آراء
الحزب الكُردي الأول في سوريا.. وظروف نشوئه سوريا !
نزار موسى
بعد المخاض السياسي الذي أعقب حصول سوريا كدولةٍ على استقلالها , ومرورها بفترةٍ لم تخلُ من مساهمات الكُرد في المشاركة المعقولة في بناء مؤسسات هذا الوليد الجديد, وإقرار أول دستور في البلاد عام 1919, شعرت الطليعة الثورية الكُردية بضرورة وجود تنظيم كُردي سوري ينظّم ويقود الحراك الكُردي , ويعمل على المطالبة بالحقوق الكُردية ويحافظ على هوية هذا الشعب ووجوده على أرضه, فكان العام 1957 عام ولادة أول تنظيم كُردي باسم الحزب الديمقراطي الكُردي في سوريا في الرابع عشر من حزيران, بقيادة أوصمان صبري و د. نورالدين ظاظا ورفاقهم كمجموعة من المثقفين الكُرد الواعي لأهمية المرحلة , ولأهمية أنّ الدفاع عن الحقوق تكون عبرالتنظيم في إطر منظمة ذات فاعلية على الساحة السورية كي يتمّ إيلاء الشعب الكُردي وحقوقه القدر العادل من الاهتمام . في حقبة الستينات من القرن الماضي بعيد الولادة المذكورة كانت حافلة بالمصاعب والتحديات لهذا الحزب الكُردي , كتركة فك الارتباط بين سوريا ومصر, والإحصاء الجائر والذي بموجبه تمّ تجريد الآلاف من الكُرد من الجنسية السورية وحرمانهم بالتالي من أدنى حقوقهم في المواطنة 1962, وكذلك تسلّم البعث لمفاصل الدولة بفكره الإقصائي, حيث تمّ ملاحقة كوادر هذا التنظيم وزجهم في غيابات سجون رفض وجود الآخر. فلم يوفّر ذاك الفكر الشوفيني بقيادة البعض من المتعصّبين القومويين العرب أية فرصة لأي إجراء مساهم في تحجيم وإذابة تطلعات شعب, لطالما حلم بالمواطنة المتساوية والعيش الكريم واحترام خصوصيته القومية في إطار الدولة السورية. ولقد ظهرت آثار الممارسات المذكورة آنفاً جلياً من خلال ظهور بوادر تقسيمات في هذه الحركة التطلعية لدى الشعب الكُردي في سوريا, وكانت الظروف التي تلتها من تطبيقٍ للمشاريع التي اعتُمدت في المؤتمر القطري الثالث لحزب البعث عام 1966 تحدٍّ قاس, فزاد ذاك الاستهداف من عزيمة الحراك الكُردي لا بل وعزّز من الانتماء الوطني وكذلك القومي لديه في الفترة التي تلت ذلك, وعملت على الحفاظ على وجودها, كما وقاومت بدورها كلّ المحاولات التي تستهدفها بعزيمة وصبر, وقامت بتأطير نفسها مؤخرا في أطر كهيئة التنسيق والتحالف الديمقراطي و الجبهة الديمقراطية, إلى أن رست سفينة الحراك الكُردي في تأسيس المجلس الوطني الكُردي في سوريا عام 2011, كإطار كُردي في حقبة الموجة المتسارعة من المتغيرات الأخيرة والتي عصفت بالمنطقة ككلٍّ وسوريا على وجه الخصوص. الحركة الكُردية التي وضع أسسها قادة الحزب الكُردي الأول في سوريا , والتي واكب مسيرة سفينتها الأجيال المتعاقبة باتت بالتالي أمام مسؤوليات مستدامة حينها, في ظل افتقار المنطقة للمؤسسات التنويرية التعليمية وكذلك الخدمية, وحرمانها من البنية التحتية الضرورية للنهوض بالواقع العام للمنطقة الكُردية مقارنةً مع باقي المناطق السورية الأخرى , كما أنّ محاربة الهوية الكُردية من خلال لغتها , وكذلك التركيز في قطع أواصر ارتباط المواطن الكردي بجغرافيته عبر المرسوم 41 لعام 2004 والمعدل 49 لعام 2008, والتي كانت لها آثار وخيمة على الواقع الكُردي بعيد الانتفاضة الكُردية العارمة في قامشلو نتيجة لتبني الكُرد لفكر رعيل التنظيم الأول وحملهم لراية الكُردايتي. لا ننسى التجربة الكُردية في العراق والتي تعدّ الأكثر نجاحاً, أمام أعين قادة الحركة الكُردية في سوريا وتأثيرها في تنمية الروح الوطنية لديهم, واستفادتهم من تجاربهم الحية مع النظام البعثي هناك واستلهامهم معنوياً منها. أما نهج البارزاني الخالد ومدرسته الكُردية فكانت وبدون شك منبعاً ينهل منه الكُرد السوريون, ويرون في تلك القيم الكُردية الأصيلة سبيلاً فعالاً في نيل حقوقهم, وتأكيد لسلمية الكُرد أينما كانوا, واضعين أمامهم العيش المشترك الكريم مع باقي المكونات والشعوب المتعايشبن معهم مبدئا كُردياً أساسياً. هكذا خاض الكُرد في سوريا التجربة التنظيمية السياسية الأولى لهم , ووضعوا اللبنة الأساسية للحركة الكُردية , وبقيت تلك الذكرى خالدة في الوسط السياسي الكُردي وتستذكر سنوياً, وتقدّر روح المبادرة التي بادر بها المؤسسون لهذا التنظيم لما كان له وقع ولازال, هذا وقد كان المكون الكُردي في سوريا من أكثر المكونات تنظيماً على الساحة السياسية, وذلك ضمن تنظيمات كُردية فعلية, وهذا ما قد استشعرناه في بداية الثورة السورية عندما كان للمقارنة فرصة مع باقي المكونات السورية.