إيران وسياسة اللعب على الحافة
فؤاد عليكو
لا يخفى على أي متابع للصراع الحالي بين أمريكا وإيران والتي احتدمت بين الطرفين وسادت لغة التهديدات العسكرية على لغة الحوار منذ أن انسحبت امريكا من الاتفاق النووي العام المنصرم من جانب واحد والتي تم توقيعها من قبل الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن بالإضافة لألمانيا مع إيران حول البرنامج النووي الإيراني في أيار 2015 والتي تحد من التسلح النووي العسكري الإيراني وإضفاء طابع السلمية على مشروعها ووضع المشروع تحت الرقابة الدولية مقابل رفع العقوبات عنها كليا، بالإضافة إلى ارخاء الحبل لإيران أمام تمددها في الشرق الأوسط، وقد استغلت إيران هذه الاتفاقية بذكاء ،خاصة بعد ان توفر لها الغطاء المادي المقبول وغض نظر أمريكي ملموس وعلى ضوء ذلك تحركت على محورين الأول : تطوير البرنامج الصاروخي الإيراني والثاني: ازدياد وتيرة التغلغل في سياسات الدول المجاورة بشكل متسارع بعد ان تباطأت بسبب العقوبات الدولية ، وهكذا استطاعت ايران السيطرة على الحالة السياسية في العراق وسوريا بشكل كامل وإلى حد ما في لبنان واليمن وعمان وفلسطين من خلال تشكيل تنظيمات سياسية ذات طابع عسكري في هذه الدول ودعمها ماديا وعسكريا لدرجة بلغت بها الغرور ونشوة النصر إلى الإعلان من أن خمس عواصم عربية باتت تحت سيطرتها، لكن وبعد التدخل الروسي في سوريا لصالح النظام وإيران وترجيح ميزان القوى العسكرية لصالحهما مع تحجيم فعالية القوى العسكرية للمعارضة السورية وتمدد القوى الإيرانية وحلفاءها جنوبا حتى حدود الجولان حينها دقت ناقوس الخطر في إسرائيل من خشية تاثير هذا التمدد على كيانها مستقبلا خاصة بعد امتلاك حزب الله وحماس والجهاد الاسلامي منظومة صواريخ إيرانية متطورة تصل مداها إلى العمق الإسرائيلي وكذلك شعرت دول الخليج باقتراب الخطر الإيراني نفسه من دولها ، وتقاطع هذا الهاجس الأمني للطرفين مع مجيء ترامب إلى سدة الرئاسة الأمريكية والذي كان من أولويات برنامجه الانتخابي إلغاء الاتفاق النووي مع إيران أو تعديل شروطه وبدأ بتطبيق برنامجه الانتخابي حول ذلك بدعم قوي من اللوبي اليهودي في أمريكا بالإضافة الى تلقيه رسائل داعمة وقوية ماديا من دول الخليج مع رفض شديد من جانب إيران على اي تعديل على الاتفاق وهكذا انتهى العصر الذهبي لإيران في عهد أوباما وبدأت مرحلة الصراع مع ترامب، وعلى الرغم من أن الدول الخمسة الأخرى أعلنت عن التزامها بالاتفاق إلا أنها وقفت عاجزة أما الإصرار الأمريكي بإلغاء الاتفاقية وتطبيق العقوبات على إيران ومع توسيع دائرة العقوبات حاليا بدأت هذه الدول بممارسة سياسة الناي بالنفس وترك إيران وحدها تواجه امريكا واسرائيل ودول الخليج الذين عقدوا عشرات اتفاقات التسلح المتطورة مع امريكا بمئات المليارات من الدولارات (470مليار للسعودية وحدها ) كما ان روسيا وقفت وتقف متفرجا على قصف الطيران الإسرائيلي للمواقع الإيرانية وحلفاءها في عمق الأراضي السورية المغطاة تماما من الرادارت الروسية، وعلى الرغم من شعور الإيرانيين بالمرارة من موقف حلفاءها، إلا أنها بقيت حتى الآن مقاومة للسياسة الأمريكية عبر تهديداتها المتتالية بضرب إسرائيل ودول الخليج في العمق وإغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية واغراق العالم في أزمة الطاقة خاصة وأن 40%من نفط العالم يمر عبر مضيق هرمز؛ لكن كل هذا التهديدات الإيرانية لم تثني امريكا من تطبيق المزيد من العقوبات لتشمل جوانب اخرى بما فيه الحرس الثوري الإيراني ومنشآته الاقتصادية، وبات العالم يحبس انفاسه من أن المعركة بين الطرفين باتت وشيكة خاصة بعد أن أقدمت امريكا العديد من البوارج العسكرية الضخمة إلى المنطقة تحسبا لأي تصعيد ايراني عسكري محتمل، وكذلك قيام ايران باغراق بعض السفن التجارية عبر عملائها في المنطقة، وبالتالي ليس مستبعدا أن يخرج الأمور عن السيطرة في أية لحظة رغم تأكيد الطرفين على عدم الرغبة الدخول في حرب شاملة بينهما مع عدم استنفاد إمكانية المعالجة عبر الحوار والوسائل الدبلوماسية خاصة وأن دولا عدة أبدت رغبتها في التوسط بينهما مثل اليابان وسويسرا وقطر؛ لكن في المقابل لاتوجد في الأفق عن اي تراجع في الموقف الأمريكي واستمراره في خنق إيران اقتصاديا والتي تسبب حتى الآن بتدني مستوى التصدير في قطاع النفط بنسبة 75%وهذا يعني الانهيار الاقتصادي في إيران ومدى تأثير ذلك على الوضع الداخلي مباشرة لأن الاقتصاد الإيراني تعتمد مايعادل 70%على النفط،وهذا يعني حشرها في الزاوية الضيقة والحرجة ، إما الرضوخ للضغوطات الأمريكية والقبول بشروطها أو الذهاب إلى خلط الأوراق باغلاق مضيق هرمز امام الملاحة الدولية وفتح جبهات غير مباشرة مع أمريكا في عدة دول تمتد لها اذرعها مثل العراق سوريا وأفغانستان ولبنان وغزة وهذا يعني الدخول في حرب مع أمريكا وإشعال المنطقة برمتها.
من هنا نستطيع القول بأن إيران تمارس الآن سياسة اللعب على الحافة التي تجيدها باستمرار فهل تنجح هذه المرة من الخروج منها بماء الوجه أم تسقط في الهاوية هذا هو السؤال الكبير؟
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 263