من متطلبات المرحلة
نزار موسى
لا شك فإن أي مشروع مهما كان نوعه يتطلب كأحد عوامل إنجاحه والرقي به قوى بشرية فعالة وكفؤة مع توفر بعض الظروف الموضوعية المنوطة بالمشروع نفسه، يقينا وكما كل منا وعلى الصعيد الشخصي يمتلك دائرة مقربين يرجع لهم عند حاجته لهم من النصح وتقويم المسار، فينطبق الأمر نفسه على أي تجمع وليد بمختلف أنماطه وتوجهاته، فالمراجعة والمشورة وخاصة من عين خارج حدود أي شخص أو مؤسسة ليست وليدة اليوم والبارحة، وإنما تضفي نوعا من الآراء من خارج إطار الحلقات الضيقة لتغنيها وتضيف لها ما هو ضروري لاكتمالها.
بعيدا عن جدلية أفضلية المبادرة وعلى من تقع الأحقية في الدعوة لإنشاء مراكز دراسات استشارية تخصصية في ظروفنا الصعبة الحالية، فما نراه اليوم من مناكفات تواصلية على سبيل المثال عن تحميل الجانب السياسي في مجتمعاتنا المسؤولية الكاملة عن أي فشل أو حتى إحراز تقدم ولو في مجالها السياسي قد لا ترقى لمستوى الطموحات في أن نكون ذوي رؤية موضوعية في هذا الأمر، لابل حتى مراجعة نقدية لهيكلية التواصل في هذا الخصوص تتمتع ببنيان، لبنتها حلقة مفقودة في واقع الأمر، وهكذا الأمر في مجالاتنا الحياتية الأخرى من اجتماعية وثقافية و غيرها.. فما نراه أحيانا من تهرب عن تحمل جزء من المسؤولية من عدم إحراز أي تطور ملحوظ في قضايانا كالسياسية مثلا من قبل البعض منا، قد نشخصه كقضية في هذه المراكز ونبحث عن أسبابها كونها تستحق أن تكون مادة نقاش ونتطلع إلى الحلقة المفقودة في هذا الأمر، ويكون دافعا لنا جميعا أن نساهم بإيجابية في ذلك.
من جانب آخر وبما أن الظروف قابلة للصنع عند المجتمعات التي تدمن حب الاطلاع والتعرف وليس العكس، فإن العناصر المكونة المفترضة لهذه المراكز التخصصية المذكورة ينبغي تمتعهم قولا واحدا عدا عن الكفاءة في تخصصاتهم أفقا تقبليا للآخر من العناصر العملية في مجالاتها فبالتالي يترفعون عن جدلية المبادرة و القيام بوضع اللبنة الأولى في تأسيس مشاريعهم الاستشارية كمراكز دراسات تجد من نفسها موطئ قدم في فضاء مجتمعاتنا المدنية المكسوة بطابع مدني , وتضع على عاتقها مهمة تجميع البيانات في المجالات المختلفة وتحليلها والخروج بنشرات على هيئة توصيات تحمل في جوانبها رؤى موضوعية تدرس احتمالات أي شأن عام وتنبئ وفقا للمعطيات، لتعمل القوى العاملة في أي مجال على اختيار الأفضل منها وفق رؤيتها وإمكاناتها والعمل على توفير الأجواء المناسبة لإظهار ظروف قد تكون في صالحنا العام.
وحتى نعطي للموضوع قيمته فيجب ذكر بأن هكذا أفكار ليس بالضرورة أن تتطلب ماديات لإنجازها وخاصة في خضم عصر الحداثة وتقانة المعلومات، فقد يقتصر إمكانية إنشاؤها عينيات بسيطة مترافقة بعقول نيرة تواقة للقراءة وتبادل الأفكار، وتهتم بالرأي العام وشؤونه ولديها الاستعداد لتقديم بعض الشيء من وقتها وموقعا إلكترونيا! فبهذه المعطيات قد نرى هذا الوليد مع بعض الوقت يكبر ككرة ثلج متدحرجة تكبر لابل تزداد وتيرة رقيها مع تدحرجها، فالكرة المذكورة وذو القيمة وخلال تواجدها في أي ملعب ستكون بلا شك غاية لكل لاعب بأن يحظى بها لتحقيق الأهداف المرجوة تباعا.
بالعودة مرة أخرى لأهمية الجانب المدني في المجتمعات فيعتقد بأن تحرص أي فكرة أو فكر جماعي أو حتى فردي على أن ترى من نفسها رقيبا على عمل التنظيمات والإدارات المرحلية، وقد تصل في يوما ما إلى المستوى الذي يؤهلها بأن تصبح بفاعليتها التحليلية ضاغطا قويا في تقويم العشوائيات الحالية، وهذا هو المنشود لنصل لحالة تكامل في مجتمعاتنا التي تفتقدها تماما كما ملاحظ، فكما هو معلوم وبالتعمق قليلا في واقعنا الكردي وفي ظل الثورة الرقمية الحالية حري بنا في هذا المجتمع بأن نكرر على مسامع بعضنا عبارة قرأت في الكتاب الفلاني وليس سمعت بأن وعند استثمار ذلك في حواراتنا متبعين ثقافة الحوار المبنية على بدائياتها التي تفتقدها الكثير من مجالسنا، عندها قد تتحول هذه المجالس نفسها لشكل تمهيدي من أشكال هذه المؤسسات الاستشارية المذكورة وقد تصبح مع الوقت عند ديمومتها مجالس نتعلم منها الكثير وأرضية تحليل للرؤى المختلفة المتوفرة على طاولة الحوار التي قد نراها في كل مكان وزمان قادم.
ليس من باب السطحية في تناول هكذا موضوع مهم، ولكن الحاجة الملحة لهكذا مؤسسات لا تمنعنا من تناولها بأي طريقة كانت تحقق لنا تحقيقها، وطرحها كأحد المتطلبات الهامة في هذه المرحلة وخاصة عند بحثنا عن متطلبات قد كان عدم تواجدها الفعال في الساحة سببا في عدم تطورنا ناهيك بالتالي حث ممن لديهم الكفاءة وتذكيرهم بأنه وبالمبادرة وحدها تتحقق المطاليب، لابل المستحيل ودونها يبقى كلام تتبادلها الألسنة!
المقال منشور في جريدة “يكيتي” العدد 267