لقاءات وحوارات

حوار خاص مع الكاتب والباحث السوري الدكتور حازم نهار

Yekiti Media

دخل قانون عقوبات “قيصر” حيز التنفيذ منذ أيام، حيث أعلنت الولايات المتحدة قائمتين للمشمولين بعقوبات القانون، تصدرها رأس النظام بشار الأسد وزوجته.

بذلك بدأ أهالي عدة محافظات سورية بالتظاهر ضد النظام، لسوء الوضع المعيشي والاقتصادي الذي تشهده البلاد.

للوقوف على الوضع الاقتصادي السيء للبلاد، تجدد الثورة السورية في عدة محافظات، شكل سوريا المستقبل، والقضية الكُردية في سوريا، وقضايا عدة، حاورنا الكاتب والباحث السوري الدكتور حازم نهار.

 

السؤال الأول:
لنبدأ من اللحظة الحرِجة المستجدة، انهيار الليرة السورية، الأزمة الاقتصادية، العقوبات الأمريكية (قانون قيصر) في منتصف حزيران الحالي، هل تعتقد أنّ هذه الأزمات قد تجبر النظام السوري باللجوء_ والجلوس على طاولة المفاوضات وقبوله بالقرارات الدولية الخاصة بالحلّ السياسي في سوريا وفق قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ لعام ٢٠١٥؟

– من المعرفة بأداء النظام السوري تاريخياً، النظام بطبيعته لا ينفّذ ولا يقدِّم أيّ شيءٍ تحت الضغط، أكان داخليًاً أم خارجياً. لا أعتقد أنه سيتجاوب مع الضغوط الداخلية أو الخارجية، والسلوك المعتاد له في مثل الأحوال هذه هو الانتظار؛ انتظار حدوث تغيّر في البيئة الدولية، مثل تغيّر الإدارة الأميركية بفعل الانتخابات الدورية في أمريكا، أيْ سيسعى النظام، بصورةٍ أساسية، لكسب الوقت والمماطلة، وفي حال اشتدّت الضغوط عليه بدرجةٍ كبيرة، في لحظةٍ من اللحظات، سيتّبع سلوك القبول الظاهري ريثما تمرّ العاصفة، لكنه واقعياً لن ينفّذ شيئاً، وسيقاتل حتى النهاية.

 

السؤال الثاني:
 هل تعتقد أنّ الثورة السورية تجدّد نفسها وتأخذ المسار الصحيح، الذي بدأت ملامحه من السويداء، بعيداً عن التشدّد والتعصّب؟

– أعتقد أنّ الواقع السوري اليوم هو خليطٌ من كلّ شيءٍ ؛ فالثورة بمنطلقاتها الوطنية وأهدافها في الحرية والكرامة كانت موجودة على طول الخط، كانت واضحة وظاهرة في البدايات، وغابت جزئياً في لحظاتٍ مختلفة، لكنها تعود وتطلّ برأسها في لحظاتٍ أخرى، ما يعني عملياً أنها موجودة بحكم استمرار أسبابها، ومؤخّراً أعادتنا إليها تظاهرات السويداء بوضوح.ٍ لكن للأسف، فإلى جانب الثورة هناك حالة كارثية تعبّر عن نفسها بتشظّي الشعب السوري إلى أديانٍ وطوائف وقوميات وإثنيات، وهناك اتجاهات تعبّر عن نفسها بقوةٍ ، سياسياً وعسكرياً، مثل الميليشيات والفصائل، وغالباً بصورةٍ متشدّدة ومتطرّفة، قومياً أو دينياً، وهناك أيضاً تدخّلات إقليمية ودولية واسعة النطاق، وهناك حالة مسيطرة من الفقر وسوء الأحوال المعيشية، داخل وخارج سوريا، وهذا كله يغطّي على حضور الثورة، ويحجب الرؤى الوطنية الأصيلة.

 

السؤال الثالث:
ما شكل الدولة الذي تراه مناسباً وصالحاً لسوريا المستقبل بعد عقودٍ من الاستئثار والتهميش التي تسبّبت في تغييب الهوية الوطنية السورية؟

-لا شكَّ في أنّ الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة هي الشكل الأمثل والملائم في سوريا، ليس فحسب بسبب التنوّع القومي والديني في سوريا كما يُقال، بل لأنها أولاً الدولة التي تتوافق مع العصر والعالم، وثانياً لأنها الدولة الوحيدة القابلة للحياة. والصفة الأساسية لهذه الدولة هي في كونها عمومية، تمارس دوراً وظيفياً محايداً؛ أي تقف على مسافةٍ واحدة من جميع الأديان والطوائف والقوميات والأيديولوجيات والأحزاب والطبقات، وفي الوقت نفسه تتيح الحريات للجميع في ساحة المجتمع المدني. أما نظام الحكم في هذه الدولة فهو النظام الديمقراطي حكماً، ولهذا أشكالٌ عديدة تنبغي مناقشتها بدقةٍ لمعرفة أيٍّ منها يوفّر أكبر قدرٍ من الحرية للجميع، مع استمرار إقرار الجميع بدولتهم الوطنية معبِّراً عنهم.

 

السؤال الرابع:
في سوريا على مدى أعوام ما قبل الثورة، لم نرَ كاتباً سياسياً، مستقلاً، حزبياً، مثقفاً، يكتب عن معاناة مجموعةٍ سوريةٍ إثنيةٍ، دينية، قومية، خارج المجموعة التي ينتمي إليها، برأيكم مٌنْ يتحمّل مسؤولية ذلك، أما آن الأوان لتجاوز فوبيا الحديث عن التنوّع الثقافي والقومي في سوريا؟

-أعتقد أنّ عدداً من المثقّفين والسياسيين العرب قد كتب بدءاً من عام 2000 كثيراً عن معاناة الكُرد السوريين، وتشاركوا معهم همومهم ومعاناتهم في آذار 2004 إبان انتفاضتهم، لكن يبقى هذا، بالطبع، قليلٌ قياساً بما هو مطلوب وضروري فعلاً. وفي اعتقادي، يتحمّل النظام السوري المسؤولية الكبرى في هذا الشأن لحرمانه السوريين، طوال عقودٍ، من معرفة بعضهم بعضاً، وتشارك همومهم ومشكلاتهم.

التنوّع القومي والثقافي حقيقة لا جدال فيها، وكذلك التشارك والتداخل القومي والثقافي حقيقة واضحة أيضاً، ويُفترض تناول هذه القضايا على أساسٍ وطني ديمقراطي من دون رهاب أو فوبيا، لكن أيضاً من دون تطرّفٍ وكراهيةٍ وانعزال، وعلى أساس رؤيةٍ وطنية ديمقراطية تنظر بصورةٍ متساوية إلى السوريين جميعهم، من دون تفاوتٍ أو مفاضلةٍ بينهم على أساس القومية أو الدين أو الطائفة… إلخ.

 

السؤال الخامس:
سوريا دولة متعدّدة القوميات والإثنيات، وهذه اللوحة بحاجةٍ إلى ضمان حقوق كافة المكوّنات السورية بعد عقودٍ من الاستعلاء والإقصاء على يد النظام الاستبدادي، والكُرد شعب أصيل من المكوّنات السورية…كيف تنظرون لحلّ القضية الكُردية في سوريا؟

– القضية الكُردية قضية وطنية سورية تخصّّ جميع السوريين، وليس الكُرد السوريين فحسب، وهذه نقطة مهمة وأساسية في مقاربتها والتفكير في حلّها؛ فمشكلة أيّ جماعةٍ سورية هي مشكلة كلّ السوريين، لذلك أعتقد أنّ حلّها يُفترض أن ينطلق من فكرة العلاقة المتكاملة بين الجزء والكلّ، ولهذه العلاقة حدّان، ما يعني أنه ينبغي الاقتناع بأنه لا يمكن للجزء أن يحلّ مشكلته الخاصة بعيداً من الكلّ، ولا يمكن للكلّ أن يكون أو يبقى سليماً معافى إنْ كان جزءٌ منه يعاني مشكلةً ما.

لذلك، في اعتقادي، لا تُحلّ القضية الكُردية من دون رؤيةٍ وطنية ديمقراطية؛ من جهةٍ أولى الاعتراف بالدولة الوطنية السورية معبراً عن الجميع ومرتكزاً لهم، ومن جهةٍ ثانية الإقرار بالتنوّع القومي، وبحرية القوميات في التعبير عن نفسها في ساحة المجتمع المدني، ومن جهةٍ ثالثة التأكيد على أهمية وضرورة النظام الديمقراطي اللامركزي الذي يأخذ في الحسبان خصوصيات المناطق الجغرافية السورية كلها، سكانياً واقتصادياً، خصوصاً من حيث الاهتمام بالمناطق التي تعرّضت للظلم والتهميش والإهمال.

السؤال الأخير:
التدخّل الدولي في سوريا يقلّل من فرص الحلول السياسية ويعمّق من أزمتها، في ضوء هذا هل تتوقّعون انسحاباً أمريكياً مفاجئاً من سوريا قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة؟

– أمريكا حاضرة دائماً سواءً انسحبت من المنطقة أم لم تنسحب؛ فأمربكا هي الدولة الأعظم في العالم، ولا أتوقّع حلّاً في سوريا من دون دورٍ أمريكي فاعلٍ، وعلى أقلّ تقديرٍ هي تستطيع عرقلة أيّ حلٍّ لا تراه متوافقاً معها، خصوصاً أنّ الحاسم في الحلّ، في اللحظة الراهنة، هو التوافق الدولي والإقليمي حول سوريا، للأسف.

إذا قرّرت أمريكا سحب أو إبقاء قواتها في سوريا، فقرارها مصدره الاعتبارات الأمريكية، الانتخابات أو غيرها، وليس المنطقة وأهلها، ولكن في الأحوال جميعها ستبقى فاعلة ومؤثّرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى