آراء

هل سنشهد مقاربة أمريكية جديدة مع كورد سوريا؟

فريدون قجو

عمدت الولايات المتحدة الأمريكية، منذ إعلانها دعم الكورد السوريين عسكرياً في محاربة تنظيم داعش, إلى السير قدماً في هذا الاتّجاه، والابتعاد دائماً عن أيّ اعترافٍ سياسي بمنطقةٍ غنية بالثروات طالما كانت النفوذ الأكبر لها على مستوى البلاد. والسؤال دوماً: لماذا تتبع أمريكا هذه السياسة، طالما هي باقية في المنطقة على المدى البعيد؟

وللحديث عن هذه السياسة، علينا أن نتذكّر طبيعة العلاقة مع الكورد بشكلٍ عام، وتحديداً العلاقة مع إقليم كوردستان العراق. إذ إنه في معظم المراحل تعاملت الولايات المتحدة مع الكورد في العراق على أنهم جزءٌ من العراق الموحّد، وذلك عبر فرضِ سياساتٍ معيّنة على الحكومة الكوردية هناك؛ والضغط عليها بالتعامل كيفما كان مع الحكومة المركزية العراقية, والابتعاد عن أيّ طموحٍ استقلالي.

ربّما يعود إلى أذهاننا أيضاً كيف كان الموقف الأمريكي سلبياً من إعلان “استفتاء الاستقلال” الذي جرى قبل عدة أعوام, حيث كانت الدبلوماسية الأمريكية واضحة بهذا الخصوص, من خلال الضغط على البارزاني بالتراجع عن إجراء أيّ استفتاءٍ يُحدث خللاً في تركيبة سياستها في العراق والمنطقة.

وهنا لابدّ من المقاربة بين تلك التجربة القديمة الحديثة والتحالف الأمريكي الجديد مع الكورد السوريين, إذ اتّبعت أمريكا السياسة نفسها في التعامل مع القوى الكوردية في سوريا؛ مع بعض الفروقات الطفيفة بين الحالتين، وبقيت داعمة للكورد في المجال العسكري فقط؛ مقتصرةً بذلك على محاربة الإرهاب, والإشارة من حينٍ لآخر إلى بقاءٍ طويل الأمد في المنطقة الكوردية؛ وهذا ما يضعنا أمام التكهّن والتفاؤل الحذر والمرهون بتطورات الأحداث في سوريا، فضلاً عن مدى جدية الولايات المتحدة.

وبطبيعة الحال، تعتمد السياسة الأمريكية على المصالح أولاً, إذ لا يعقل من دولة بهذا الحجم التفريط بسياستها وحلفائها في المنطقة لمجرد أن الكورد السوريين حلفاءٌ أقوياء في حربهم على الإرهاب, فالإرضاء التركي يحتلّ مكانةً عالية في السياسة الخارجية الأمريكية, باعتبار أن الطرفين تربطهما تحالفات قديمة لا يمكن الاستغناء عنها.

فالرئيس الحالي دونالد ترامب قالها بشكلٍ علني بأنه من الصعب التخلّي عن تركيا وإغضابها. وجميعكم رأيتم ما جاء في كتاب جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، الذي صدر مؤخراً عندما كشف عن فحوى المكالمة التي جرت بين ترامب وأردوغان وإعطائه الضوء الأخضر للتدخّل العسكري في بعض المناطق الكوردية.

بولتون لم يقف عند شخص الرئيس ترامب فقط، بل أشار إلى الدور السلبي الذي تقمّصه المبعوث الأمريكي الخاص بسوريا، جيمس جيفري، والذي لعب دوراً بارزاً على ما يبدو في تحريض وتشجيع الرئيس ترامب بالسماح لتركيا بالتدخّل العسكري في المناطق الكوردية على طول الحدود، منتقداً في كتابه حديث جيفري، عندما قال في مؤتمرٍ صحفي في آب 2019م: بأنه “لم تكن هناك محادثات مع الأتراك بشأن حماية الأكراد أو وقف الغزو، لأنهم لا يرون ذلك غزواً”. وبالفعل، وبعد شهرين فقط على هذا البيان، توغّل الجيش التركي مع الفصائل السورية الموالية له في منطقة تل أبيض ورأس العين, وحدث ما حدث.

وفي الكثير من الأحيان اعتدنا على أنه لا يوجد ثابتٌ مطلق في السياسة، وخصوصاً لدى دولة عظمى مثل أمريكا؛ تتحكّم بمفاصل المجريات في دول النزاع, فبالرغم من كلّ هذه الإرهاصات التي تعرّض لها الكورد نتيجة تلك الثوابت, يبقى هناك متغيّرٌ قريب يلوح في الأفق؛ قد يوحي ببصيصٍ من الأمل في تحقيق شيء ما للكورد السوريين, حيث أصبحت التهديدات التركية، بعد اجتياح تل أبيض ورأس العين، تشكّل خطراً جدياً على باقي المناطق وعلى مناطق النفوذ الأمريكية إن صحّ التعبير, ليأتي القرار الأمريكي منتفضاً على ما اتخذه ترامب من قراراتٍ خاطئة بهذا الشأن، وكذلك الحدّ من تمدّد تركيا.

تلك الآمال جاءت مؤخّراً حينما دعت الولايات المتحدة، بالتنسيق مع مبادرة مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، كلاً من المجلس الوطني الكوردي وحركة المجتمع الديمقراطي إلى ضرورة إجراء لقاءات بين الطرفين؛ بغية التوصل إلى اتفاقٍ شامل لأجل إدارة المنطقة, ومن ثم الوقوف إلى جانب قضيتهم في المحافل الدولية, ما قد يحدُّ من تذرّعات تركيا، في كل مناسبةٍ، بأنّ هناك طرفاً واحداً يحكم المنطقة، ويجب محاربته والقضاء عليه.

وبالفعل تمكّنت الدبلوماسية الأمريكية من الضغط على الطرفين؛ بإجراء مفاوضات ماراثونية، تمخّض عنها الاتفاق على وثيقة مبادئ سياسية لمستقبل سوريا، والمنطقة الكوردية، والموقف الواضح من النظام السوري ودول الجوار, الأمر الذي يجعلنا نتبيّن ونتلمّس نوعاً ما من الجدية النسبية لأمريكا في كيفية التعامل مع التطورات المتسارعة التي تمرّ بها البلاد والمنطقة الكوردية.

انطلاقاً من هذه التحركات الجديدة، التي باشرت بها الولايات المتحدة, يمكننا القول بأنّ المتغيَّر في سياساتها تجاه الكورد في سوريا بدأ يأخذ منحى التحوّل, تزامناً مع الوقوف والإشراف العملي على المفاوضات الجارية حالياً بين طرفي السياسة الكوردية, ما يشير إلى دخول أمريكا في عمق السياسة الكوردية والبحث عن موطئ قدم لها، لأمد طويل، في سوريا, ما يعني ذلك فتح بوابةٍ إلى الداخل السوري، بطريقةٍ أخرى؛ عن طريق الكورد…

ترى هل سيكون تعامل الولايات المتحدة بهذا الشكل العلني، سياسياً، مع الكورد السوريين، ولأول مرة، عبارةً عن مقاربة جديدة مع كورد سوريا؟

 

مركز آسو للدراسات الاستراتيجية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى