آراء

اللامركزية في سوريا الجديدة

مرح البقاعي

اتّسم البيان الختامي لمؤتمر (الرياض 2) الذي انعقد في العاصمة السعودية بشهر نوفمبر 2017 وبحضور الدول الراعية لعملية الانتقال السياسي في سوريا أو ما تدعى بالمجموعة المصغرة، وقد اعتمد خارطة طريق للمعارضة السياسية لما ستكون عليه دولة سوريا ما بعد الاستبداد؛ وقد كان لي شرف عضوية لجنة صياغة البيان وقد جاء في بنده الأول مايلي: “يؤكد السوريون على سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها على أساس مبدأ اللامركزية الإدارية ضمن وحدة جغرافية سياسية تعتمد مبدأ المواطنة المتساوية”.

كما التزمت المعارضة في البيان بأن “سوريا  ستكون دولة ذات نظام حكم ديمقراطي تعدّدي مدني يثريه تنوّعها القومي والديني والطائفي، دولة متعدّدة القوميات والثقافات، يقرّ دستورها بحقوق المكونات القومية كافة، وبامتياز ثقافاتهم ولغاتهم على أنها لغات وثقافات وطنية تمثّل خلاصة تاريخ سوريّا وحضارتها”.

 ومنذ اعتماد البيان رسمياً أصبحت اللامركزية الإدارية صيغة سياسية مقبولة تم التوافق عليها من الأطراف كافة، وقاعدة للانتقال السياسي تحت مظلة القرار الأممي (2254) الذي سينفذ برعاية إقليمية ودولية.

قد لا يفترق الحاضر كثيراً عن التاريخ السياسي القديم لسوريا الوطنية. ففي العام 1922 أرغم الشارع السوري الثائر الاحتلال الفرنسي بإعلان سوريا دولة اتحادية بين الأقاليم الجغرافية السورية منعاً لتقسيم البلاد. وتم الإعلان في حينها عن شخصيات وطنية ممثلين للأقاليم الجغرافية السورية، وليس الطائفية ولا العرقية، بل كان اتحاداً إدارياً بين الأقاليم السورية ارتباطاً مع المركز السياسي في العاصمة حيث موقع اتخاذ القرارات الاستراتيجية التي تتعلق بالسياسات المحلية والخارجية لسوريا، وبالاقتصاد والتنمية، وشؤون الجيش والأمن الوطني.

وكان ممثلو الإدارات في ذلك الوقت عن دمشق: محمد علي العابد وعطا الأيوبي وفارس الخوري، وعن حمص طاهر الأتاسي، وعن حماه راشد البرازي، وعن حلب غالب إبراهيم باشا ورشيد المدرس .. وغيرهم من رجالات سوريا المشهود لهم بالوطنية والنزاهة السياسية.

فسيادة الدولة على كامل أراضيها في ظل نظام من اللامركزية لا يمكن أن يتحقق إلا ضمن منظومة اتحادية كما أنجزت دول كبرى مشاريع تأسيس دولتها الحديثة إثر خروجها من حروب طاحنة وأعلنت نظاماً اتحادياً بين أقاليمها بينما تتمتع العاصمة بقوة القرار السياسي الذي يقرره ممثلون عن الأقاليم كافة في مجلس النواب المركزي.

تشير الإحصاءات الجيوسياسية أن /40/% من  سكان العالم يعيشون في ظل نظم اتحادية تضمن تمثيل المواطنين كافة بلا استثناء أو قيود. وخير مثال على البناء الاتحادي للدول الحديثة دولاً غربية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وسويسرا وأخرى شرقية كروسيا والباكستان والهند وماليزيا إلى أن يصل العدد إلى /28/ دولة اتحادية.

يشكك معظم السوريون بصلاحية حالة مشابهة اليوم في سوريا، ويعتقد البعض أن مجرد طرح فكرة اللامركزية المرتبطة حكماً بنظام اتحادي هو دعوة إلى تقسيم سوريا. إلا أنهم يتغافلون عن حقيقة نجاح دول هي عظى اليوم في رأب الصدع الاجتماعي والسياسي إثر أزمات كبرى عاشتها باللجوء إلى هذا النوع من أنظمة إدارة الدولة التي تتيح المشاركة السياسية والحرية في التعبير لمكونات المجتمع كافة، بل يحتفي بتنوعها وتمثيلها لخصوصياتها وذاتيتها في إطار الوحدة الوطنية التي تحميها من التجاذبات في حال غياب الفرص.

فصل المقال أن سوريا الخارجة من حروب صنعها “الغرباء” بحاجة ماسّة إلى صون وحدتها من التمزق على يد الدول الأجنبية ذات النفوذ على أرضها، تلك الدول التي تعزو وجودها إلى ضرورة إعادة الاستقرار في مناطق القتال بصورة ترقيعية ودون حلول سياسية ناجعة أقرها المجتمع  الدولي في القرار الأممي رقم (2254)، وتحاول ما أمكن الحفاظ على الوضع الحالي لحكم البعث حتى يتسنى لها في هذه الأجواء السياسية الهشة نهش ما تيسّر من القرار والمقدرات السورية بدعوة إشراك الأقليات وإعادة  الأمن، والقضاء على الإرهاب الذي هو أصلاً صنيعة الاستبداد بلا منافس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى