة من التناقض السلوكي، لا يدركون– أو بمعنى أدق لا يريدون أن يدركوا– لنقص في خبرتهم، ولعدم إمتلاكهم رؤية إستراتيجية تستشرف المستقبل. ينجرون مع الشكوك والأفكار الضحلة التي تداعب خيالهم، وتتعلق قلوبهم الضعيفة بأستار المؤامرة ويترقبون الأحداث المهولة، ولا يستطيعون الفصل بين حدود اللياقة التي تتطلبها الدبلوماسية ومسؤوليات التصريح لوسائل الإعلام، وبين العقد القديمة والانفعالات الخاصة والارتجالية، فيطلقون كلمات وتعابير متشابهة ومعادية ومتقاطعة في معضمها.
عندما صرح السيد عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء بأن حكومته ستلتزم بقانون الموازنة وتصرف رواتب موظفي الاقليم، أقاموا الدنيا ضده، وتسكيناً للتساؤلاتواختفاءاً خلف الشعارات الخائبة. بدأوا في سعيهم الحثيث بإختيار الكذب، لإفتعال الأزمات وإنتاج عقد جديدة مرتبطة بالماضي المؤلم، والزج باسم الموازنة السنوية غير المغلفة بالسرية، والتحكم بحصة الإقليم، والبعض ذهب بعيداً وأعلن عن تطوعه ليقف بوجهه والإطاحة به وبحكومته، ولعن التوافق والتصالح والسلم المجتمعي بكل الوسائل الممكنة. دون التفكير بما يستنزفون وما يستهلكون من كلام وما ينشرون من الكراهية والعقد والشكوك. ودون أن يعرفوا أن لا أحد يستطيع إقناع العقلاء بأمر ما ونقيضه في آن واحد، أو حتى إبعاده عن التفسير المنطقي، أو الإيمان بفكر مخالف ثم مخالفة ما كان يدعو له.
عادل عبدالمهدي وضح الجدل الدائر بشأن موازنة كوردستان حينما قال: لم نستلم النفط من الاقليم، ولم نسلم حصة الاقليم كاملة. وأضاف، ان حكومته تدفع الرواتب والمستحقات لاقليم كوردستان بموجب الموازنة ولاتدفع الجزء الباقي لان قانون الموازنة الزمها بخصم مايقابل المبالغ التي تمثلها قيمة 250 الف برميل من النفط يومياً.
ما قاله عبد المهدي، واضح ومعلوم، ولايوجد فيه محابات أو مرونة أو تفريط.
وما قاله رئيس إقليم كوردستان، نيجيرفان البارزاني: من حيث المبدأ، ليس لدينا أي مشكلة في تسليم 250 ألف برميل من النفط إلى بغداد، وفي بغداد تحدثت مع رئيس الوزراء حول هذا الأمر، ولا بد من بحث هذا الموضوع، فالأمر لا يتعلق فقط بتسليم 250 ألف برميل فقط بل هنالك مسائل قانونية، لأن قطع حصة إقليم كوردستان من الموازنة منذ عام 2014، أدى إلى تراكم القروض على إقليم كوردستان. ولا بد من الحديث عن كل هذه الأمور للتوصل إلى حل مرض لإقليم كوردستان ولبغداد، ومن المهم للطرفين إيجاد آلية تسوية هذه المسألة، وأن إقليم كوردستان مستعد للتنسيق الكامل مع بغداد للتوصل إلى نتيجة مشتركة ترضي الطرفين.
وهذا الكلام، أيضاً، منطقي وواضح ودقيق، ولايوجد فيه لبس أو نقيض لما جاء في قانون الموازنة.
وبين ماقاله البارزاني وعبد المهدي، يختفي المحرضون وأصحاب المواقف الواهنة والمخزية، والنازعون لثياب العقل، والمرتدون لثياب التمرد على الطبيعة، والمغادرون لمجالس العقلاء، وغيرالمؤمنين بالدستور والقوانين والأعراف المتبعة بين الشعوب، خلف الشعارات الخائبة، من أجل تضليل وخداع الرأي العام وإيذاء الشعب العراقي.