* من حكايا أبله دمشق *
وليد حاج عبدالقادر / دبي
عندما تهيمن الديموغاجيا على وعي شخصٍ وهو في الأصل منفصِم عن الواقع ، فيتعرّض لقضايا تاريخية حديثة نسبياً حتى في عمرها الزمني ، يوزّع صكوك الانتماءات ويشرعن أو يلغي حقوق وقضايا الشعوب التي أُلحقت بدولٍ تشكّلت نتيجة تفكّك الإمبراطورية العثمانية ومنها سوريا بعد قصٍّ وتوصيلٍ من جغرافيات طبيعية وبشرية مختلفة، هذه الدولة التي تورّطت بحاكمٍ أبله تعوّد أن يثير بعد كلّ حديثٍ له زوبعة من السخرية والاستهجان ، للحشو الفارغ في المتن، وكسرِّ أبيه زعماً عروبياً يتدثر به فينكر وجود أية قضية كُردية في سوريا، تلك التصريحات المدمّرة وكمتلازمة جبرية أشبه ما تكون بالبيئة الناقلة لجرثومة كرونا المعاصرة وبكامل طاقتها الفتاكة.
وقد أعاد أبله دمشق إنتاج عطالته المعرفية بسقطاتها التأريخية وبعصارتها البعثية المتكرّرة، فيستعرض الجغرافيا والتاريخ الحديث بغباءٍ تجزيئي مقززٍ، الأمر الذي سيدفعنا للعودة به إلى مقدمات تشكّل خارطة الدولة السورية التي كانت في الأصل أربعة أيالات خاضعة للاحتلال، ويبدو أنّ هذا الأمر قد غاب عن – ثيادته – ومعها خرائط تموضع شعوب المنطقة الفعلية وفي جغرافياتها التي تحوّلت إلى ساحة رئيسية للمسألة الشرقية، وعليها تمّ رسم خرائط جديدة، تعود إلى ما قبل الحرب الكونية الأولى ولتستمرّ إلى ما بعدها أيضاً، ولتغطي بدءاً من شبه جزيرة القرم وغالبية الإمبراطورية العثمانية، ولتصبح تلك الخرائط أساساً لخرائط سايكس بيكو بالرغم من غياب كلّ المعايير المهنية في تلك الخرائط كما وضّحها الكاتب جودت هشيار في مقال له بتاريخ ٢٧ / ٩ / ٢٠١٧ أنه – عندما تمّ تقسيم الأمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى بموجب اتفاقية سايكس بيكو ، ووضع العراق تحت الانتداب البريطاني.
كتبت المس (غيرترود بيل) مستشارة المندوب السامي البريطاني في العراق، رسالة إلى والدها في عام 1920 تقول فيها ” كان عملي لهذا اليوم جيداً، فقد قمت برسم الحدود الغربية، والجنوبية الغربية للدولة ( العراقية ) المرتقبة “.
ويضيف – إنّ كلّ مَنْ يلقي نظرة على خارطة العراق الحالية سيلاحظ على الفور، أنّ الحدود العراقية مع كلّ من سوريا والأردن والسعودية هي خطوط مستقيمة تماماً رسمت بالقلم والمسطرة من قبل المس بيل – . ( المصدر من غوغل)، وليختزل السيد هشيار مسألة رسم الخرائط تلك وما أثبتته أحداث المستقبل أيضاً حجم الخلافات الحدودية بين تلك الدول المحدثة، والتي لا تزال بعض المناطق الحدودية البينية محوطة بسواتر وخنادق، واعتبرت كمناطق محايدة تنتظر البت النهائي بمصائرها.
إلا انّ تعدّد التوترات في المنطقة، والخوف من اتساع دائرة الأزمات برقعها الجغرافية وتشابكها والخوف من الانزلاق إلى فوضى عارمة ومعها تعمّق الأزمات وتمدّدها لتشمل أقاصي الشرق الأقصى الأمر الذي – فرمل – وحدّ من هذه المتغيرات.
وفي عودة لتصريحات أبله دمشق وقفزه لا بل تغييبه / تجاهله لآليات تشكّل الخرائط المحدثة سياسياً وبالقوة، دون الارتكاز على البعد البشري والجغرافي بعد هزيمة العثمانيين في الحرب الكونية الأولى، حيث تؤكّد كلْ الإحداثيات التاريخية على أنّ هذه الخرائط لم تؤسّس على الإطلاق كتوصيفٍ لما هو موجود في الواقع، وإنما فُرِضت بالقوة بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى.
ومع انهيار الإمبراطورية العثمانية سعت بريطانيا وفرنسا لتفكيكها بما يتوائم مع مصالحهما الاستعمارية، وعليها ظهرت خرائط لدول كانت ولاياتٍ تتبع الإمبراطورية العثمانية كسوريا التي كانت عبارة عن أربع ولاياتٍ أدمجتها فرنسا في خارطةٍ واحدة، بعد فشلها في تحويل الولايات إلى دويلات وذلك بعد إلغاء الملكية وطرد الملك فيصل من سوريا، وعلى إثرها نشب خلاف بريطاني فرنسي من جهةٍ والاثنتين مع تركيا الأتاتوركية من جهةٍ أخرى وفي عدة محاور بعد أن استطاعت تركيا انتزاع اتفاق لوزان وإلغاء سيفر.
وفي تبسيط واختزال وقائع تلك المرحلة في الخاصية الكُردية، سنرى أنّ ساحة كُردستان كانت قد تمّت على جغرافيتها مقاصات لمقايضاتٍ عديدة، وظهور لخرائط كانت تتجدّد باستمرارٍ، وهنا، وللتأريخ الذي تمّ شطبه من غالبية كتب ودراسات التاريخ العربي، وأعني بذلك التفاهمات التي أدّت إلى انطلاقة ثورة الشريف حسين، تلك التفاهمات النهائية والتي بموجبها تمّ تصميم الخرائط المفترضة، ومن جديدٍ كنتاج لمفاوضات ابنه الأمير فيصل مع الوزير الفرنسي كليمنصو والتي كانت تعزّزها خلاصات الرسائل المتبادلة بين الشريف حسين ومكماهون ، هذه الرسائل التي حدّدت ووفق الواقع الديمغرافي والطبيعي، حدود الدولة العربية إلى شمال حلب وجنوب ولاية ملاطية وبتأكيدٍ خطي من مكماهون في واحدة من رسائله يؤكّد بأنّ أرض وسكّان تلك المنطقة ليست عربية، والعراق أيضاً حدّدت جغرافيته بولايتي البصرة وبغداد إلى جنوب ولاية الموصل، وعزّز هذا الأمر أيضاً عملياً وبشكلٍ خطي في كتاب تعيين الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على العراق.
وعُدّت ولاية الموصل بكامل شكلها الإداري كموطنٍ للكُرد، والتي تحوّلت بدورها إلى أزمة دولية إثر تدفّق النفط من حقول بابا گرگر وازاها في الجانب الكُردي السوري نفط بروچ – قره جوخ.
وباختصار ! إنّ أية دراسةٍ لخارطتي كلٍّ من العراق وسوريا ومقاربتهما للواقع البشري وطرفي الحدود وبالتوازي مع الجزأين الآخرين من كُردستان تركيا وإيران، ستثبت وبوضوحٍ الطابع المشوّه لتلك التقسيمات، وذلك كنتيجةٍ طبيعيةٍ لاعتباطية التفكّك كما حدث للموصل وأجزاء من مناطقنا الكُردية في سوريا، والتي كانت تتداخل في حدودها مع مناطق واسعة أتبعت لمحافظة الحسكة – الجزيرة المحدثة، وكذلك محافظة ديرالزور والتي لا تزال العراق تعتبر أجزاءً كثيرة منها أراضٍ عراقية، وذات الأمر ينطبق على خط الحدود المحدثة بين سوريا الحالية وتركيا أتاتورك.
كلّ هذا بالتكامل مع ما ورد في بنود سيفر الذي شمل المناطق الكُردية التي ألحِقت بالدول الثلاث، وما يهمّنا هنا هو الجزء الذي ألحِق بسوريا والتي خضعت لمخاضاتٍ عسيرة في التداول والتبادل المناطقي، والتاريخ لازال يذكر بأنّ الحزأين السوري والتركي كانا بقعة واحدة حتى التوقيع على معاهدة لوزان، وأنّ قضية الموصل هي التي كانت مثار خلاف بريطاني – تركي في البدء وقد حسمها استفتاء الكُرد برفض الانضمام إلى تركيا، أما في الجزء الذي ألحِق بسوريا، وفي العودة إلى تلك المقايضات و التفاهمات التي تمّت بين الانتداب الفرنسي وحكومة اتاتورك، والتي وثِّقت كتابياً، فقد أكّدت كلها على حقّ وخصوصية السكان المحليين وحريتهم في الاحتفاظ بالجنسية التركية أيضاً في مناطقهم التي يعيشون فيها إنْ رغبوا بذلك.
إنّ ما غُيّب في التاريخ العربي لدولتي سوريا والعراق هو خط بروكسل الذي حدّد وبدقةٍ التداخل و العمق الحقيقي لجغرافية ولاية الموصل وأبعادها التي كانت تضمُّ كامل كُردستان العراق من الموصل المدينة وكركوك والسليمانية وأربيل ودهوك وقضاء زاخو وبقاع تمتدُّ عميقاً في أجزاء من كُردستاني تركيا وسوريا، ذلك الخط الذي صادقت عليه عصبة الأمم أيضاً، وبعدها تمّت مبادلات بين فرنسا وبريطانيا في عدة مناطق ممّا أسهم وبقوةٍ في إيجاد أوضاع متداخلة ومتوتّرة.
و باختصار، وفي العودة إلى مرحلة سعي فرنسا لتقسيم سوريا إلى دويلات جبل الدروز ودمشق وحلب والعلويين، وقادت مفاوضات مع أعيان ديرالزور والكُرد لتشكيل دولة الجزيرة، إلا أنّ أعيان الكُرد وعبر مذكرتهم المشهورة التي وقّع عليها أكثر من مائة شخصيةٍ وقُدّمت إلى السلطات الفرنسية وضمّنوها رفضهم لإعادة إلحاقهم بالدولة التركية ومنحهم الحكم الذاتي …
الآن وبعد هذا السرد الموجز للمنطقة، نلاحظ وببساطةٍ حجم التزييف الممنهج الذي مورس خاصةً بعد مرحلة الاستقلال وهيمنة الفكر العروبي بشقّيه القومي والديني، والتي لا تزال تساير في خطوطها الجغرافية خطوط وفهارس الرحّالة العرب وجغرافيبها ولكن ؟ يبقى من المفيد جداً ما دوّنه سياسيون ومسؤولون سوريون في مذكراتهم ، ومؤسسات و أيضاً مختصّون ومَنْ حاول معالجة القضية الكُردية في سوريا في العودة إلى بدايات الاستهداف الممنهَج لهم ووضع مشاريع ودراسات استهدفت وجودهم، وممّن اشتغل على هذا الجانب وإنْ كان بخجلٍ يمكن الإشارة إلى د. محمد جمال باروت ، وأيضاً مجموعة لوموند ديبلومات، وكلّ ذلك ظهر للوجود بعد فشل كلّ الوسائل الكلاسيكية في صهر القضية القومية الكُردية، وليتمّ طرح البديل الاقتصادي كتأطيرٍ أقاليمي مفرَغٍ تماماً وبشكلّ خاصٍ من أية نكهةٍ قوميةٍ كُرديةٍ ..
وختاماً وبكلمةٍ مختصرةٍ أذكّر أبلهَ دمشق بأنّ كلّ حروب الانكشارية والحملات الصفوية ومعها جميع عمليات الإبادة الصدّامية ومشاريع البعث العنصرية وكلّ الويلّات التي تسبّبا بها هو وأبيه ، بقي الشعب الكُردي على أرضه التاريخية وسيعمل يداً بيدٍ مع كلّ الشرفاء السوريين للقضاء على الاستبداد وبناء دولةٍ سورية ديمقراطية اتحادية . وبكلمةٍ أخيرةٍ وكتذكيرٍ : إنّ ما توصفون به أولئك الذين بصموا للترك صكّ التنازل عن هاتاي – لواء اسكندرون – واعتبروها جزءاً من دولة تركيا هي ذات الصفة التي نطلقها على من سبقك يقرُّ بعدم وجود قضيةٍ كُرديةٍ في سوريا ، وسهّل لك تمرير هكذا مواقف وتناسيتما الإثنين مقولة عجائزنا وتصميمهم في التمسّك بوحدة الجزأين وبمسمّى – سرخت – و – بن خت – * ….
* سرخت وبن خت : أخذتها من بوست لصديق وإنْ كانتا تستخدمان منذ التقسيم للمنطقة الكُردية التي سايرت خطّ سكك الحديد في أغلب مناطقه ..