أحزاب الإسلام السياسي والقضيّة الكُرديّة
محمد زكي أوسي
لم يكن في يومٍ من الأيام للشعوب العربية وما زال رأي عام بخصوص القضية الكردية وحقوق الكرد القومية، ولم تهتم الجامعات والأوساط الثقافية العربية كثيراً بتاريخهم بل كان رأيها سلبياً دائماً يعكس مواقف الحكومات والأحزاب السياسية العربية.
أما أحزاب الإسلام السياسي العربية مثل حركة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر (آذار 1928)م. وحزب التحرير الإسلامي الذي تأسس في الأردن سنة (1952)م. فلم يرد أي ذكر للكرد وحقوقهم القومية, رغم كون هذين التنظيمين هما منبع الإسلام السياسي وقوته الضاربة ذات التأثير والوجود الواسع والفعال وتقول أنها جاءت لتطبيق مبادئ الإسلام وشرائعه في أرجاء العالم الإسلامي, وعندما فرضت الحركة التحررية الكردية وخاصة في العراق نفسها على الساحة السياسية وقف الإخوان وحزب التحرير ضد مطالبها و اتهموها بالانفصالية والجهالة, حتى أنهما وقفا ضد تمتع الكرد بالحكم الذاتي في العراق بموجب اتفاقية (11/آذار/1970)م. ولدى التمعن جيداً في المواقف نجد تطابقاً فيها بين هذين الحزبين والأحزاب القومية العربية بصورة شبه كاملة فيما يلي:
1- الكرد من أصل إيراني ولغتهم لهجة فارسية.
2- الكرد من أصل عربي نزحوا من شبه الجزيرة العربية.
3- جميع الانتفاضات والحركات والثورات الكردية حركات قبلية من صنع الاستعمار أو من عمل الشيوعية.
4- للكرد أطماع توسعية ويريدون الانفصال عن العراق وسورية ويعملون على اقتطاع جزءٍ من الأرض العربية وتأسيس (اسرائيل ثانية).
5- القيادة الكردية مسؤولة عما يجري في العراق.
6- إثارة مشاعر العرب من خلال الإيحاء بأن القضية الكردية ماهي إلا صراع عربي – كردي.
7- التقليل من شأن أعمال الباحثين الكرد وأصدقائهم ووصفها بغير الموضوعية.
8- اتهام القيادة الكردية بالجهل والسذاجة والعمالة لـ (بريطانيا – أمريكا – فرنسا – السوفييت واسرائيل).
9- كثير منهم يجعل من نفسه وصياً على الكرد وناصحاً لهم بدعوتهم إلى التمسك بالإسلام والأخوة مع العرب.
مواقف وشواهد: أولاً: فهمي الهويدي: العالم والمفكر الإسلامي وقف من خلال عمله رئيساً لتحرير مجلة العربي الكويتية ضد التطلعات القومية الكردية, إذ كان يُعدّ كل مقال يرد المجلة عن الكرد وآدابهم وأعلامهم كتابات غير موضوعية ولا مفيدة, وفي هذا تجاوز لخط المجلة العام, وجدير ذكره أن هويدي تعاطف مع الكرد إثر غزو صدام للكويت ولكنه ما لبث أن عاد إلى موقفه المشين بعد سقوط نظام صدام عام (2003)م.
2- الشيخ محمد نمر الخطيب: عالم الدين الفلسطيني الذي لم يكن ينفك عن تلقين طلابه في كلية الشريعة (جامعة بغداد) ومن أقواله: (إن العربي الطالح خير من الكردي الصالح) وقد أهداه صدام سيارة سوبر ثمناً لذلك.
3- مأمون الهضيبي: مرشد عام الإخوان المسلمين في مصر صرح بعد طرد الجيش العراقي المحتل للكويت (1991)م, وانتفاضة كردستان على نظام البعث (آذار 1991)م, قائلاً: (إن الكرد عنصريون وخارجون عن الإسلام لأنهم يعملون على إضعاف نظام بغداد).
4- خالد محمد حمد: الكاتب والباحث في الشؤون العربية والإسلامية, صاحب كتاب (تكثير الأقلية وتقليل الأكثرية في الوطن العربي, المشكلة الكردية والأمازيغية نموذجاً). الصادر في دمشق عام (2012)م, طرح الكاتب في كتابه هذا السيء السمعة والصيت كل ما ينافي التفكير العلمي المنظم وفاق فيه أساطير العنصرية وحتى الآبارتيد, فهو يشدد على أن أصل الكرد عربي, إذ لا يوجد أصل كردي فهم عرب الجبال وأن أربيل عاصمة كردستان معناها بالعربية (عرى الله) (آرابئيل) وأن 60% وأكثر من سكان ما يسمى اقليم كردستان عرب ومن ضمنهم الرئيسان (مسعود البارزاني) والمرحوم (جلال الطالباني) أما اللغة الكردية فهي مجرد لهجة عربية.
5- بطانة عبد السلام عارف من رجال الدين في العراق: يُعد الرئيس العراقي هذا أول من استنجد برجال الدين ضد الكرد ودعا إلى مؤتمر إسلامي, (مؤتمر علماء المسلمين) في 20/6/1965م. حيث دعا إليه شيخ الأزهر والشيخ القلقيلي مفتي الأردن وآخرين ليشن بواسطهم حملة دعائية دينية ضد الكرد على بغاة, كفرة, يجوز قتلهم, واستجاب عدد كبير لهذه الدعوة ومنهم الشيخ (القلقيلي) الذي أدان ما سماه التمرّد الكردي على الحكومة, كما أفتى المرجع الديني الشيعي (علي كاشف الغطاء) ضد ما أسماه الفتنة الانفصالية في الشمال قائلاً: (والله انها الفتنة التي تنشق بها عصا المسلمين وتراق بها دماء المؤمنين ويطاع بها الشيطان, فليتقِ الله من أسعر نارها وشث لظاظها) وفي ركابه سار مفتي العراق وقتها الشيخ نجم الواعظ الذي لم يترك صفة سيئة إلا وألحقها بالكرد وقائد ثورتهم البارزاني الخالد, أما المرجع الشيعي الأعلى المرحوم محسن الحكيم ومثله المرجع الديني محمد الحسيني الشيرازي فقد رفضا تلبية دعوة وطلبه باعتبار الحرب ضد الكرد مشروعاً دينياً مقدساً, هذا مع الأسف غيض من فيض, والموقف يقتضي التنويه بذكر انعقاد مؤتمر منظمة المؤتمر الإسلامي والقمة الإسلامية في الكويت (1988)م. في ظل سكوت مطبق بينما حلبجة الشهيدة تقصف بأسلحة الدمار الشامل.
المقالة منشورة في جريدة “يكيتي” العدد 265