أوروبا عرضة لابتزازات تركيا
فريدون قجو
تمتلك تركيا أوراق لعبٍٍ متعدّّدة للضغط على الدول الأوروبية , لعلّّ أبرزها قضية إرسال اللاجئين السوريين المتواجدين على أراضيها إلى أوروبا, الورقة التي باتت تُعتبر الأخطر و الأكثر إحراجاً في نظر الأوروبيين.
جرت العادة أن تستخدم القوى الدولية المتخاصمة أساليب ضاغطة ومتنوّعة على بعضها البعض في قضايا معيّنة لتحقيق أكبر قدرٍ ممكن من المكتسبات السياسية لبلدانها, وفي طبيعة العلاقة بين تركيا وأوروبا طرأت متغيرات كبرى على تلك العلاقة المتذبذبة في السنوات الأخيرة, حيث عملت تركيا على استثمار بقاء الأعداد الهائلة للاجئين السوريين المقيمين لديها واستعمال هذا الملف ضد الغرب بالتهديد والوعيد من حينٍ إلى آخر وعدم ممانعة رحيلهم إلى أوروبا كلما ضاقت السياسة الدولية بأنقرة.
ولعلّّ ما نراه اليوم يذكّّرنا بهذه الجملة الشهيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان عندما خاطب الاتحاد الأوروبي في العام 2015 قائلاً: “فلتعلموا لا أنا و لا شعبي نفهم تهديداتكم الجوفاء، وإذا تماديتم أكثر ضدّّ تركيا فإنّّ معابرنا الحدودية ستُُفتَح أمام اللاجئين”, منتقداً الاستقبال الأوروبي “المحدود” للاجئين السوريين حينذاك, كما عاود أردوغان التهديد ذاته في عام 2019 أثناء عملياته العسكرية في بعض المناطق الكُـردية بسوريا.
وامتداداً لتسارع الأحداث في الشمال السوري التي تنعكس بشكلٍ مباشرٍ على علاقة تركيا مع الغرب, أظهرت الدبلوماسية التركية في هذه المسألة عجزها في التقرّب من أوروبا, من خلال تحريك ورقةٍ خطيرةٍ تحدّثنا عنها في البداية, لتجهض محاولات حلفائها الحثيثة في احتواء أزمةٍ كبيرة قد تخرج عن سيطرتهم في مراحل مقبلة, إذ أصبحت قضية هجرة السوريين إلى أوروبا عبر تركيا الشغل الشاغل لدى تلك الدول, وصار الوقوف بوجه موجة هجرةٍ أخرى أمراً حتمياً و تجَسّدَ ذلك على الحدود اليونانية قبل عدة أيامٍ عندما منعت السلطات اليونانية عبور أعدادٍ كبيرة من السوريين إلى أراضيها واستعملت شتى الوسائل لمنع استقبالهم.
وفي الوقت الذي تحتدم فيه المعارك في منطقة إدلب تستمرّ تركيا في تسهيل عبور اللاجئين السوريين إلى الأراضي الأوروبية, ليأتي إعلان نائب وزير الدفاع اليوناني عن منع 9600 محاولة لانتهاك حدودها, متهماً تركيا بإرشاد المهاجرين إلى حدود اليونان المنهكة أصلاً من هذه القضية, بالإضافة إلى أنّ الوكالة الأوروبية لمراقبة وحماية الحدود الخارجية “فرونتكس”، رفعت مستوى التأهّب عند الحدود اليونانية التركية إلى الحدّ الأقصى.
كلُّ هذا يدلُّ على أنّ أوروبا اتّخذت قراراتٍٍ ضمنية حازمة فيما بينها بهذه المسألة, والغاية دائماً هي إفشال مساعي تركيا في اللعب القوي على استخدام ورقة اللاجئين, وبهذه الحركة الوحيدة في الوقت الراهن تضع تركيا نفسها أمام مفترق طرقٍ قد تتأثّر بضربات القوات الروسية ذهاباً وإياباً, التي قد تكون على تواصلٍ مع أوروبا بشأن الضغط على تركيا, خصوصاً بعد إسقاط طائرة سوخوي 24 التابعة للنظام السوري تزامناً مع إعلان وزارة الدفاع التركية بشكلٍ رسميٍ، إطلاق عملية عسكرية واسعة في إدلب تحت اسم “درع الربيع” ضدّ قوات النظام المدعومة من روسيا.
ومن المحتمل أن تستمرّ تركيا في إرسال المزيد من اللاجئين السوريين إلى الحدود الأوروبية, في محاولةٍ منها كسب ودِّ أوروبا سياسياً ووضعها تحت أعبائها الحقيقية في التحالفات السابقة المبرمة بين الطرفين, إلا أنّ القارة العجوز أصبحت عجوزاً بما فيه الكفاية, ومن الواضح ،أنه ليس بإمكانها استقبال المزيد من السوريين الفارين من جحيم بلادهم إلى بلدانٍ تقدّم لهم كلّ شيء, حيث تشير تقاريرٌ إلى أنّ بقاء السوريين في أوروبا وعدم اندماجهم (بنسبٍ متفاوتةٍ) مع المجتمع, جعلت من ذلك أمراً خطيراً على أمنِ بلدانهم.
ونتيجةً لعدم اتّفاق الاتحاد الأوروبي على سياسات لجوءٍ موحّدة، استغلّت أنقرة ذلك بابتزازها في هذه المرحلة، والتي من المتوقّع أن تغيّر سياساتها اتجاه تركيا تحت ضغط آخر ورقة تُستخدمُ في وجهها.
في المحصلة يتبيّن لنا وبكلِّ وضوحٍ أن تركيا فعلت كلَّ شيءٍ كي تجرَّ أوروبا إلى ما تريد تحقيقه في سوريا على المدى القريب في أقلّ تقدير, والهدف دائماَ إشراك الدول الأوروبية في معارك تكون هي المستفيدة منها بالدرجة الأولى.