آراء

*واقع اللغة الكُردية: (أبرز العوائق والتحديات)

 مسعود داود 
اللغة الكُردية كغيرها من اللغات العالمية غنيةٌ بمفرداتها وتراكيبها، تمتلك مخزوناً هائلاً من الكلمات وتمتاز بتعدّد لهجاتها التي تشكّل مصدر غنىً وقوةٍ لها، فقد تجد للكلمة الواحدة عشرات المرادفات، لكنها للأسف لم تنل اليوم في ظلّ انتشار وسائل الإعلام وثورة الاتصالات الاهتمام اللازم من قبل أبنائها أفراداً وحكوماتاً ، لأسبابٍ كثيرةٍ وفي مقدّمتها التجزئة السياسية لكُردستان وإلحاق كلّ جزءٍ من أجزائها بدولةٍ ذات لغةٍ مختلفة عن الأخرى، فانعدم التواصل والاتصال منذ مئات السنين بين أبناء الشعب الكُردي ممّا أدّى إلى نمو وتطوّر اللهجات المحلية على حساب اللغة الكُردية الجامعة التي كانت من الممكن لها أن تتشكّل وتتوحّد لولا هذا الواقع المُجزّأ والمفروض، لذلك، واليوم وعلى الرغم من تطوّر وسائل الاتصال والإعلام لا توجد أيةُ محاولاتٍ جدّيةٍ لتضافر الجهود للوصول إلى لغةٍ أكاديميةٍ تواكب التطوّر العلمي والتكنولوجي، وتنهي حالة التشرذم والانقسام اللغوي وتنمية اللهجات المحلية على حساب اللغة الجامعة، فواقع اللغة الكُردية اليوم ليس كما يجب، لكنه أفضل بكثيرٍ من مراحل مضت عانت فيها من العزلة التامة في التواصل بين أجزاء كُردستان، وكذلك المحاربة والتعتيم من قبل الأنظمة الغاصبة، لكن لا بدّ من أن نشير إلى بعض العوائق والتحديات التي تواجهها حاضراً ومستقبلاً، والتي تدعو المعنيين بالأمر من لغويين وسياسيين إلى تضافر كلّ الجهود والتنسيق فيما بينهم من أجل إيجاد الطرق الأنجع للتقارب اللغوي حتى نصل إلى لغةٍ أكاديميةٍ تجمعنا وتصبح رابطةً موحّدة تجمع أبناء الأمة في بوتقةٍ واحدة، فمن أبرز هذه العوائق والتحديات برأيي، هي:
1- الواقع السياسي ألقى بظلاله على مستوى تطور اللغة الكُردية في كلّ جزءٍ بمعزلٍ عن الجزء الآخر.
2- قلة التواصل بين مثقّفي الأجزاء الأربعة لكُردستان، لأسبابٍ : منها اختلاف الأبجديات، الظاهرة اللهجوية. ممّا أدّى إلى نمو اللهجات كلٍّ على حدا على حساب اللغة الكُردية الجامعة.
3-عدم وجود مؤسّسات أو مجمعات لغوية تلقي على عاتقها مهمّة التقارب اللغوي وإيجاد معجمٍ لغوي حاضنٍ لكلّ اللهجات الكُردية و بالتالي غياب مرجعيةٍ لغوية متّفق عليها من قبل المثقّفين والباحثين في الأجزاء الأربعة والمهجر.
4- قلّة المتابعة لقراءة النتاجات المنشورة باللغة الكُردية من قبل الجزء في الجزء الآخر.
5- تقوقع بعض الكُتّاب في الكتابة بلهجاتهم المحلية، فتحوّلت أغلب كتاباتهم إلى ركامٍ من الكلمات والتكرار المُملّ لا روح ولا تجديد فيها.
6- جهل أغلب الكُتّاب الكُرد باللهجات الكُردية الغنيّة بالمفردات والتعابير الجميلة وعدم تكليف أنفسهم عناء البحث عن كنوزها والدرر الكامنة في أعماقها ممّا أدّى إلى بروز بعض التهم الباطلة عند البعض كعجز اللغة الكُردية عن استيعاب العلوم، أو بأنها غير قادرةٍ على احتواء أفكارهم ومشاعرهم فيهجرونها إلى الكتابة باللغات الأخرى.
7- هجر بعض الكُتّاب الكُرد للغتهم إلى الكتابة باللغات الأخرى كالعربية والإنكليزية، لأسبابٍ منها الفضاء الانتشاري الأوسع، والاهتمام الذي يوليه الآخرون بلغتهم من خلال المؤسّسات و المجمعات اللغوية والذي تفتقر إليه اللغة الكُردية للأسف اليوم.
8- الاهتمام باللغة الكُردية منصبٌّ في أغلبه على جهودٍ ذاتية شخصية، على الرغم من أنها لغة تعليم حكومةٍ رسميةٍ في إقليم كُردستان منذ اكثر من 30 عاماً ، وفي السنوات الأخيرة في سورية إلا أنها لم تلقَ الاهتمام اللازم والمطلوب حتى الآن من تلك الجهات.
9- منافسة اللغات الأجنبية للغة الكُردية وخاصةً الإنكليزية، وتشجيعها في مجال التوظيف كشرطٍ أساسي، وانتشار المدارس الإنكليزية بكثافةٍ في إقليم كُردستان،وتفضيل المتخرّجين منها على غيرهم، ممّا أدّى إلى توجّه الأهالي لتسجيل أبنائهم في تلك المدارس التي تضمن لهم مستقبلهم، في حين أنّ المدارس التي تدرّس منهجاً كُردياً أصبحت في الدرجة الثانية وأغلب طُلّابها من أبناء ذوي الدخل المحدود أو الفقراء ولهذا آثار سلبية في المستقبل.
10- اللغة الكُردية باتت تنحصر اليوم في مجال الأدب في حين تكاد تكون مُهمَلة في المواضيع العلمية والفلسفة والفكر والتاريخ، وذلك نتيجة الإهمال وعدم وجود حوافز تشجّع الشخص على قراءة أو تعلّم تلك المواضيع بلغته الأم.
11- قلة الاهتمام بأدب الطفل ولغته إلا ما ندر، فمرحلة الطفولة أهمّ مرحلةٍ في بناء شخصية الفرد وتنمية مهاراته اللغوية، لكن للأسف قلّما نجد مجلةً أو جريدة ًأو كراسةً تهتمُّ بهذا الجانب، بالتأكيد هناك تجارب جيدة في هذا الجانب في إقليم كُردستان ومع ذلك تبقى مقصِّرة ولا تفي بالغرض المطلوب والهدف المنشود. 12- قلّة الاهتمام بطباعة النتاجات المكتوبة باللغة الكُردية، وعدم وجود جهات رسمية تشجّع تلك النتاجات من خلال طباعتها ومكافأة أصحابها وتقديم الدعم المعنوي اللازم ليكون حافزاً للكاتب للاستمرار ودافعاً لتطوير نفسه وإنتاج المزيد.
13- انعدام النقد البناء في تقييم اللغة، ولا سيما في النتاجات المنشورة كتقييم سمات الألفاظ والتراكيب ودورها في الحدث أو حبكة السرد الكتابي أو النتاج الأدبي. كلُّ هذه العوائق والتحديات تضعنا أمام مسؤوليةٍ كبيرةٍ،فنحن بحاجةٍ إلى جهود الجميع أفراداً ومؤسساتاً وحكوماتاً من أجل القيام بدورهم وواجبهم لحماية لغتنا الجميلة وتنميتها وتطويرها كي تلبّي احتياجاتنا في التواصل، و تواكب التطوّر العلمي و التكنولوجي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى