أخبار - كُردستانشريط آخر الأخبار

مسعود بارزاني: أميركا خذلتنا وإسرائيل واقع لا يمكن رميه في البحر

Yekiti Media

يعيش الأكراد على الأمل، وحب الحياة. ويعتبر اليأس لديهم مثلبة. صورة المرأة التي تحمل البندقية للدفاع عن حدود الإقليم في وجه “داعش” وفصائل “الحشد الشعبي” لا تعني أن البنادق وحدها لغة التفاهم، بل زرع الورود أيضاً. في حديقة سامي عبد الرحمن وسط عاصمة إقليم كردستان أربيل، يستقبلك عسكري بزي الجيش، مهمته تنتهي عند باب الحديقة، يحفظ الأمن ويمنع كل ما يثير الاشتباه. لكن قبل عام 1991، كانت الحديقة معسكر اعتقال واسعاً لصدام حسين، يعتقل الأكراد فيه ويعذبهم، يقتل من يقتل منهم ويدفنهم فيها. تجولت في الحديقة التي تتضمن تماثيل عدة، أحدها لشاعر العراق الكبير محمد مهدي الجواهري، الذي تذكره أهل أربيل بنصب تذكاري يليق به، وأمامه أبيات من قصيدته التي كتبها عام 1962 عنهم، ومنها أبيات يقول فيها: “قلبي لكردستان يهدى والفمُ … ولقد يجود بأصغريه المُعدمُ”، وينتهي فيها شاعر العراق بمدح البارزانيين وينادي الكرد بـ “يا ابن الشمال” نسبة لموقعها الجغرافي من خريطة بلده.

يقول أحد الصحافيين الأكراد عن الحديقة التي تنبت الورد بعد أن كانت مقبرة ومعتقلاً للتعذيب على يد جنود صدام حسين، “لا أريد أن أبالغ إن قلت لك إن الجثث قد تكون في كل مكان، لكننا قررنا تحويل معسكر الاعتقال الكئيب إلى حديقة للحياة”.
الأمن والهدوء، يدفعانك للاعتقاد أن أربيل تبعد عن الاضطراب في بغداد آلاف الأميال لا مئات الكيلومترات، على الرغم من حادثة اغتيال نائب القنصل التركي في أحد مطاعم أربيل في يوليو (تموز) 2019، والحواجز الخرسانية المرتفعة التي تحيط بفنادق المدينة كذلك، والقذائف التي سقطت وأرسلها الإيرانيون على القاعدة العسكرية استفزازاً للولايات المتحدة.

الطريق إلى “سر بلند”

في الطريق إلى مصيف صلاح الدين، حيث مقر إقامة الزعيم الكردي ورئيس الإقليم السابق مسعود بارزاني، تشق الجبال تلو الجبال، حتى تصل إلى “سر بلند”، وهي كلمة كردية تعني الرأس الشامخ، وهو اسم المرتفع الذي يقع عليه مقر إقامة زعيم الأكراد.

قبل الوصول، كان صحافيون يتحدثون عن دقة مواعيده، وهو ما حدث. في العاشرة صباحاً من دون تأخير ولا حتى لثوانٍ التقيت بمقاتل البيشمركة، الذي استقبلنا عند باب مكتبه لإجراء أول حوار منذ تخليه عن السلطة في كردستان.
سألته مباشرة: ماذا تفعل الآن بعد انتهاء فترة الرئاسة ورفضك التمديد؟ ما جدولك اليومي؟ ماذا يفعل مسعود البارزاني؟ فابتسم وأجاب: “كنت ولا أزال وسأظل بيشمركة”.

حلم الاستقلال بالنسبة للرئيس مسعود جاء منذ نشأته وسط دولة لم تستمر أكثر من 11 شهراً على الأراضي الإيرانية وهي جمهورية مهاباد، ويقول: “نعم هذا صحيح، هناك كتاب ألفه دبلوماسي أميركي وهو ويليام إيغلتن بعنوان جمهورية مهاباد، وهو في الحقيقة لم يكن كذلك، بل كان جمهورية كردستان، لكن خارجية بلاده فرضت عليه تغيير الاسم إلى جمهورية مهاباد. الاستقلال حق طبيعي للأمة الكردية شأنها شأن أي دولة ثانية، وأنا أحياناً أستغرب أن ينكر على الكرد هذا الحق، هو حق طبيعي وكل كردي يتمنى أن يرى هذا اليوم”.

الاستفتاء والاستقلال وخذلان واشنطن

انتهى التصويت على الاستفتاء، وأيدته الغالبية الساحقة من الأكراد. بارزاني يعتبر ذلك انتصاراً كبيراً جداً ويقول: “الاستفتاء حصل و93 في المئة من الشعب الكردي صوت بـ “نعم”، وكان هذا الانتصار الكبير. هذه حقيقة وقد شكلت لي شخصياً مفاجأة، إذ لم أكن أتوقع أن تصوت هذه النسبة الكبيرة من الكرد بـ “نعم” على الاستفتاء. تم وضع الحجر الأساس وسوف تحدد الظروف المرحلة المقبلة، إما هذا الجيل وإما مع الأجيال القادمة، ولكننا لن نكرر الاستفتاء”.
وسألته: ماذا عن الاستقلال؟ فقال: “لم يكن الهدف من الاستفتاء إعلان الاستقلال مباشرة، لكن كان الهدف أن تتاح لشعب كردستان ولو لمرة واحدة في التاريخ أن يعبر عن رأيه، لأن كثيرين كانوا يشككون في نوايا الشعب الكردي وفي موقف الأكثرية الساحقة. طبعاً الاستفتاء هو الخطوة الأساس والحجر الأساس بالنسبة للاستقلال”.

وكشف بارزاني في حديثه بشكل شفاف، أن الولايات المتحدة خذلت القومية الكردية بشكل عجيب حين قالت قبل الاستفتاء إنها ستقف موقف المحايد، ثم انحازت للسلطة الاتحادية في بغداد بشكل واضح حين اقترب الاستفتاء وأصبح واقعاً. ويضيف مفصلاً: “سأجيب بكل أمانة وصدق، لم يعِدنا الأميركيون أبداً بأنهم يؤيدون استقلال كردستان، وعندما طرحنا موضوع الاستفتاء في البداية لم يعترضوا وقالوا نحن سنتخذ موقفاً محايداً، ولكن عندما صار الاستفتاء انحازوا عملياً للنظام في بغداد ولم يكن موقفهم محايداً بعكس ما توقعنا. لم نكن نتوقع هذا الموقف من أميركا أبداً. أخلفوا وعدهم باتخاذ موقف محايد على الرغم من أننا شرحنا لهم أن الاستفتاء ليس لإعلان الاستقلال مباشرة، ولكننا سندخل من خلاله في مفاوضات مع بغداد بإشرافكم وبإشراف الأمم المتحدة، نعطيه الوقت اللازم، ولكنهم حقيقة استغلوا الفرصة بغداد وغيرها وأرادوا أن يقوموا بنفير عام ولكن الحمدلله أنهم فشلوا”.

وعن موقف دول الخليج من الاستفتاء يقول: “أنا ممتن جداً من موقف الدول العربية بصورة عامة ودول الخليج بشكل خاص، موقفهم كان أشرف بكثير من مواقف دول كنا نتوقع أن تكون إيجابية أو محايدة. موقف دول الخليج كان إنسانياً ومعقولاً ومتوازناً”.

نصيحتنا لبغداد

وسط اضطرابات المدن العراقية، الهدوء يسكن أربيل. ويتباهى الأكراد بالمشاريع المستمرة، ويتحدثون بألم عن هجومي “داعش” و”الحشد الشعبي”، الأول في 2014 والثاني حين اجتاحت فصائل الحشد بقيادة إيرانية كركوك في2017. سألت بارزاني عن سبب تفرد إقليمه بالهدوء والأمن وقال: “نحن عرضنا على بغداد أن تكون تجربة الإقليم تحت تصرفها لتستفيد منها في بقية مناطق العراق. أهم شيء قمنا به وساعدنا على تحقيق كل هذه الإنجازات كان المصالحة الداخلية في كردستان، ولو طبّق ذلك في بقية مناطق العراق كانت ستكون كلها مثل كردستان، ولكن بغداد رفضت الاستماع. التحدي الأكبر الذي يواجه الإقليم قبل الاستفتاء وبعده وحتى اليوم هو الإرهاب، وهناك تحديات أخرى كالفوضى الموجودة في المنطقة العربية والشرق الأوسط والخلل في توازن القوى والتدخلات المستمرة والوضع الاقتصادي، كلها تحديات كبيرة لكنها لا تعقينا”.

ومن تجربة إقليمه الذي يريد لبغداد أن تستفيد منها سألته عن خوفهم من الإرهاب، لكنه كان واثقاً هادئاً وهو يقول: “الحمدلله شعب كردستان تعاون بشكل كبير مع قوات البيشمركة وفشل الإرهاب بتأسيس أي قاعدة أو خلية إرهابية واحدة داخل الإقليم، المحاولات جميعها كانت عبارة عن تسلل، وفي عام 2014 كانت حرب علنية على جبهة طولها 1050 كلم بعد دخول داعش إلى العراق”.

سألته مرة أخرى: لماذا فشل “داعش” و”الحشد الشعبي” باختراق النسيج الكردي؟ فقال: “المقاومة البطولية التي قامت بها قوات البيشمركة منعت داعش والحشد من ذلك، وثبت لنا أنك إن لم تكن تمتلك القوة لن يدافع عنك أحد بل أنت عليك أن تدافع عن نفسك. لولا البيشمركة لاختلف الوضع الآن”.

الإقليم والحرب على “داعش” ولغز الهجوم

يبقى تنظيم “داعش” الإرهابي أحد الألغاز المستعصية على الحل، فهجومه على مناطق من دون أخرى، ومهاجمة دول من دون أخرى، يعطي انطباعاً عاماً وسريعاً أن هناك دولاً تحركه وتستفيد منه. وبما أن قوات البيشمركة في إقليم كردستان أسرت وقتلت المئات من المنتمين لهذا التنظيم، سألت بارزاني هل توصلوا إلى حل للغز؟ فقال: “في بعض المناطق كانت تُترك جثث، ومن أشكالها كان من الواضح انتماؤها لجنسيات مختلفة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب ومن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. هو سر نبحث عنه، بالتأكيد هناك دول ساعدت “داعش” ولكن ليست لدينا أدلة قاطعة على هويتها، لكن أكثر من دولة تسهل وتساعد وتتحكم بداعش. وتوجيهه نحو الإقليم لم يكن عبثاً بل بمخطط وبأوامر وبتوجيه”.

قبل أن يكمل حديثه عن الحرب على “داعش”، انتقلنا قليلاً للكلام عن التباين بين أربيل والسليمانية، بارزاني يراه تبايناً صحياً وحالة ديمقراطية، ويقر بأن هناك اختلافاً، لكن هناك رؤية واحدة في المسائل الاستراتيجية وبرلمان واحد وحكومة واحدة. ويكمل بقوله: “هناك انقسامات ولكن ليس على المسائل الاستراتيجية. ممكن على النفوذ والتنافس الحزبي وغيرها من الأمور الطبيعية”. لكن هل يؤثر هذا في مكافحة الفساد؟ يقول الزعيم الكردي: “طبعاً الفساد مستشرٍ في الإقليم كغيره من الدول، ولكن في الفترة الأخيرة تم إقرار قانون الإصلاحات المالية والاقتصادية في البرلمان، وهذا خريطة طريق لاستئصال الفساد في كردستان. الحكومة بدأت بالتنفيذ وحتى قبل إقرار القانون كانت قد اتخذت خطوات جدية في هذا المجال. ونحن متفائلون جداً تجاه هذا الأمر”.

المرأة الكردية على جبهات القتال

خلال السنوات الماضية من 2014 وحتى هذه اللحظة، وبخاصة عام 2017، عندما اشتدت المعارك ضد داعش والحشد الشعبي، عند محاولة دخول الإقليم ظهر أمر جديد بالنسبة للعالم العربي تحديداً ليس تاريخياً ولكنه ظهر كثيراً في الصور وهو قوة المرأة الكردية حاملة السلاح في الحرب لحماية الأرض. لو تحدث الرئيس مسعود بارزاني عن دور المرأة وقوتها في هذا المجال كيف سيصف ذلك؟ يقول مسعود بارزاني: “حقيقة دور المرأة في الحركة التحريرية الكردية دور مشرّف، ليس فقط من الآن بل منذ زمن وبخاصة في ثورة سبتمبر (أيلول). – التي كانت أكبر وأطول ثورة لشعب كردستان بقيادة مصطفى بارزاني انطلقت شرارتها في 11 سبتمبر عام 1961 وعمّت أرجاء الإقليم وشارك فيها جميع المكونات القومية والدينية – المرأة الكردية كانت تقوم بدور الأم والأب والمعلم للأطفال حتى أنها قامت بدور الفلاح. تربي أولادها تعلمهم وترعاهم كأم وكأب وفي الوقت نفسه توفر جزءاً من المؤونة للجبهة بجهودها. ولولا المرأة ودورها لما استطاع الكثير من الرجال الاستمرار بالنضال والقتال. وتطورت الأمور وتطور المجتمع ولعبت المرأة الكردية دوراً مشرفاً في الحرب مع داعش وخاضت معارك ضدهم وانتصرت”. قاطعته قليلاً وقلت: ومن أين استمدت المرأة هذه القوة؟ فقال: “شعرت المرأة الكردية أن المسألة بالنسبة لنا معركة حياة أو موت، ولو لم تكن جميع شرائح المجتمع وبخاصة البيشمركة بهذه المقاومة البطولية، ولو تمكّن داعش من السيطرة على المنطقة لكنا أمام خطر جدي بالانقراض”.

العلاقة مع بغداد منذ 2003

في حوار مع رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية غسان شربل، قال بارزاني بشكل صريح إن رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي ارتكب بحق أطفال ونساء كردستان جريمة توازي بل تتجاوز جريمة الأنفال التي ارتكبها صدام حسين – وهي مجزرة نفذها نظام صدام حسين عام 1988 بحق الأكراد، استخدمت فيها أسلحة كيميائية، وأجبر خلالها الأكراد على النزول إلى الحفر وتم دفنهم وهم أحياء. وسقط فيها حوالي 180 ألف قتيل – وذلك حين قطع المالكي الموازنة عن الإقليم ومنع عنهم الغذاء والمال. هذه المرة لم يفضل بارزاني تسمية أحد بعينه، لكنه استغرب مراراً وتكراراً تعامل حكومة بغداد مع إقليمه. ويقول: “نحن ساهمنا بشكل فعّال لملء الفراغ الذي كان سيحصل بعد سقوط نظام صدام حسين، وذهبنا إلى بغداد وساهمنا في صياغة الدستور وفي إعادة تشكيل مؤسسات الدولة، ولكن للأسف لم يتم الالتزام بالدستور وتدهورت العلاقات. الآن أستطيع أن أقول إنها أفضل من الفترة السابقة، ولكنها ليست بالمستوى المطلوب، سنعمل على تجاوز العقبة”. ثم سألته مرة أخرى عن المسؤول عن تدمير حلم الدولة العراقية الجديدة بعد سقوط صدام؟ فقال: “من الصعب تحديد شخص أو جهة معينة، كل واحد يتحمل مسؤولية بقدر موقعه ومسؤوليته، ولكن على العموم لاحظنا أنه ليس هناك توجه لبناء دولة المؤسسات. انفلتت الأمور والجميع مسؤول”.

ماذا عن كركوك؟

سألت مسعود بارزاني عن كركوك، فقد قام صدام بتهجير أهلها واستبدالهم بسكان محافظات وقرى، وبعد أن كانت نسبة الأكراد فيها تتجاوز 76 في المئة تراجعت إلى 40 في المئة، ثم هجم الحشد الشعبي عليها بقواته وبقيادة إيرانية ولا يزال يسيطر على جزء منها.
يقول بارزاني عن المدينة التي لم تسلم من الهجوم الشرس طوال السنين: “رأينا كان دائماً أن كركوك يجب أن تكون نموذجاً للتعايش القومي والديني والمذهبي وهو رأينا اليوم. طبعاً كان هناك اتفاق على حل قضية كركوك وبقية المناطق التي هي خارج إدارة الإقليم، أو ما يسمى بالمتنازع عليها، منها كركوك، خناقين، سنجار وغيرها. بحسب المادة 140 يحصل تطبيع، إحصاء واستفتاء، سكان هذه المناطق هم يقررون إن كانوا يريدون العيش مع الحكومة الاتحادية أو مع الإقليم. وكنا وسنبقى ملتزمين برأي سكان هذه المناطق، وأيضاً الآن يبقى هذا هو الحل الأمثل. أما كركوك فهي الآن تحت الاحتلال العسكري يتحكم بها الحشد الشعبي، وهناك اضطهاد للكرد، وهذا طبعاً لا يمكن أن يستمر ولا يمكن القبول به إلى ما لا نهاية”. ويتهم بارزاني جهة داخلية من الكرد بخيانة أبناء قوميتهم وبأنهم كانوا سبب دخول “الحشد الشعبي” إلى كركوك، ووصفهم بأنهم “أذلاء للحشد”.

من أمر “الحشد الشعبي” بالهجوم واجتياح كركوك؟

يبدو الزعيم مسعود بارزاني في حديثه مستاء كثيراً من الخذلان الأميركي، ويستغرب كيف صمتت واشنطن على استخدام سلاحها ودبابات الأبرامز التي منحتها للجيش العراقي ليحارب بها “داعش”، أن تصبح هذه الدبابات من وسائل الهجوم على الأكراد في كركوك. ويقول بارزاني: “بصراحة، الحشد استخدم السلاح الأميركي ودبابات أبرامز، وإيران كان لها دور في قيادة الهجوم على كركوك”.

ومن كركوك إلى قانون الانتخابات العراقي الجديد والذي يسمح بترشيح الأفراد بدلاً من الدوائر والأقضية، يرى بارزاني أن القانون القديم أفضل، ولم يستبعد مقاطعة الانتخابات المقبلة ويقول إن ذلك أمر وارد.

وإلى بغداد. سألت الزعيم الكردي عن الأحداث الحالية وكيف يرى الحل والوصفة لما يحدث؟ فقال: “من أولى أولويات أي حكومة أن توفر الأمن والخدمات للمواطنين، المناطق العراقية التي ينتفض فيها الشعب لم تتوافر فيها هذه الشروط منذ فترة طويلة. أي مواطن يخرج من منزله قد لا يعود، يختطف يقتل ولا يعرف أحد أين رميت جثته، وطبعاً هذه الحالة لا يمكن أن تستمر. الحراك حق للمواطنين للمطالبة بحقوقهم، بالخبز والخدمات. نحن نؤيد مطالبهم ولكن كانت لدينا ملاحظة واحدة وهي أن لا يسمحوا للانتهازيين المسؤولين عن الفساد أن يركبوا الموجة”، قاطعته بتلطف وسألته: هل ترى أن هناك من ركب الموجة من الانتهازيين؟ فأجاب: “أعتقد أن المنتفضين كانوا واعين كفاية ولم يسمحوا بذلك وإلا لكان البعض ركبها”.

فرص نجاح محمد توفيق علاوي

يقول بارزاني بتحفظ إن رئيس الوزراء العراقي الجديد محمد توفيق علاوي رجل محترم ومن عائلة كريمة ومعروفة في بغداد، لكنه يصف المهمة بالصعبة عليه ويقول إنه لا هو ولا غيره يمكن أن ينجح في ظل وجود جماعات مسلحة وخارجة عن القانون وغير منضبطة وغير مرتبطة بأوامر الدولة، بحسب وصفه. ثم سألته هل أنتم معه أم ضده؟ فقال: “الأمر يتوقف على دوره وأدائه وتفهمه لوضع الإقليم. لا نستطيع أن نعرف ذلك الآن، نحن نحترمه. هناك وفد موجود في بغداد يتفاوض معه على مسألة تشكيل الحكومة الجديدة وهذا يتوقف على موقفه أيضاً”.

كذبة حسن نصرالله ورأي مسعود بارزاني في إخراج القوات الأميركية

في حديث متلفز للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، قال فيه إن بارزاني التقى قاسم سليماني وكان يرتجف ومرتبك… وطلب منه المساعدة في محاربة داعش. سألنا بارزاني فأجاب: “ما قاله نصرالله هو قصة مختلقة وكان آداءه التمثيلي فاشلاً خلال الخطاب”.

بعد هذا التعليق سألته عن التصويت الأخير حول إخراج القوات الأميركية من العراق على خلفية مقتل قاسم سليماني، فقال: “أميركا دولة عظمى وهناك مسائل لن تحصل من دونها، شاء من شاء وأبى من أبى، في عام 2011 أنا كنت ضد خروج القوات الأميركية من العراق، وتوقعاتي بسيطرة الإرهاب على أجزاء كبيرة من البلاد صارت حقيقة، لو بقيت القوات الأميركية لما استطاع داعش أن يحقق كل هذه الانتصارات على الجيش العراقي ويهدد الإقليم من الصميم. الآن أيضاً وبعد هذا الصراع بين أميركا وإيران المطالبة بخروج القوات الأميركية هي من منطلقات عاطفية ومزايدات. وجود قوات التحالف وبقيادة الولايات المتحدة ضروري لأمن العراق ومستقبله، والآن أيضاً إذا خرجت القوات الأميركية ستخرج كل قوات التحالف ولن تبقى ولا أي دولة وبعد 6 أشهر سيعود داعش وبشكل أقوى من قبل، لذلك لا يجب الاستهتار بمصير شعب وبلد من أجل المزايدات. ولذلك نحن وقفنا ضد التصويت. لم نصوت. وجود القوات الأميركية في الوقت الحاضر ضروري”.

وعلى الرغم من إيمان بارزاني بضرورة بقاء القوات الأميركية، إلا أنه لم يخفِ صراحة استغرابه من الأداء المتناقض لواشنطن في شمال سوريا، ويقول: ”أتمنى أن أفهم ماذا تريد أميركا من الكرد في سوريا، إذا كان هناك التزام بحمايتهم فهذا جيد أما ما رأيناه فكان متقلباً وهناك شكوك حوله، وأفقد أكراد سوريا الثقة إلى حد كبير بالولايات المتحدة. وهم يحاولون الآن بناء هذه الثقة من جديد وسيأخذ ذلك وقتاً”.

إيران والتدخل في العراق

لماذا تسيطر إيران على العراق، يجيب الزعيم الكردي بتفصيل ويبدأ بقوله: “بعد سقوط نظام صدام عام 2003 كانت فرصة ذهبية بالنسبة للعراق أن يبني العراقيون دولة مؤسسات على أساس الاتحاد الاختياري والفيدرالية، وعملنا كلنا من أجل ذلك، ولكن الخطأ الأكبر كان أن الأميركيين غيروا دورهم من محرر إلى محتل، وهو كان خلاف ما اتفقنا عليه في مؤتمر لندن في ديسمبر (كانون الأول) 2002. وبعد خروج الأميركيين عام 2011 تركوا فراغاً كبيراً ملأته إيران، وبحكم المذهب والارتباط التاريخي أصبح لها نفوذ كبير في العراق. يمكن أن تكون للعراق علاقات طبيعية مع إيران وغيرها من الجيران، لكن على العراقيين أن يرفضوا وصاية أي دولة”.

سألته أيضاً، هل سبب سيطرتها وجود ميليشيات موالية لها فقال: “بعد دخول داعش بتلك القوة وتهديد تقريباً كل العراق ونتيجة فتوى من المرجعية هب عدد من الشبان الشيعة وغيرهم للتطوع في الحشد الشعبي وقتل قسم كبير منهم وقاوموا وأبدوا بسالة في المقاومة، وبعد اندحار داعش وضعفه لم تكن هناك قوة موحدة ومنضبطة ومرتبطة بقيادة معينة، فاستغل البعض هذه الفرصة وكوّنوا مجموعات مسلحة. هناك قسم من القوات في الحشد نحترمهم لأنهم ضحوا وقدموا شهداء في حربهم ضد داعش، ولكن هناك قسم يعمل تحت غطاء الحشد شكّلوا عصابات ومافيا يتحكمون بكل مقدرات البلد، يبتزون المواطنين يمنعون أي إعمار وأي تنمية وهذه مصيبة”.

سألت بارزاني أيضاً عن أي من اللغتين يأخذ من إيران على محمل الجد، لغة المبعوثين، أم لغة التهديدات من طهران على الشاشات التلفزيونية، وقلت له: في لقاء سابق مع الشرق الأوسط قلتم إن المسؤولين الإيرانيين التقوكم قبل فترة من الاستفتاء وكانت لغتهم مهذبة، وفي الوقت نفسه تضمنت تصريحات لهم تحذيرات وتهديدات. أي من اللغتين أخذتم على محمل الجد؟ يجيب الزعيم الكردي: “الاستفتاء هو حق طبيعي وعندما تأسست الدولة العراقية بعد الحرب العالمية الأولى قام العراق على أساس الشراكة بين العرب والكرد. والكرد، عندما تم الاستفتاء على ولادة الموصل، صوتوا للانضمام للعراق وليس لتركيا، وذلك على أساس تشكيل حكومة عراقية بالشراكة بينهم وبين العرب، لكننا لم نحصل حتى على مواطنة لا شراكة. وبعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 ذهبنا إلى بغداد لانتهاز الفرصة الجديدة وبناء عراق جديد يتمتع فيه كل المواطنين بحقوقهم ويؤدون واجباتهم، وعلى أساس الاتحاد الاختياري، والبرلمان الكردي قرر أنه يجب بناء العراق الجديد على هذا الأساس، وفشلت كل هذه المحاولات، ووصلنا إلى قناعة بأن شراكتنا في بغداد مرفوضة، وطبعاً بالنسبة لنا التبعية مرفوضة. فقلنا إننا سنقوم باستفتاء ليعرف الجميع ما يريده الشعب الكردي وندخل معكم في مفاوضات نعطيها الوقت اللازم ونترك الأمور تأخذ وقتها، ولكن طالما ترفضون الشراكة إذاً ليس هناك من حل آخر. يجب أن نكون إخوة ولكن كل واحد لديه بيته وبغداد تبقى هي العمق. لكنهم استغلوا الفرصة، أنا كنت أتوقع أن تحصل ضغوطات ولكن ما لم أكن أتوقعه هو أن يقوم فصيل كردي بهذه الخيانة العظمى، فلذلك التهديدات كلها كانت طبيعية وكنا مستعدين لمواجهتها. الإيرانيون وغيرهم اتصلوا بنا ولكن في وقت متأخر جداً، الجميع، وحتى الأميركيين تصوروا في بادئ الأمر أن هذه ورقة ضغط ولكن المسألة أهم من مهمة بل ومصيرية بالنسبة لنا. هذا حقنا ونحن ملتزمون به ولا يمكن أن نتخلى عنه، ولكن هذا لا يعني أن نعلن استقلالنا غداً، قد يكون بعد غد أو بعد شهر، لكننا لن نتخلى عن هذا الحق”.

لكن ماذا عن التهديد الإيراني أو الدبلوماسية الإيرانية؟ أيهما أخذتموها بجدية؟ فأجاب: “لو كانوا يقولون لنا إن ذلك من حقكم ولكن الظروف غير مناسبة الآن ويجب أن نتفاهم، لكان الوضع أفضل، ولكن ما كان يوجّه لنا من تهديد بالطرد والذبح والقتل والحرمان من الحقوق، والقول إنك انفصالي إن تكلمت فبالطبع هذا الكلام مرفوض بالكامل لا يمكن قبوله. ومن ضمن من أتوا إلي هم إيرانيون وتكلموا معي بأدب. ما كانوا يقولونه في التلفزيون هذا من شأنهم. أنا لا أقبل من أي أحد أو أي دولة أن تهددني. أخذنا التهديدات في وقتها على محمل الجد، ولكن لولا الخيانة لما كان للتهديدات أي قيمة”. ويقصد بالخيانة خيانة مجموعات كردية سهلت لـ “الحشد الشعبي” دخول مدينة كركوك.

ويتمنى بارزاني من واشنطن وطهران وغيرها، ألا تصبح أرض الإقليم ساحة للصراعات.

ضياع السنّة بين قوى العراق

بعد سقوط نظام صدام، توجه مسعود بارزاني لأهل المذهب السني وزعاماته ونصحهم بتشكيل فيدرالية لهم، لكن ذلك لم يتم. واتخذ أهل السنة في العراق منحى المقاطعة والعيش على أطلال الأحلام، فكانت النتيجة سلبية وضدهم تماماً. سألت مسعود بارزاني عن الأنباء حول أن السنّة يستعدون للمطالبة باستقلال أقاليم ومنها الأنبار؟ فقال: “السنة ارتكبوا أخطاء كبيرة، قاطعوا العملية السياسية بعد سقوط النظام وكان هذا خطأ كبيراً. دعيتهم 3 مرات إلى أربيل وحاولت أن أشرح لهم أن الأمور تغيرت والعالم تغير والمنطقة تغيرت والعراق تغير، يجب أن يعيدوا النظر، ولكنهم كانوا لا يزالون تحت تأثير الثقافة القديمة. بعد صياغة الدستور كان الجميع مقتنعاً بالفيدرالية على أساس أنها توزيع عادل للثروة وللسلطة، وحتى الشيعة كانوا موافقين في البداية والسنة هم من رفضوا، وبعد ذلك تغيرت المعادلة. السنة ارتكبوا خطأين، الأول مقاطعة العملية السياسية بعد السقوط والخطأ الأكبر رفضهم الفيدرالية بعد صياغة الدستور”. سألته مقاطعاً: وهل ترى أنها خطوة متأخرة مطالبتهم بالأقاليم الآن؟ فكانت إجابته “هناك تعقيدات بالتأكيد في ما يخص هذا الأمر”.

“داعش” وتركيا

هناك تسريبات عن وجود علاقة مباشرة بين تركيا وداعش وتسهيل مرور مقاتليه لمناطق الأكراد لإخلائها أو للقتال فيها بالنيابة عن تركيا، ونشرت صحف غربية بينها “فايننشال تايمز” عن تجارة النفط في مناطق داعش وتهريبه لتركيا، هل رأى مسعود بارزاني هذه العلاقة بما أنكم قدتم معارك ضد التنظيم الإرهابي؟ فقال: “في الأشهر الأولى من القتال مع داعش وعند سقوط قتلى من التنظيم في كل معركة كنا نلاحظ أنهم من جنسيات مختلفة. من دون شك كانوا بغالبيتهم يأتون عن طريق الحدود التركية إلى سوريا ثم العراق، أو ربما كانوا يدخلون سوريا عبر البحر من دول أخرى. في الحقيقة لا أعرف إلى أي حد كانت تركيا قادرة على ضبط هذه الحدود بشكل كامل ومنع تسلل هؤلاء، أو ربما كانت هناك جماعات تسهل المهمة من دون علم الحكومة، ولكنهم كانوا يدخلون عبر تركيا”.

ويستطرد بارزاني في إجابته ويقول: “اليوم في شمال سوريا هناك مسلحون محسوبون على تركيا، أقسم أنهم بغالبيتهم سوريون، هم من يقومون بالمجازر بحق الأكراد بدعم من الجيش التركي وهذا واضح، وبخاصة في عفرين”. سألته: ماذا فعلتم تجاه ذلك؟ فقال: “اعترضنا على ذلك وأوصلنا موقفنا إلى تركيا من تصرفات المجموعات المسلحة”.

بارزاني وصدام حسين

التقى مسعود بارزاني بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين أكثر من مرة، ويحكي الزعيم الكردي عن التغير الكامل في شخصية صدام ويقول: “الفرق 180 درجة. أول مرة التقيته عندما ترأس الوفد الرسمي للحكومة وأتى إلى مقر الثورة الكردية يوم 12 يناير (كانون الثاني) 1970 عند والدي، كان متواضعاً مندفعاً متحمساً ولكن عندما رأيته عام 1991 كان قد تغير بالكامل بشكل غريب، وقال لي في حينها أنا أقدر مجيئك إلى بغداد في هذه الظروف ولن أنساه ويجب أن نتفق. وقلت له أهلاً وسهلاً أنا أتذكر دورك في اتفاقية 11 آذار (مارس)، وأنت تعرف ماذا حصل بعد ذلك وما حصل لأهلي وعشيرتي ولقوميتي، قتلوا بالآلاف، دخلت إلى بغداد عبر بحر من الدماء. شخصيته في المرة الثانية كانت متجبرة ومتكبرة بعكس اللقاء الأول عام 1970”.

سألته هل تمت استشارتهم في إعدام صدام؟ فقال: “لم نكن ضد الإعدام ولكن ضد توقيته بيوم عيد الأضحى، لم تتم استشارتنا بمسألة إعدامه، ولم نعلم بها سوى بعد التنفيذ وعبر الإذاعات”.

إسرائيل وكردستان

كان السؤال الأخير عن إسرائيل وخطة ترمب للسلام المعروفة إعلامياً بـ “صفقة القرن”، كيف يراها بارزاني وهل سيقيم علاقة مع تل أبيب؟ فقال: “طالما نحن ما زلنا جزءاً من العراق، إذا افتتحت إسرائيل سفارتها في بغداد فستفتتح لها قنصلية في أربيل ونرحب بها، ولكن من دون سفارة في بغداد لا يمكن أن تقوم علاقة مع إسرائيل. ونحن نعتقد أن العلاقة معها أمر طبيعي فقد أصبحت واقعاً ولا يمكن لأحد أن يرميها في البحر، وأعتقد معظم الدول العربية الآن لديها علاقات معها وهذا أمر طبيعي وأفضل. بالنسبة لصفقة القرن بتصوري أن أي مشروع للسلام أفضل من مشروع حرب، أما طريقة تقييمها والتعاطي معها فهو شأن أهل البيت “صاحب الدار أدرى بما فيها”. الحرب لن تؤدي إلى نتيجة أبداً، لقد تمت تجربة 3 حروب 1956 و1967 و1973 إلى جانب عشرات الحروب الصغيرة الأخرى، وكلها لم تفلح”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى