الكُرد ومساهماتهم في إرساء قواعد ودعائم التحرر في المجتمعات الشرق أوسطية
هڤال عرناسي
الكُرد كانوا ومازالوا الرواد في مجال تحرّر الإنسان ككل وتحرّر المرأة بشكلٍ خاصٍ من نير الاستبداد والتخلف الذي حاول أن يسود بين الكُرد جميعاً وأثّر عليهم أيضاً لكن بجزء بسيط وبدون فعالية وهيهات هذا الشي أن يطفئ من جذوة الكُردي وأن ينال من إصراره و رؤيته الواضحة لجوانب الحياة كافة ففي العراق العربي انبرى الشاعران الكُرديان : جميل صدقي الزهاوي و معروف الرصافي لمسائل الحياة أجمع وخصوصاً تحرّر المرأة فكلنا يعلم بأنّ الزهاوي ولد لأبوين كُرديين بغداديين وقد تقلّد الكثير من المناصب التربوية وهو من أوائل مَنْ حمل لواء تحرّر المرأة على عاتقه ودعا إلى تحرّر المرأة العراقية أسوةً بمثيلاتها العالميات في وقت كانت المرأة العراقية تفتقر إلى أبسط مقومات العيش بحرية و سلام والغبن الذي كان يُحاط بها في مجتمع ذكوري عشائري بحت فقد كان يريدها أن تتحرّر من أي نوع من أنواع التحكم بذاتها ومصيرها والسيطرة عليها أسوةً بمثيلاتها الكُرديات القابعات في الجزء الآخر من العراق وهو عراق العجم وحيث أنه لم يعش بين ظهرانيه الكُرد كثيراً فالفطرة التي عاش عليها هي من تحاول إعادة الإنسان إلى طبيعة عيشه السوية و رؤيته لجوانب كثيرة إيجابية في أي مجتمع ونبذ السيئ منه وتجسّدت دعواه في تنظيم أبيات من الشعر حاول تسليط الضوء على جوانب عدة من هذا التخلف الفكري والجسدي حين أطلق صيحاته المدوية بتحرير المرأة من الحجاب آنذاك لأنه رأى بأنه ليس بحجاب على الرأس بل هو حجاب للعقل والجسد أيضآ فقال:
مزقي يا ابنـة العراق الحجابا …… واسفري فالحياة تبغي انقلابا
مزقيـه أو احرقيـه بلا ريثٍ …… فقد كــان حارســاً كذابا
زعموا أن في السفور سقوطاً …… في المهاوي وأن فيـه خرابا
كذبـوا فالسفور عنوان طهرٍ …… ليس يلقى معرّةً وارتيـابـا
* وكذلك في قصيدته المشهورة (إسفري يا بنت فهر) حيث جاء فيها:
اسفري فالحجاب يا بنت فهر —- هو داء في الاجتماع وخيم
كل شيء إلى التجدد ماض —- فلماذا يقر هذا القديم ؟
كما كتب أيضآ عن إحدى صور الاضطهاد المتمثلة بالمجتمع العراقي آنذاك وسلوكياته ضد المرأة وتعامله الغير اللائق مع رقة الأنثى وعذوبتها حين يقول :
ما أتعس الحسناء يملك أمرها الزوج العنيف
وهو وجد أيضآ أنّ للمجتمعات المتخلفة سبب واضح لاستمرار الظلم والقهر ضد النساء حينما يقول :
وددت من كل قلبي مختشع
لو عاد يوما على أعقابه الأزل
فأسال الله تقديرا يغير ما
قضاه قبلا فلا ظلم ولا دخل
و أحد أكثر مظاهر القهر ضد المرأة وهضم حقوقها والذي يتجسّد في سهولة الطلاق عند الرجل والأمر والنهي الذي بيده
حيث يقول :
وقد يطلقها في حانة ثملا
وليس تدري لماذا طلق الثمل
أما في الجانب الآخر وعلى جانب النيل فحاول أيضاً كُردي آخر تحرير المرأة القاضي والكاتب قاسم أمين الذي دعا أيضآ إلى تحرّر المرأة من أي ظلم حاق بها أو سوف يلحق بها وهو يعتبر من رواد تحرير المرأة و أحد مؤسسي جامعة القاهرة و من ابرز اعماله كتاب تحرير المرأة سنة 1899م الذي وضع فيه جميع أفكاره ومعتقداته التحررية
لإقامة المجتمع المصري الصالح وتخريج أجيالٍ صالحة من البنين والبنات، فعمل على تحرير المرأة المسلمة، وذاعت شهرته وتلقّى بالمقابل هجوماً كبيراً فاتهمه مهاجموه بالدعوة للانحلال.
كان منذ شبابه مهتماً بالإصلاح الاجتماعي فأصدر سنة1898 كتاب “أسباب ونتائج وأخلاق ومواعظ وتبعه بكتاب “تحرير المرأة” نشره عام 1899، بدعم كبير من الشيخ محمد عبده، سعد زغلول وأحمد لطفي السيد و الذي ترجمه الإنگليز -أثناء وجودهم في مصر – إلى الإنگليزية ونشروه في الهند والمستعمرات الإسلامية. الذي تحدّث فيه عن الحجاب حيث زعم فيه أنّ حجاب المرأة السائد ليس من الإسلام، وقال إنّ الدعوة إلى التحرر ليست خروجاً عن الدين. وتحدّث أيضاً عن تعدد الزوجات والطلاق، وقال إنّ العزلة بين المرأة والرجل لم تكن أساساً من أسس الشريعة، وإنّ لتعدد الزوجات والطلاق حدوداً يجب أن يتقيّد بها الرجل، ثم دعا لتحرير المرأة لتخرج للمجتمع وتلمّ بشؤون الحياة وتكون عنصراً مفيداً وقادراً على إدارة المجتمع. بهذا الكتاب زلزلت مصر وأثيرت ضجة وعاصفة من الاحتجاجات والنقد وردّ على قاسم في نفس السنة زعيم الحزب الوطني آنذاك مصطفى كامل حيث هاجمه وربط أفكاره بالاستعمار الإنگليزي، وردّ عليه أيضاً الاقتصادي المصري طلعت حرب بكتاب “فصل الخطاب في المرأة والحجاب” ومما قاله: “إنّ رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوروبا” ومحمد فريد وجدي بكتاب “المرأة المسلمة”، ولكن قاسم لم يتزعزع أمام النقاد فواصل يدرس الكتب والمقالات لمدة سنتين ويردّ عليهما بكتابه “المرأة الجديدة” عام 1901 الذي يتضمّن أفكار الكتاب الأول نفسها ويستدلّ على أقواله بأقوال الغربيين.
وخير مثال على ذلك ريادته في تحرّر المرأة أنه أصبح مثالاً يُحتذى به حينما يحاول المجتمع تعريف النساء بحقوقهم وتأسيس نواديهم وجمعياتهم التي نادت بتحرر المرأة من التعصب الديني والتخلف الأخلاقي ومن نصوصه في كتابه تحرير المرأة حول تربية المرأة و تعليمها ومدى قدرة التعليم والتربية في القضاء على آفات اجتماعية خطيرة يقول
كل هذه المذكورات يحتجن إلى التعليم ليمكنهنّ القيام بما يسدّ حاجتهن وحاجات أولادهنّ إنْ كان لهنّ أولاد أما تجردّهنّ من العلم فيتجهن إلى طلب الرزق بالوسائل المخالفة للآداب أو إلى التطفل على بعض العائلات الكريمة
وأعود هنا إلى ما سردت أيضآ بأنّ الموروثات الكُردية الجارية في دم كليهما ومدى تأثير المجتمع الكُردي بتحرير الإنسان ككل والمرأة خصوصاً الذي أفضى بأن يكونا مدافعين عن التحرّر ككلٍّ والمرأة خصوصاً وهنا لا بدّ أن نشير أيضآ إلى رائد التحرّر ككلٍّ الكُردي أيضآ عبدالرحمن الكواكبي الذي نادى بتحرّر الإنسان من الاستبداد والتخلف حيث ألّف كتاب طبائع الإستبداد ومصارع الاستعباد المكوّن من 140صفحة الذي نُشِر سنة 1899م
فيتحدّث في كتابه عن الاستبداد بشكلٍ عامٍ سواءً للرجل أو المرأة
الاستبداد يقلب الحقائق فى الأذهان، فيسوق الناس إلى اعتقاد أنّ طالب الحقِّ فاجر، وتارك حقه مُطيع، والمُشتكي المُتظلم مُفسِد، والنبيه المُدقق مُلحد، والخامل المسكين صالح، ويُصبح -كذلك- النُّصْح فضولاً، والغيرة عداوة، الشهامة عتوّاً، والحميّة حماقة، والرحمة مرضاً، كما يعتبر أنّ النفاق سياسة والتحايل كياسة والدناءة لُطْفاً والنذالة دماثة!
ومن هنا يتّضح أنّ رواد الفكر التحرري سواء التخلص من استبداد الحاكم للمجتمع كله أو التخلص من ظلم الرجل للمرأة وريادة الكُرد في هذا المجال وتأثيره على المجتمعات التي يعيشون فيها ويتّضح بانهم استمدّوا ذلك من الموروثات الكُردية والطابع الجبلي التحرري الذي يأبى الخنوع والخضوع لأي أحد.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن وجهة نظر كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي يكيتي ميديا