الإقتصادي والسياسي السوري الدكتور سمير العيطة في حوار مع جريدة يكيتي
Yekiti Media
للأكاديمي والإعلامي المخضرم د. سمير العيطة حضوره الدائم في مجالات متنوعة وان حاول التأطر في نطاق الجغرافية السورية ، ويسجل له تسخيره ليست لطاقاته فقط بقدر ما سعى الى فتح صفحات كبريات الصحف العالمية وجعل من بعضها منصة كان فيها حضور لكل سوريا ومكوناتها مثلما فعل مع النسخة العربية للوموند ديبلومات ، ونسجل له – كرديا – أنه بتوفير فرصة نشر دراسة د. محمد جمال باروت – الموسع فيها كأول إطلالة عربية سعت – نسبيا – الوصول الى مقاربة حول موضوع الإحصاء الشوفيني وغاياته الحقيقية ، يضاف الى ذلك ايضا دراسته الإستباقية التي تعود الى ماقبل الثورة السورية حول طرح أنموذج الأقاليم وان اتخذها بمنهجية اقتصادية مقاربة للجغرافية وايضا الإقتصادية .. د . سمير العيطة كانت لجريدتنا ( يكيتي ) فرصة جيدة للحوار مع القامة الأكاديمية والذي منحنا مشكورا بعضا من وقته والإجابة على اسئلتنا …..
س1 – في سوريا، وعلى مدى أعوام ما قبل الثورة، لم نرَ َ كاتباً سياسياً، مستقلّاً أو حزبياً، أو مثقفاً سورياً، يكتب عن معاناة مجموعةٍ سوريةٍ إثنيةٍ، دينيةٍ أو طائفيةٍ أو قوميةٍ، خارج المجموعة التي ينتمي إليها ( إلّا ما ندر )
برأيكم، مَنْ يتحمّل مسؤولية ذلك التقاعس، وما السبيل لتجاوزه؟
شكراً لكم على الاستضافة على صفحتكم . هذا الأمر يذكّرني يوم زرت القامشلي في نوروز 2010 والتقيت بكم كما بكافّة الأحزاب الفاعلة في المنطقة، واحتفينا سويّةً بالنوروز وابتهاجاته. هذا بالرغم من تهديد السلطة حينها بعدم الحضور . المهمّ … إن شاء الله نحتفي سويّةً بنوروز ، بعيد ربيعِ الحريّة والكرامة في جميع أنحاء سوريا قريباً.
أمّا بالنسبة للسؤال، فمن وجهة نظريّ يجب أن تكون المقاربة بطريقةٍ مختلفة. من ناحيةٍ ، كان السوريّون حينها ربّما أفضلَ ممّّا هم عليه اليومَ. كانوا بجميع اتجاهاتهم السياسيّة يقاربون هكذا مواضيع من منطلق المواطنة المتساوية وليس من منطلق المجموعات الأثنية والدينيّة والطائفيّة أو القوميّة. لم يكونوا يتحدّثون عن “مكوّنات” على خلاف اللبنانيين مثلاً. أمّا اليوم، فقد باتوا يتحدّثون عن أغلبيّةٍ وأقليّات ومكوّنات على عكس ما عمل عليه الآباء المؤسّسون للدولة السوريّة حين رفعوا مثلاً شعار “الدين لله والوطن للجميع”.
ومن ناحيةٍ أخرى، إذا كان السؤال هو عن تعرّض مجتمعاتٍ معيّنة لظلمٍ من الدولة، بمعنى عدم مساواتهم مع بقيّة المواطنين. فإنّني قرأت قبل الانتفاضة السوريّة في 2011 للكثير من الكُتّاب والسياسيين السوريين عن ظلم الدولة في رفضها الاعتراف بالجنسيّة السوريّة منذ 1962 لشريحةٍ هامّةٍ من سكّان شمال شرق البلاد رغم أنّهم هم أبناء هذه المنطقة ولِدوا وعاشوا فيها وأحيوها. وما كان للسلطة أن تعترف بذلك في الأشهر الأولى للانتفاضة لولا المطالبات الحثيثة من أطيافٍٍ واسعة من المجتمع السوري. كما قرأت الكثير عن أحداث 2004 وكيف تمّ استخدام شجارٍ أثناء لعبة كرة قدمٍ بغية شحنٍ فئوي بغيضٍ في فترة عاش فيها أبناء محافظات الجزيرة كارثةً اقتصادية-اجتماعيّة من جرّاء السياسات الأولى التي اتّبعها بشار الأسد. سياسات أدّت إلى هجرة كثيرٍ من أبناء تلك المناطق بحثاً عن لقمة عيشٍٍ كريمة. هكذا تمّ تدريجيّاً تحويل الغضب الشعبي ضدّ سياسات السلطة إلى نزاعٍ طائفيّ قوميّ، تفاقمت آثاره خلال الحرب.
أمّا إذا كان السؤال الجوهريّ هو عن تجاوز التقوقع الطائفيّ القوميّ، فلا بديل عن المواطنة المتساوية والحريّات في ظلّ دولةٍ عادلة تحمي الجميع دون تمييزٍ . هذا ما يجب أن نعمل عليه جميعنا للخروج من الكارثة القائمة التي يعاني منها الجميع.
س2- المعارضة السورية لم تتجاوز حالة انقسامها السياسي والعسكري منذ بدء الثورة وتعدّدت أطُرها ومنصّاتها… برأيكم دكتور ما هو السبيل للخروج من هذه الأزمة ؟ وأيّ مستقبلٍ ينتظره السوريون في ظلّ تجاذبات ومقاربات عدّةٍ بين الدول المؤثّرة في الملفّ السوري وغياب، لا بل تجميد، عمل اللجنة الدستورية والعملية التفاوضية برمّتها ؟
كان الحراك الثوريّ السوري انتفاضةً شعبيّة ضدّ سلطةٍ قائمة، ولم يكن للأحزاب السياسيّة أيّ دورٍ حقيقيّ فيه. لكن كي يتحوّل لثورةٍ كان لا بدّ من أن يكون له تأطير سياسيّ، عندها انخرطت الأحزاب. ذلك رغم معرفتها جيّداً أنّها جميعاً ضعيفة وأنّ توحّدها هو وحده الكفيل بتحقيق الأهداف. تركّز الخلاف بين الأحزاب المعنيّة حول ثلاث نقاط جوهريّة: التدخّل الخارجيّ وعسكرة الانتفاضة وأهمّ من ذلك هدف الانتفاضة والثورة، أي تبنّي عقدٍ جامعٍ لكلّ السوريّين حول دولة مدنيّة ديموقراطيّة. وأنتم تعلمون جيّداً الجهد الكبير الذي بُذِلَ لتوحيد صفّ المعارضة حول عهدٍ وطنيّ انطلاقاً من مبادرة كوفي عنان في 2012. جهدٌ للتحضير والوصول إلى التوقيع ثمّ الجهد خلال المؤتمر الذي عُقد في القاهرة في تموز 2012. وربّما تذكرون الاجتماع الجانبيّ مع جميع الأحزاب الكُرديّة بعد الإشكال المفتعَل خارجيّاً لتفجير المؤتمر وكيف حاولنا، الأستاذ عبد الحميد درويش، رحمه الله، وأنا – رغم أنني لا أنطق اللغة الكُرديّة للأسف – لرأب الصدع في الاجتماع الذي ضمّ جميع الأحزاب الكُرديّة. وقد أتى اغتيال خليّة الأزمة التي كان التفاوض السياسيّ قائماً معها ودخول “جيش التوحيد” في المشهد بعد شهرٍ من إفشال هذا المؤتمر لأخذ سوريا إلى الحرب الأهليّة رغم التوافق الدوليّ الذي سمِي منذ حينها جنيف 1.
اليوم وبعد سنواتٍ طويلة من الحرب والدمار، لا يُمكن مقاربة الأمور على أساس أنّ هناك فقط سلطة ومعارضة فقط. إذ ليس بين هؤلاء برأيي مَن يملك قراره. لدينا بلدٌ مقسّم إلى ثلاث (أو أربع) مناطق. القرار في كلّ من هذه المناطق للقوّة الأجنبيّة التي تهيمن عليها وليس للسوريين الذين يتواجدون فيها. إنّه لروسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة.
فما معنى عملية جنيف الدستوريّة في هذه الأوضاع؟
وما أقصى ما يمكن أن تصل إليه؟
دستورٌ ستتجاذب عليه أطراف “المعارضة” بشكلٍ كبير، كما في القاهرة عام 2012، قبل أن “تتفاوض” مع السلطة. كدور الدين في الدولة أو اللامركزيّة كأمثلة. هذه ليست مواضيع سهلة خاصّة في ظلّ الحرب والتفرقة التي أحدثتها القوى الخارجيّة وتدخّلاتها.
واللافت اليوم أكثر أنّ الأمور التي تجري داخل قوى ما يسمّى “المعارضة”، أي الائتلاف وهيئة التفاوض والمنصّات، لا يدلّ على أنّ شيئاً في هذه القوى يمكن أن يأخذ إلى منظومة حكم قادرة ومسؤولة تحمل سوريا وشعبها في مرحلةٍ انتقاليّة. فمثلها مثل السلطة القائمة، فقدت هذه المسميات أيّ تأييدٍ شعبيّ، حتّى في أوساط المعارضة، فما بالك فيما يخصُّ جميع السوريين.
س3- ما شكل الدولة، الذي تراه أنسب لسوريا المستقبل، بعد عقودٍ من الاستئثار و التهميش، التي تسبّبت في تغييب الهوية الوطنية السورية؟ .
بالطبع المبتغى هو دولة مدنيّة ديمقراطيّة، أو بالأحرى دولة مواطنة متساوية وحريّات. ولكنّ السبيل للوصول إلى هذه الدولة أضحى مساراً مليئاً بالعثرات، فالبلد واقتصاده مدمّر، وأمراء الحرب ومقاتلوه يعيثون فساداً على جميع الأطراف، والسوريّون يتضوّرون جوعاً. لا بدَّ من سلطةٍ قادرة للمرحلة الانتقالية، تتعامل مع القوى الخارجيّة باستقلاليّةٍ، تعمل من أجل هذا المُبتغى وتعيد بناء الثقة والدولة و مؤسساتها وتكافح أمراء الحرب.
وإذا كان قصد سؤالك هو عن موقفي من اللامركزيّة. فأنا أعارض حتّى قبل 2011 المركزيّة المفرطة القائمة، التي يمكن أن تفسَّر تاريخيّاً لأنّ سوريا قامت ضدّ تقسيم الانتداب إلى دويلات. وفي المقابل لا أرى جدوى في أنماط اللامركزيّة التي قامت في الشمال الغربي والشرقي على السواء. إذ لا معنى لمقولة إعادة بناء سوريا من الأسفل إلى الأعلى، لأنّها تخفي سلطة الأمر الواقع القائمة في أعلى الهرم وسوريا لا يمكن أن تعيش اقتصادياً واجتماعياً دون تكامل مناطقها. هناك إذاً توازن يجب إيجاده بين ضرورة وجود دولةٍ مركزيّة قادرةٍ وعادلةٍ وبين حقّ المجتمعات في مختلف المدن والمناطق أن تدير شؤونها المحليّة وأن تضع أولويّاتها. وهذا الأمر الأخير ضروريّ في سياق الخروج من الحرب ومعالجة مخلّفاتها من نزوحٍ وهجرةٍ ودمارٍ.
س4- سوريا دولة متعدّدة القوميات والاثنيات وتتمتّع بفسيفساء مكوناتي، والكُرد جزء من المكوّنات الأصيلة والتي مورس بحقّها سياسات عنصرية وتمييزية من قبل نظام البعث الشوفيني. طبعاً الشعب السوري برمّته نال نصيبه من هذا الغبن ، والنظام الاستبدادي استغلّ ( ورقة المكونات )…برأيكم ماهو المخرج لترسيخ مفهوم الانتماء بدلاً من الاغتراب ؟
السلطة القائمة ظلمت جميع السوريين، ولعبت كما كلّّ السلطات الاستبداديّة على سياسة “فرّق تسُد”. صحيحٌ أنّ شعب سوريا يحمل في ذاكراته الجمعيّة مستوياتٍ متعدّّدة من الهويّات، القوميّة والمذهبيّة والمناطقيّة. ولا معنى، برأيي، لتعبير “مكوّنات”، لأنّ كلّ سوريٍ له مستويات متعدّدة من الهويّة نتيجة إرثه العائليّ و التاريخيّ والمناطقيّ.
اسألوا أيّ سوريٍ اليومَ كيف يرتّب هويّاته المتعدّدة هذه؟ خاصّةً في ظلّ الحرب. كم منهم يضعون هويّتهم السوريّة في المرتبة الأعلى؟ قبل تلك المذهبيّة أو القوميّة. هناك مهمّة كبيرة لجميع الأحزاب السياسيّة والمجتمع المدنيّ لإعادة وضع الهويّة السوريّة في المرتبة الأعلى، فوق أيّة هويّةٍ أخرى. وهناك مهمّة فائقة الصعوبة لمنظومة الحكم الانتقالي كي تُبرهِن أنّ الدولة السوريّة هي دولة جميع المواطنين المتساويين حُكماً، لا أغلبيّةَ فيهم ولا أقليّة أو أقليّات، ولا حتّى ما تتمّ تسميته “مكوّنات”، مع احترام إرث الهويّات المتعدّدة.