سيريالية الاستهداف الوجودي للشعب الكردي في سوريا
وليد حاج عبدالقادر
مع دخول خرائط سايكس بيكو قيد التنفيذ ، وحصر الإنتداب في كل من دولتي بريطانيا وفرنسا ، وما تلاها من توافقات متتالية بدءا” من إلغاء إتفاقية سيفر ودخول لوزان مرحلة التطبيق العملي ، أضيف إليها فسحة من التعاطي الفردي بين الدولتين المنتدبتين مع تركيا ، أتاتورك الناشئة وسلسلة التسويات التي كانت أقرب إلى المفاوضات والتوافقات ، وبات الجزء الكردستاني الملحق بسوريا ، وبالتوافق مع ممارسات فرنسا واجراءاتها العملية التي تمت على الخارطة السورية المعروفة الآن من حيث تشكيل الدول المناطقية ذي البنية الطائفية – الفئوية وفي تخط ملحوظ كان في إلغاء الخاصية الكردية كتهادن ملحوظ لدولة تركيا مثلما فعلت بريطانيا في كردستان العراق ، وإن عملت سلطة الإنتداب في الخفاء وتواصلت مع قيادات مجتمعية كردية ، فكانت المذكرة الكردية الموجهة من زعماء كرد لسلطات الإنتداب ، هي من أوائل المذكرات التي حملت بعض من آمال وطروحات الشعب الكردي في هذا الجزء الذي الحق بسوريا ، وهنا لابد من التذكير ، بأن المخطط الفرنسي ومنذ بدايات وصول قواته إلى كردستان سوريا ، وبالضد من الإتفاقات التي كانت قد تمت حتى مع الدولة التركية المتشكلة ، فقد سعت وبكل جهودها ، وفي عملية مدروسة جغرافيا” وسياسيا” ، لابل والأهم منها اقتصاديا ، فقد سعت بكل جهودها في تنفيذ عملية فكفكة واضحة ليست في ظاهرة الحدود ( سرخت و بن خت ) بقدر ما سعى الى عزل البيئات المجتمعية الكردية وفصلها عن بعضها البعض تبعا لتلك الخطوط التي وضعت . فأوجدت بدائل جديدة لمراكز مدن اتبعت قرى – بن خت – إليها ( مثال – هريما بوتان ودشتا سروجي ، قامشلو ونسيبين .. الخ ) ، رافقتها عمليا ، السعي الممنهج حتى بإيجاد صيغ تبادلية مجتمعية دولانية ايضا ، أي وببساطة شديدة عاصمة محدثة وتوجيه رؤى الكورد صوب الجنوب ، ومن هنا ، لاحظنا كيف ابتعد الفرنسيون عن إعلان الدويلة الكردية على غرار الدويلة الدرزية منها والعلوية ، لابل وبالعكس سعت بكل جهودها إلى تشكيل ما سمي بدويلة ديرالزور في نية صريحة ومكشوفة ، كان الهدف منها تعويم كردستان سوريا في إطار أشمل يغيب فيه خاصية الأكثرية الكردية من جهة ، وتحدد ثانيا من امكانية ظهور ملامح الإستقلال الأشمل لكردستان الكبرى ، وعمليا ، اشتغلت دولتا الإنتداب على عملية فكفكة هذا المشروع الكردي الطموح والمستمر ، وعليه ، ومن دون الإسهاب المطول في هذا الجانب ، وبخاصية الشعب الكردي في سوريا ، والتي أوجدت لها فرص استفادت منها في مرحلة الإنتداب ، حيث أحيت، وطورت في بعض من خاصياتها القومية اجتماعيا وثقافيا ، لابل ، سعت أيضا للحفاظ على خصائصياتها الجغرافية وتسيدها في مناطقها ، التي ماخلت من مماحكات و – طوشات – عديدة . وبعد استقلال سوريا ومرحلة الحكومات المدنية والبرلمانية لعب الكرد دورا” مميزا” حتى مرحلة الإنقلابات العسكرية ونمو التيارات القومية – العروبية – التي أخذت تمنهج التاريخ والجغرافيا وفق معيار تعريبي فظ ، فبدا واضحا” تلك النزعات الثلاث التي تشابكت رغم صراعهم الوجودي بينيا وأعني به – القومي العربي والأخواني الديني والقومي السوري الأقاليمي – وإن كانت الغاية المتأصلة فيها ومن جديد عروبي وبلبوس نفي للآخرين جوهريا” من جهة ، والتلطف دعائيا في اسباغ مصطلح إنساني أقلوي مهاجر ، يتطلب التعامل بالحسنى معهم إنسانيا . وطبيعي خاصة بعد هيمنة التوجهات القومية وبنزعات الانقلابات العسكرية ، وجد من يخطط طرائق أخرى ، بعد فشل التعويم السياسي الكردي وتذويبه في محيطه العربي ، أسوة بما حدث في بعض المناطق الأخرى للعائلات والأسر الكردية ، فكانت المشاريع العنصرية الممنهجة من قبل العميد ميني ولتتطور وبعمق على يد محمد طلب هلال ، وإن كانت قد سبقتها بسنين خطوات مهدت لإستيطانات كبرى ، وبتصوري ، فأن كل هذه الممهدات ، كانت أشبه ببالونات اختبار لردة الفعل الكردي من جهة ، ومدى إمكانية تنفيذ مشاريع التعريب التي أخذت تتوضح آلية تطبيقها بالتوائم مع زيادة هيمنة التيارات العروبية والتي أصبحت مدعومة بقوة عسكرية وأجهزة أمن قمعية فتتالت المشاريع بدءا من مرحلة الوحدة مع مصر والتي شهدت اول استهداف منظم وموجه للتنظيم الكردستاني السوري ، في حملة اعتقالات منظمة شملت العديد من القيادات والكوادر والشخصيات الإعتبارية الكردية ، ومنذ ذلك الوقت ، وحتى تاريخه ، أصبح استهداف الوجود الكردي في مناطقه هدفا صريحا” وبخطط ومناهج متعددة ، ارتكزت في الأساس استهداف مصادر رزقه ومعيشته، وفي استنزاف صريح لجميع ثرواته، وبدفع جديد وممنهج له للتهجير من مناطقه ، وهو ما حدث بالفعل منذ اواسط الثمانينيات ومع بدايات الثورة السورية، هللنا للعودة الحميدة لغالبية الكرد سكنى بيوت الصفيح وأطراف المدن الكبرى ولنصطدم بممارسات سلطة الأمر الواقع التي ساهمت وبفظاعة في دفع الناس إلى خارج بقاعهم ، وهذه المرة الى خارج الحدود كنتيجة فعلية لممارسات عديدة جاءت مكملة للهدف الأساس وهو النفي التطبيقي لوجود شعب على ارضه التاريخية من جهة ، وتعويم ممنهج أقاليمي وبمصطلحات ايكولوجية تعظم الآخرين في خصائصياتهم على حساب التقزيم الكردي ، وبخلاصة مكثفة هنا : أن ما تم من حرق للمحاصيل الزراعية، لا تقل عما تم من عمليات استنزاف للمياه الجوفية بفوضوية في التسعينيات ، او جرف آبار النفط وشفطها استنزافا منذ الستينيات ، ناهيك عن ربط الاقتصاد فقط بالزراعة ووفق ما اسلفناه خاصة بعد تنفيذ مشاريعها الاستيلائية وتجريد الفلاحين الكرد من ملكياتهم ، وإهمال الجانب الصناعي منه والإنتاجي في تقصد واضح لتقليل فرص العمل من جهة ودفع الناس إلى الهجرة بأنواعها . وهنا وفي اختزال مكثف، يمكننا القول في الجانب السياسي وبخاصية مفهوم شمال وشرق الفرات فهي صورة طبق الأصل لمشروع الانتداب الفرنسي وإن خلطت بمعطيات معاصرة حاليا، وفي الجانب الاقتصادي استهدافا: فأن كل ممارسات سلطة الأمر الواقع حاليا” ، هي أيضا تصب منهجيا” في ذات الهدف الذي خطط له من قبل النظم المتعاقبة على سوريا.
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد “264”