آراء

هل سيغير كورونا أولويات النظام العالمي؟

إسماعيل رشيد
لاشك أن الجائحة كورونا حدث عالمي تجاوز الحدود والقارات ، ولم تميز بين الحضارات وعراقة الدول ، حدث مرعب من الصعب تحديد مسارات عواقبه وفق المنظور القريب.

هذا الوباء الذي دمر اقتصاد الدول وحصد أرواح الآلاف والأهم من ذلك خلق ذهنية الشك حيال كفاءة حكومات الدول في التعاطي مع الأزمات . ففيروس كورونا ربما سيؤدي إلى انقلاب جذري في نمطية الحياة المجتمعية وخاصة على الصعيدين السياسي والإقتصادي ،
وربما تفضي الحالة الى خلخلة قواعد وركائز النظام الدولي الحالي لإرساء نظام عالمي جديد ، فهناك حرباً كلامياً واتهامات متبادلة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين حول نشر الفيروس ، ويبدو أننا سنشهد مستقبلاً مفهوم التداول السياسي ( قبل وبعد كورونا ) بعد أن أدركت أوربا ودول أخرى بضرورة اتباع منهجية واستقلالية القرار بعد كورونا على خلفية المواقف والسياسات الأمريكية.

فهذه الجائحة تركت انطباعاً أولياً عن مدى هشاشة النظام العالمي من حيث علاقة الدول ببعضها وانعدام الثقة بين الأمم والشعوب من خلال القول بفرضية الحرب البيولوجية وباتت منظمة الصحة العالمية كياناً يتجاوز سلطة القيادات في هذه الأزمة والجميع مطالب بتقديم لوائح وبيانات دقيقة وتنفيذ التعليمات الصادرة عنها ..فالبشرية مرت عليها أوبئة خطيرة كالطاعون والكوليرا…الخ ولكنها كانت اوبئة محلية أوإقليمية سهلة العزل والسيطرة ، بعكس كورونا في زمن العولمة ( العالم قرية صغيرة ) والتي قد تعيدنا إلى زمن الدول المغلقة لحدودها، وبالتالي جدلية العلاقة بين كورونا والعولمة ، فالأرقام ترسم الخطوط العريضة لخطورة الوضع والتحديات المقبلة وثمة تساؤل يفرض نفسه: هل سيعيد العالم ترتيب أولوياته السياسية؟ وهل من مؤشر على التغيير في الساحة العالمية ؟ أم بالعكس فأن كورونا ستمر كسابقاتها ويعود العالم لإنفاق مليارات الدولارات على الفضاء والتسلح وإنتاج أسلحة بيولوجية تاركاً هذا الفيروس ( العدو غير المرئي ) والذي هو بمثابة إنتاج أمة من الفيروسات،فهناك توقعات بهبوط النمو العالمي ليصل إلى 2.1% خلال 2020 , والبنك الدولي بدوره أعد دراسة ، أكد فيها بأن هذا الوباء سيكلف الإقتصاد العالمي نحو 570 مليار دولار سنويا . … حسب التاريخ البشري فمنذ أكثر من مئة عام خاض العالم معركتين عالميتين خرج من الأولى واستعد للثانية وهكذا للثالثة ( أسلحة الدمار الشامل والقدرة النووية ) ، فالتجربة البشرية تؤكد بمجرد الانتهاء من الأزمة يتم تخطيها وصرف الأنظار عنها كما حدث منذ مئة عام ( الأنفلونزا الأسبانية ) والتي ذهب ضحيتها حوالي 20 مليون إنسان ، فالصراع السياسي والأنانية في الأزمات تبدو سمة تتصدر المشهد ، فأوربا فشلت في التعاطي مع الأزمة وإيطاليا تطلب النجدة من الصين.

هناك ضرر إجتماعي وإقتصادي ، وسيكولوجي عابر للقارات أمام هذا العدو المجهول ، وهو بحسب المراقبين يعبر عن هشاشة الأنظمة والنظام العالمي، فالدول الكبرى أثبتت أن أولوياتها هي السباق إلى القمر تاركة الأرض تسيل فيها الدماء والمظالم…، فهذا الفيروس أعطى تنبيهات كبيرة بنمطية القوة التي تتحكم بالمجتمع الإنساني وممارسة الحرب الجرثومية ، فهناك قضية خطيرة تهدد الأمن( الفردي- الدولي) ، ظاهرة انتشار الميليشيات والقوى المسلحة والتي تستطيع أن تخلق وباءً في احدى المختبرات ونشره في العالم ، كون انتشار الأوبئة لايتعلق أمرها بالنظم الديمقراطية أو الدكتاتورية ، وهناك من يعتقد بأن هذا الوباء سينتهي ولن يؤدي إلى التغيير في نمط التعامل بين الحكومات…وبات الهم البارز من سيكتشف اللقاح أولاً للتوظيف السياسي.

 

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “٢٧٣”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى