الأزمة السورية ونفق الخيارات الصعبة
اسماعيل رشيد
يبدو أن الأزمة السورية تتجه نحو مسار يتحكم بها تقاطع مصالح دولية وإقليمية عبر تغيير قواعد اللعبة ريثما يتم الوصول لتفاهمات أولية بعد أن أرهقت الكثير من الدول، وأدواتها على الجغرافيا السورية بدون إحراز أي تقدم ملموس في ظل سياسة الاحتواء التي تتبعها واشنطن، يبدو أن سياسة إدارة الأزمة ستأخذ منحى مختلفاً عن سابقاتها بعد انتهاء الحرب على داعش (المواجهة المباشرة)، فبعد عدة محطات من جنيف الأممية (السلال الأربعة)، مروراً بدول أستانة (خفض التصعيد) وانتهاءاً بمخرجات سوتشي (تشكيل اللجنة الدستورية) والتي اصطدمت جميعها برفض النظام السوري لكل القرارات التي صدرت عن هذه المحطات الدولية و بدعم قوي من قبل حلفائه التقليديين (إيران – روسيا) بالإضافة إلى تردد المجتمع الدولي وعدم جديته لوضع حد لمعاناة الشعب السوري.
يبدو أن أمريكا لازالت تبحث عن حماية مصالح حليفتها إسرائيل من التهديدات الإيرانية وميليشياتها المتغلغلة في سوريا بالرغم من مهاجمة إسرائيل للمواقع الإيرانية بموافقة روسية، شريطة عدم التصادم مع القوات الروسية (تفاهم متفق عليه)، وعدم التجاوب الكافي للحليف الأطلسي (تركيا) بالرغم من التهديد والوعيد الأمريكي، فالحصار الأمريكي على إيران تصطدم بالخاصرة الرخوة (تركيا) والتي لم ترضخ للشروط الأمريكية (عقوبات على إيران.. إلغاء صفقة الصواريخ الروسية s400) وكذلك لم تتحرر العقدة مع روسيا (العدو التقليدي) والتي بدورها تملك مفاتيح عدة قادرة على عرقلة المصالح الأمريكية، ومن هنا تم تداول فكرة المنطقة الآمنة كخيار لخلط وترتيب الأوراق بالرغم من أن الدخول بتفاصيلها تحتاج إلى مفاوضات معقدة ومتشابكة وقرارات دولية (حظر الطيران.. طبيعة انتشار القوات.. إلخ ) وهو ما اعتبره الكثير من المراقبين بأنه إطالة الأمد للأزمة السورية والدخول بنفق المقايضات والتجاذبات بين اللاعبين المؤثرين، بالمقابل الروس يدركون جيداً بأن التصعيد الأمريكي الأخير مع إيران وحشد أكبر قدر من المؤيدين ستفقد من نفوذ روسيا كثيراً، لذا بدأ التصعيد العسكري بمنطقة إدلب وبدعم قوي من النظامين السوري والإيراني كنوع من عملية خلط الأوراق وإعادة حالة التوازن على الأرض كمقدمة لفرض الشروط فيما يتعلق بمناطق النفوذ واللجنة الدستورية.
في ظل اللوحة السياسية المعقدة، والأجواء المتشابكة في فضاءات اللاعبين المؤثرين في الأزمة السورية، والتصعيد الأمريكي – الإيراني المتنامي لرضوخ الأخيرة للشروط الأمريكية وخاصة فيما يتعلق بالاتفاق النووي، فإن معاناة السوريين ستستمر، وأفق الحل السياسي يتجه نحو المماطلة ريثما تتوافق مصالح الدول المؤثرة على الساحة السورية، وبالتالي فإن خيارات تنفيذ القرارات الأممية ومرجعياتها مرشحة للمزيد من التهميش والمماطلة.
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد “264”