آراء

الحركة النسوية والديموقراطية

حذام زهور عدي

بتاريخ 30/10/2019 أقامت منظمة (المبادرة النسوية الأورو-متوسطية،ife-efi) لقاءً تحت العنوان أعلاه، والمنظمة هي إحدى منظمات المجتمع المدني الفرنسية تعرِف نفسها بأنها( شبكة سياسية تجمع منظمات حقوق المرأة من ضفتي البحر المتوسط ) تأسست عام2003تحت اسم : المبادرة النسوية الأوربية، ثم أضافت جمعيات البحر المتوسط خلال اجتماع جمعيتها العامة أواخر عام 2014 ومنه أخذت اسمها النهائي، وهي ترى أن الديموقراطية والمواطنةلا تتحقق بشكل كامل إلا إذا تحققت المساواة المبنية على النوع الاجتماعي، كما تحددمهمات متعددة منها: إحداث تغييرات إيجابية للمجتمع ككل، وتطوير خطاب حقوق المرأة من خلال دمجه في الحركات الديموقراطية المختلفة ورسم السياسات المعبرة عن ذلك،سعياً لعالم ٍقائم ٍعلى المساواة، منزوع السلاح، متخلصٍ من الهياكل البطريكية والأنظمة العسكرية، والليبرالية، والدينية، والاستعمارية الجديدة. يعمل أعضاؤها ( من الجنسين)عملاً تطوعياً يربط وضع النساء في دولهم ومجتمعاتهم المنوَعة بنظام تلك الدول ويرصدون مدى تحقيقه للديموقراطية، وأهم أنشطة المنظمة تقديمها لأبحاث ودراسات حول أوضاع المرأة كلٌ في بلده،  تميز معظمها بالدقة والموضوعية، وبالتوصل إلى نتائج مفاجئة لم يتنبه أحدٌ إليها سابقاً..

إن تاريخ الحركات النسوية وما حققته من قوانين المساواة في معظم دول العالم يدفع لسؤال، لماذا تربط اليوم هذه المنظمة بين النسوية والديموقراطية،؟ ألا يكفيها ما حققته من مساواة قانونية من خلال الأنظمة الديموقراطية،وأجواء الحرية ؟

كان جواب ذلك التساؤل إن الأنظمة الديموقراطية شرط ضروري ،ولكنه غير كافٍ فعدم التمييز وقوانينه لا يتحقق إلا بوجود نظام ديموقراطي، هذا صحيح تماماً، فذلك النظام الذي  سمح ويسمح بحرية الرأي، وحرية اختراق التابوهات التاريخية المعروفة ، والتعبير عن رفضها بجرأة ووضوح، هو ما ساهم إلى حدٍ كبير بتحقيق أهداف النضال النسوي،  لكن محوَ الإرث الذكوري الاجتماعي التاريخي ومواقفه من إنسانية وبشرية المرأة، لا يتحقق إلا بنضال نسوي صبور وطويل فحركة تطوير المجتمعات تحتاج إلى القوانين ولكنها أيضاً تحتاج إلى ثقافة إنسانية تتناسب مع ماوصلت إليه الإنسانية من تطور…وهذا من مهمات أنشطة الحركات النسوية اليوم،وللبرهان على صحة ذلك التوجه، قدمت الناشطة الفرنسية بحثاً تناول وضع البرلمانيات الفرنسيات ،وكانت المفاجأة أن نسبة مرتفعة منهن، يتعرضن للتعنيف الأسري، أوالتهديد الاجتماعي، أوالتحرش الجنسي، والنظام الفرنسي الديموقراطي لا يُعلى عليه، وقوانينه النسوية من أهم القوانين العالمية إنصافاً للمرأة، لكنه الإرث التاريخي الذكوري،وفي هذا نتذكر جرائم الشرف التي لاتزال تُمارس في سورية على يد الثوار أنفسهم الذين ثاروا وبذلوا الغالي والرخيص من أجل التوصل إلى نظام ٍديموقراطي يُحقق الحرية والعدالة لكل أبنائه، بل المأساة الأكبر كانت في بعض الأسر التي سُجنت بناتها ونساؤها، وتعرضن للتعذيب والاغتصاب،قتلها ذووها ، بعد الإفراج عنها أو طُلقت وشُرد أولادها، وكأنها أجرمت بحق الأسرة، وأصبحت عاراً عليها، بدلاً من تصليب النضال ضد همجية النظام، ومداواة الجروح النفسية والجسدية التي تعرضت لها،  من أجل هذا لابد من التداخل بين النضال النسوي والديموقراطي، كما فعلت تلك المبادرة ..

تقبل تلك المبادرة مناضلات ومداخلات وأبحاثا من أي بلد أو دولة بالعالم، ففي الندوة نفسها إضافة للدراسة الفرنسية كانت هناك دراسات أخرى أهمها الدراسة الاسبانية التي أضاءت على أساليب العمل النسوي هناك،ومداخلة من الكونغو وأخرى من التشيلي، أما من سورية فقد تميزت منظمة مواساة التي مثلتها الدكتورة مية الرحبي فقدمت دراسة  غطت وضع المرأة السورية قبل النظام البعثي وبعده وصولاً إلى النظام الأسدي الذي حوَل( الاتحاد النسائي السوري )إلى منظمة أمنية تضمن ولاء المرأة السورية لنظام ديكتاتوري فاسد، كما عرَجت على وضع المرأة السورية بعد الثورة فقدمت أرقاماً  دقيقة للمعتقلات والمغتصبات واللواتي قتلن تحت التعذيب..ومآسي أسر المهجَرين الذين تجاوزوا نصف عدد سكان سورية ..مطالبة المنظمات الدولية –النسوية منها بخاصة- بالعمل على وضع ٍعادلٍ وإنساني للمرأة السورية..

إن مشكلة التنظيمات النسوية هي مشكلة بنيوية أساساً ،إذ على الرغم من حاجة أي نشاط مدني إلى أبحاثٍ ودراسات لا تستطيع القيام بها إلا نخبةعالية الثقافة، إلا أن تركيبة أعضائها عامة بعيدة قليلاً أو كثيراًعن شرائح المجتمع الأخرى، فحتى في هذه الندوة ، كانت المداخلات والضيوف والحضور تشي بالانتماء إلى نخبة خاصة، تبتعد عن نبض عامة النساء، وعن الفعل بين جمهرة النساء والرجال، الذي نشأت المنظمات من أجلهم، فأصبح من الصعوبة تحقيق الأهداف المرسومة.إن المهمة الأساس هي الإجابة على سؤال: كيف تستطيع منظمة نسوية تجييش أبناء بلدها لنضالٍ يُحقق أهدافها؟

في الدول التي تماثل وضع أنظمة دول الشرق الأوسط، من الصعب جداً أن تنال المرأة حقوق عدم التمييز، وتُطور مجتمعاتها للتخلص من الإرث البطريركي الذكوري،مع أنظمة الفساد والاستبداد والفحش ،التي تركب على الموجة النسوية لاكتساب شيء من الشعبوية، لكنها لاتحقق أهدافاً مشروعة لها كما حدث في سورية بالنسبة لمطلب إعطاء المرأة حق الجنسية لأولادها أو الإلغاء النهائي للعذر المخفف في جرائم الشرف … عدا عما في قوانين المحاكم الشرعية من تمييزواضح وكبير.

إن النضال الديموقراطي للمرأة السورية هو البوابة التي لابد من عبورها للبدء في مشوار الألف ميل …ومن هنا فإن التحام المرأة السورية بالثورة هو الالتحام الذي يدل على نضج وعي المرأة السورية بأهدافها النسوية.

في هذا المجال برهنت أيضاً جمهرة النساء ولاسيما جيل الشابات منهن في العراق ولبنان ومصر عن مثل هذا الوعي المذهل، أما المرأة التونسية، ولها تحية خاصة، والتي استطاعت في عهود سابقة أن تحصل على حقوق تخلفت عنها أخواتها في دول عربية أخرى ،فقد برهنت في انتخابات الرئاسة عن قدرتها في تمييز من يريد ركوب موجتها لاكتساب بعض أصواتهن وبين من يتميز بمصداقية في احترام الدستور والقانون بالرغم من تصريحاته غير المرضية تماماً حول حقوق المرأة، لكنها عرفت أيضاً أن الديماغوجيا مضرة بقضاياها أكثر من الوسطية الدينية ،إن كان الميزان هو احترام الدستور واحترام الديموقراطية ، في الديماغوجيا ليس فقط لن يتحقق أي هدف لإنصاف المرأة وإنما تضع الديماغوجيا النسوية نفسها في مواجهة المجتمع مما يجعلها تخسر تطوره دون أن يتحقق أي هدف لها.

إن النظام الديموقراطي هو الذي أطلق لسان المرأة عالياً ، فلأول مرة في التاريخ يتحول التحرش الجنسي مثلاً إلى قضية اجتماعية عالمية تتبوأ فيه المرأة كرسي المُدَعية وصاحبة الحق بدل أن تكون مُدانة وصامتة خوفاً من القيم الذكورية، والنظام الديموقراطي أيضاً هو الذي يحمي تلك الجمعيات ويبذل جهداً مميزاً لمساعدتها في أنشطتها، وفي هذا فإن تقديم صالة من بلدية باريس لإقامة ندوة المنظمة، هوأحد أوجه النظام الديموقراطي أيضاً..

من هنا فإن ربط المنظمة النسوية السابقة النضال النسوي بالديموقراطية هو ربط بالاتجاه الصحيح تماماً…فقط عليها وعلى أمثالها ألا تكتفي بالدراسات والتحليلات على أهميتها، بل يُنتظر منها نشاط ٌأعمق وأوسع  لتجييش شرائح المجتمع المختلفة من أجل أن تتجاوب مع توجهاتها وتُحقق أهدافها.

 

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “271”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى