بيشمركة روج افا هي الحل
آلدار جوفاني
لا يوجد هناك في المناطق الكردية في سوريا من خيار سوى البيشمركة السورية، هذا ما يقرّه الواقع السياسي التي تمر به المنطقة، فهو بعكس واقع الحال الذي تشهده المنطقة منذ نوفمبر 2012 تحديدًا. فقد أمر حينها النظام السوري – (مثلما أمر بإطلاق سراح زهران علوش وغيره من سجونه بعفوٍ عام، من أجل عسكرة وأسلمة الثورة ومن ثمَّ إخمادها في 2011) -، عميله المخلص – حزب الاتحاد الديمقراطي – بعسكرة المنطقة الكردية وإِخماد الثورة والحراك فيها، وذلك بتصفية كافة رؤوس النشاط الثوري التي كانت الواجهة في المنطقة. مشعل تمو مثالًا على ذلك.
نجح النظام السوري بضمّ حزب الاتحاد الديمقراطي لصفّه، ليعمل لصالحه ويخدمه. كما كان سابقًا يربّي حزب العمال الكردستاني ويرعاه ويدرّب عناصره حتى يكون ورقة يستخدمها ضد تركيا حينما يشاء، الورقة التي حُرقت في اتفاقية أضنة عام 1998. كما نجح حزب الاتحاد الديمقراطي بذراعه العسكرية – وحدات حماية الشعب – بكتم الصوت في المناطق الكردية، وتصفية نشطاء الحراك الثوري المناهض للنظام السوري فيها، وقمع التظاهرات وحتّى ارتكاب مجازر بحق النشطاء إن تطلب الأمر. مجزرة عامودا مثالًا على ذلك. ناهيك عن اعتقال واختطاف سياسيين كرد وأعضاء الأحزاب الكردية المنضوية تحت مظلة المجلس الوطني الكردي.
عند رفض وتنديد الدول الإقليمية وعلى رأسها تركيا ما يقوم به حزب الاتحاد الديمقراطي من اعتقالات وخطف ومجازر والسيطرة على المنطقة بقوة السلاح، وعدم تقبّل تركيا لسيطرته هذه، كونه الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني المُصنف إرهابيًا، فهي بهذا تعتبره مصدر تهديدٍ لها. اضطرَّ هنا الحزب إلى تغيير هيكلته وتقديم تصريحات على أنه غير تابع لحزب العمال الكردستاني، بهدف إِرضاء تركيا وكسب دعم المجتمع الدولي وعدم قطع الإمدادات التي تصله وإِكمال مشروع النظام السوري الذي طلبَ تنفيذه منذ البداية. لم يؤثر هذا التغيير على رؤية تركيا للحزب وفصيله المسلح، فقد أُجبِر الحزب – حزب الاتحاد الديمقراطي – على تشكيل مجلس تحت مسمى – مجلس سوريا الديمقراطية – الشهيرة اختصارًا بـ – مسد -، بعيدًا عن مصطلحات يمكن لها أن تؤثر على الرؤية التركية ومنظورها ولإبعاد تهم الإرهاب عنه. ومن خلالها تم تشكيل ميليشيا عسكرية تابعة لـ مسد تحت مسمى – قوات سوريا الديمقراطية – الشهيرة اختصارًا بـ – قسد -. ولكن ما لم ينجح الحزب في تغييره هو؛ جبروتُه وإرهابه المتغلغل في نظامه الداخلي. حيث لم يتوقف عن تصفية واعتقال كل من يناهضه ويناهض النظام السوري من سياسيين ونشطاء كرد في المنطقة الواقعة تحت سيطرته. كما فشل بكسب أبناء المنطقة للانضمام في صفوفه ومن ثمَّ تهجيرهم، كونه يرمي أهدافًا غير واضحة ويدخل في معارك لا ناقة له فيها ولا جمل، بحجة محاربة الإرهاب – داعش -. الأمر الذي جعله يلجئ إلى تجنيد الأطفال وتوسيع ميليشياته بناءً على ذلك.
لا شك بأن الدعم الأمريكي لهذه الميليشيا دعم لا ريب فيه، منذ بداية ظهور الخلايا الإرهابية في المنطقة، ولكن؛ لا بيادق لدى أمركيا في المنطقة غيرهم في الوقت الحالي.
لاسيما أن أميركا انتُقِدت دوليًا وفي عدة محافل على دعمها لتلك الميليشيا، كما طُلِبَ منها الحد من ذلك، مما اضطرَّت أمركيا أن تقوم بعدة محاولات على تجميل صورة الميليشيا قدر الإمكان إلى أن تنتهِ مهمتها على الأقل، حيث طلبت عدة مرات؛ تغيير أسماء وسلوكيات الميليشيا في بدايتها إلى أن وصل بها الأمر مؤخرًا لفرض تعهدات تطالب فيها الميليشيا بعدم تجنيد الأطفال في صفوفها. التعهدات التي تباهت بها الميليشيا ومجلسها وإعلام حزبها غير مدركين أن هذه التعهدات أثبتت تورطهم في تجنيد الأطفال منذ تشكيلها. لا يُخفى أيضًا؛ بمجرد وقف الدعم الأمريكي للميليشيا تلك، ينتهي وجودها. مثالًا على ذلك؛ هزيمتها في معركة عفرين واحتلال تركيا لها، حيث لم تتدخل أمركيا في دعمها لألا تواجه تركيا، كونها حليف، وزبدة الوضع هي؛ خسارة عفرين.
المشهد الذي أدركه حزب الاتحاد الديمقراطي ومجلسه – مجلس سوريا الديمقراطية – أنَّ؛ الوجود الأمريكي هو فقط لمحاربة داعش وتسليم فواتير ومكافئات لذلك، ليس إلّا.
فعند القضاء على داعش وشبه انتهائها في سوريا، في الآونة الأخيرة، لمّحت أمريكا بالإنسحاب وعودة جنودها وتوقيف الدعم. وآخرها كانت تصريحات للرئيس الأمريكي وأيضًا لمبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا – جيفري – بانتهاء دور قوات سوريا الديمقراطية، وتشكيل منطقة آمنة بحسب اتفاقية أضنة 1998. وعلاوةً على ذلك؛ مناقشة عودة البيشمركة السورية – بيشمركة روج آفا – لإستلام مهامها، كونها فصيل مقبول إقليميًا وخصوصًا – تركيا – التي تلعب دورًا هامًا في رسم المنطقة.
الأمر الذي أثار مخاوف مجلس سوريا الديمقراطية، حيث قامت وقتئذ رئيسة الهيئة التنفيذية للمجلس – إلهام أحمد – بزيارة واشنطن ومحاولة التقرب أكثر في سبيل تغيير خطة اِنسحاب القوات الامريكية وقواعدها. لم تجدي اللقاءات التي حصلت بين مسد وواشنطن نفعًا، فرسم المنطقة ليس متعلقًا فقط بأمريكا. حتّى أن – مسد – صرّحت في عدة مناسبات لها؛ أنها مستعدة للحوار مع تركيا والوصول لنقاط مشتركة حتى تضمن بقائها مُسيطرةً على المنطقة.
عند القول بأن البيشمركة السورية هي الحل، فذلك يعني؛ أن هذه القِوى تمتلك مقومات ونهجًا ما لا تمتلكه غيرها من القِوى الأخرى. فعلى الرغم من أنها – البيشمركة السورية – لم تستطع المشاركة في الحرب الأهلية السورية ولا السيطرة على أي مساحة في سوريا وخصوصًا في المناطق الكردية منها، وذلك بسبب رفض حزب الاتحاد الديمقراطي بجميع تشكيلاته ومجالسه وجود أي فصيل أو قِوى غيره تسيطر على المنطقة، خصوصًا القِوى التابعة للمجلس الوطني الكردي الذي يُعرف بولائه لنهج البارزاني، أو كما يُقال عنهم – البارزانيين – نسبة لملا مصطفى البارزاني -، على حساب الأوجلانيين أو الآبوجيين – نسبة لعبد الله أوجلان / آبو -، وهو صراع كردي-كردي سياسي وإيديولوجي قديم بين الطرفين، إلّا أنه فصيل مقبول إقليميًا ودوليًا عن غيره. وهذا ما يتم مناقشته في السنوات الأخيرة على طاولات الدول العظمى من قِبل المجلس الوطني الكردي، الذي يتبناه سياسيًا منذ 2015.
وبمناقشة أهم أسباب عدم مشاركة البيشمركة السورية منذ تشكيلها إلى الآن في الحرب الأهلية السورية وعدم دخولها إلى المناطق الكردية في سوريا هو؛ عدم إنجرار المنطقة إلى اقتتال داخلي، وهذا ما لا تريده أمريكا وغيرها من الدول العظمى المعنيّة في الشأن السوري والحرب الدائرة فيها، لألا تضيع البوصلة وتختل الموازين. كما لا يُخفى دور مسعود البارزاني في تأني دخول البيشمركة السورية إلى المنطقة كونه الزعيم الأعلى والروحي لها، وذلك لتجنب اقتتال كردي-كردي في المنطقة. حيث من المعروف عنه؛ حرصه على تجنب الاقتتال الداخلي في أجزاء كردستان الأربعة، ويقول دائمًا: – لقد ابتلينا به، وأعرف تمامًا كم هو مكلف ومرير وما علينا إلا الصبر -. ومثالًا على ذلك؛ كركوك، حين سُلمت لإيران في أكتوبر 2017، من قِبل الطالبانيين – نسبة لجلال طالباني -، كان بمقدوره منع ذلك السيناريو بقوة السلاح، إلا أنه فضّل الصبر عليه لتجنب الاقتتال الكردي-الكردي، حيث قال حينها؛ – دمُ مقاتلٍ من البيشمركة يُساوي ألف كركوك -. وعلى هذا النهج والنحو؛ يرسم البارزاني تدخله في المناطق الكردية في سوريا، فالأهم لديه حقن الدماء وحماية طفولة الأبناء.
النموذج الكردي في كردستان العراق قريب من وعي وبصر وذاكرة الكرد في المنطقة الكردية في سوريا. ذلك ما جعل المجلس الوطني الكردي مُطمَئِن إلى أن خطته بدخول ذراعه العسكرية – بيشمركة روج آفا – إلى المنطقة الكردية في سوريا ستحظى برضى الشعب الكردي فيه أولًا ورضى الدول الإقليمية ثانيًا اللذين ينظرون بقلق إلى تجربة حزب الاتحاد الديمقراطي ومجلسه.
وبغض النظر عما تشيعه – مسد – من دعايات في شأن المرحلة المقبلة التي تحاول أن تبقى المسيطر الوحيد فيها، فإن الرأي العام، الإقليمي والدولي، لا يميل إلى أن يَخلي المجلس الوطني الكردي بذراعه العسكرية يده تمامًا، ويسلم إدارة المنطقة في الطريق الذي مشت فيه مسد وتنتظره لاحقًا. وذلك لأن حزب الاتحاد الديمقراطي ومجالسه وإن كانوا في الواجهة، فأنهم سيحرضون المجتمع – كما فعلوا ويفعلون – ضد المنظمات السياسية الأخرى وعلى رأسها المجلس الوطني الكردي وذراعه العسكرية.
الرهان على البيشمركة السورية هو في الأساس رهان على ما يمكن أن تربحه المصلحة المدنية في المنطقة قبل المصلحة الإقليمية في مواجهة سلوكيات حزب الاتحاد الديمقراطي وكافة تشكيلاته.