إعادة تموضع أميركا في الهلال الخصيب
Yekiti Media
وليد فارس
بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قراره بسحب القوات الأميركية من سوريا، تسابقت الحلقات المهتمة بالشؤون الدفاعية والأمن القومي في واشنطن على مقاربة هذا الانسحاب الكبير والفجوة التي سيسبّبها، خصوصاً أنه جاء من مناطق جغرافية مهمة على الحدود التركية السورية الشمالية، وطول وعرض الشمال الشرقي، وأوحى بالتخلي عن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، متزامناً مع التصريحات التي انتقدت الأكراد.
أوساط المحللين ارتكزت أيضاً على إمكانية انسحاب الأميركيين من قاعدة التنف في الجنوب، والتحاقهم بقواعدهم في العراق، وما رفع منسوب التكهنات، كان طلب القيادة المركزية من البنتاغون، عدم نشر أي جندي في العراق بما في ذلك كردستان.
وفي هذه الأجواء التي دلّلت على أجواء من انهيار الدور الأميركي في المنطقة، تركّزت الأنظار على احتمال انتشار الجيشين التركي والسوري لتسلم المناطق الكردية.
وكنت قد كتبتُ أن انسحاباً بهذا الشكل، سيسحب ورقة مواجهة الانتشار الإيراني، ويضع ضغطاً على القوة الأميركية في العراق، وربما يؤدي ذلك إلى انسحابها، الامر الذي من شأنه أن ينتج جغرافيا جديدة في سوريا والعراق ولبنان، ويوجه الضغط إلى منطقة الحدود السعودية ومنها إلى الخليج. وكان لي حديث مع أعضاء في الكونغرس وجنرالات عسكريين حول خطتين، الأولى “أ”، تتضمن استمرار الدور الأميركي مع “قسد” حتى الحدود، والخطة “ب” التي تقر بانسحاب القوات الأميركية من كل الأراضي السورية والانكفاء نحو العراق.
لكنّ الضغوطات التي حصلت والمراجعات في البيت الأبيض لإعادة تقييم قرار الانسحاب، أدت إلى مراجعة الخطة “ب” ونتج منها خطة جديدة تقرُّ بضرورة بقاء قوة أميركية في سوريا، ما يعني إعادة التموضع بشكل يكون أقوى من السابق.
الخطة الجديدة أو الخطة (د) تشير إلى انسحاب الوحدات الأميركية المنتشرة على طول الحدود التركية والقبول بمنطقة أمنية تسيّر فيها روسيا والنظام دوريات شكلية لمنع تقدم الأتراك، وترتكز الخطة على انسحاب “قسد” بعمق 30 كيلومتراً، تاركةً وراءها منطقة أمنية قد تشهد في المستقبل انتشاراً دولياً وعلى الأرجح أوروبياً.
وتبقى أهمية الخطة “د”، في بقاء المجتمع الكردي في مناطقه، وعودة المهجرين إلى بلداتهم، وترضى القيادة الكردية بشخص الجنرال مظلوم عبادي بهذه الخطة التي تتضمن وجود منطقة تحضن الكرد والعرب والسريان الأشوريين، مفصولة عن تركيا.
قوات “قسد” التي كانت على شفير الانهيار، قدم لها ترمب دوراً استراتيجياً لم تعهده من قبل، فعوضاً عن الانتشار على الحدود مع تركيا كما كانت حالها سابقاً، أصبحت لديها مهمة أخرى قد تكون أكثر حسماً لأميركا، وذلك عبر الطلب منها الانتشار حول حقول النفط على الحدود العراقية. وبحسب المعلومات، فإنّ ترمب وعد الجنرال مظلوم عبادي وقيادته بتخصيص جزء لا بأس به من ريع النفط لتمويل إدارة كردستان سوريا، وتمكينها من الحصول على أسلحة متطورة وتغيير مهامها من حرس حدود إلى قوة منظمة، تتحول إلى حليف استراتيجي للأميركيين وهدفها التصدي لفلول داعش، ومنع الميليشيات الإيرانية من التقدم.
وخلال كلمته بمناسبة مقتل زعيم داعش، أبو بكر البغدادي، تحدث ترمب عن نقطتين مهمتين، الأولى أن القوات الكردية تحظى بدعم غير محدود وبإمكانها السيطرة على الحدود الشمالية الشرقية، وتشكل رأس حربة بمواجهة إيران في المنطقة، ولمح إلى تسليح بعض القوى العربية، ما يعيد إحياء الجدار وقطع الطريق السريعة الإيرانية التي تربط إيران ببيروت.
والنقطة الثانية التي ركز عليها ترمب، تمثلت في حديثه عن إقامة قاعدتين جويتين، الأولى في أربيل بكردستان العراق، إضافةً إلى قاعدة جوية برية في شرق سوريا تكون قيادتها مشتركة بين أميركا والأكراد، وهذا يعني أن إعادة التموضع، وعلى الرغم من انسحاب القوات من مساحات شاسعة، إلاّ أنّه انتهى بإقامة مناطق قوى في شرق سوريا وغرب العراق، يكون فيها دور أميركا محمياً بمساحات كردية واسعة.
إذاً، الخطة “د” انقلبت إلى خطة أفضل من الخطة “أ”، فالأخيرة لم يكن لها دعم شعبي أميركي. أما الجديدة، فهي تتمحور حول الاحتفاظ بالنفط ودعم الأكراد ومواجهة النفوذ الإيراني، وبموازاة ذلك، فإن إقامة هذه المنطقة العسكرية، سيبعث برسالة إلى التحالف العربي مفادها بأن هناك قدرة ردع أميركية بين بادية الشام والأنبار، ما يعني حماية ظهير السعودية ومنع تقدم إيران باتجاه الخليج.
ولا ندري إذا كانت القيادة العسكرية الأميركية تعمل بشكل سريع يسمح بأن تبصر هذه المخططات النور في أقرب فرصة، ولكننا رأينا أن ترمب إذا قرر البناء على أمر ما، يعمل بسرعة لاستباق ردود أفعال الخصوم.