آراء

نداء للبعض من الكتاب العرب في المنطقة الكوردية-سوريا

د.محمود عباس

موجه بشكل خاص للشريحة، التي احتضنت داعش وتألمت لزوالها، والأقلام التي لا تزال تتغذى بمفاهيم البعث، والمجموعات التي تعمل على تكريس الحقد بين الشعبين الكوردي والعربي، من خلال منشوراتها ودراساتها المغرضة، حول ديمغرافية المنطقة الكوردية في الجزيرة؛ محافظة الحسكة-سوريا حصراً، وحق الكورد وقضيتهم وتاريخهم وجغرافيتهم، أن يحاولوا التحرر من الثقافة العنصرية المبتلية بها شرقنا، والتي فاقمت فيها البعث وأشباهه، وفيما بعد الأحزاب العروبية الإسلامية، نأمل أن يبحثوا في قضايا تعيد للشعب السوري إنسانيته وكرامته، ويعملوا على كيفية تحرير الأجزاء السورية المحتلة؛ تركيا وإيرانيا، ونتمنى أن يعيدوا النظر في ثقافتهم ومدارس تاريخهم، وفي الأفكار المشوهة التي يروجونها بين أبناء القبائل الأصيلة بعروبتها، والمؤدية إلى تدميرها ثقافة ووعيا، وبالتالي تزيد من نسبة الشريحة الحاقدة بينهم على المكونات السورية الأخرى، وخاصة تجاه الشعب الكوردي.

فكما نرى أن تأثير الوطنيين الواعيين من رواد هذه القبائل، تكاد لا تجدي نفعا أمام ما يبثه أيتام البعث من الأوبئة الفكرية، وما تنشره مجموعة من الكتاب والمثقفين من أبناء المنطقة الموائمين؛ الملتقطين ما ترميها لهم سلطة بشار الأسد، أو قوى من خارج المنطقة، لذا نود أن نذكرهم أن ما عانته أبناء القبائل العربية خلال القرنين الماضيين، من أنظمتها بلغت حد الدمار الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي، وبالتالي فالاستمرار على نشر الثقافة ذاتها، وبأساليب مختلفة، وتصعيد الحقد المغروز أصلا في المنطقة، سوف تزيد من معاناة تلك القبائل وستعمق من الكراهية بينها وبالتالي ستفاقم من دمار المنطقة.

 بالإمكان إبراز الذات بين المجتمع، وخلق أسم على الساحة، وعلى الأغلب هذا هو مطلب البعض من الكتاب المروجين للأحقاد، القيام بأعمال وطنية، ونشر روح التآلف والأخوة بين أبناء الجزيرة، وكتابة تاريخ الجزيرة بمصداقية، ومحاولة تخفيف الصراع بين العرب والكورد، فمن واجبهم إنقاذ ذاتهم وقبائلهم من احتلال الأنظمة الشمولية التي أعاشتهم كالموالي، وأجبرتهم على: اجترار فتاتها؛ وخدمتها كالعبيد؛ وتطبيق ما أملي عليهم بدون نقاش.

  إن كانت لا تزال هناك ترسبات من الوطنية فيهم، فعوضا عن نشر الدراسات المغرضة؛ لتوسيع الكراهية بين الكورد والعرب، عليهم أن يبينوا للأجيال القادمة كيف عيشت الأنظمة العروبية قبائلهم ضمن مستنقع الأحقاد، ليس فقط تجاه الشعب الكوردي، بل تجاه بعضهم البعض، الطي ضد الشمر، والرولة ضد الطي، والعبيدات ضد العكيدات، والجبور ضد الشمر، وأبو عاصي ضد الجوالة وهكذا، وكل ذلك لتتمكن السلطات، المدعية بالعروبة، التحكم بهم وتسخيرهم حسب أجنداتها، فليذكرني هؤلاء الكتاب المرتزقة أسم وزير أو مسؤول كبير من أبناء هذه القبائل حكموا في دمشق؟

 حاورنا السلطات العروبية المتعاقبة، ومثلها المكون العربي في الجزيرة، وشريحة واسعة من رواد القبائل المذكورة المتفهمة للواقع، بشكل مباشر أو غير مباشر، عن طريق التعامل اليومي، أو الحوارات الجماعية أو الفردية، أن العيش المشترك، بأبعادها الوطنية هي غايتنا، وبينا أن سيطرة الأنظمة العروبية على منطقتنا وعلى مدى قرن من الزمن، دمرت منطقتنا، وشوهت وحرفت تاريخ القبائل العربية قبل التاريخ الكوردي، وبثت الكراهية بقدر ما تمكنت منه، وهجرت الشعب الكوردي على فترات متتالية وبأساليب متعددة، وبالمقابل استوطنت مكانهم المكون العربي بالقوة، ورغم كل ما أبداه الشعب الكوردي من التألف وروح التسامح للقادمين من العرب إلى المنطقة، إلا أننا لم نتمكن من تلطيف ذهنية السلطات وأدواتها من الكتاب العرب، وتغيير المفاهيم التي غرزتها البعث وسابقاتها من الحركات العنصرية، ورغم كل النداءات الوطنية، وصراعنا من أجل تعزيز ثقافة الأخوة بيننا، حتى قبل أن ينطمر البعث وبعده، أستمرت الكراهية، ولا تزال تستشرى بمعية مجموعة من الكتاب الطامحين إلى الشهرة، بينهم من مهدوا لمنظمة داعش بالانتشار بين شريحة من القبائل العربية في المنطقة، وكان دافعهم ذو بعدين، عداء الكورد، وإحياء وباء العروبة على عتبات الإسلام.

 تنويه للقبائل العربية في المنطقة الكوردية:

 أن ما تبثه شريحة واسعة من أيتام البعث، وفي مقدمتهم كتاب، يدعون الوطنية، من دراسات حول الديمغرافية الكوردية والعربية في منطقة الجزيرة، بين فينة وأخرى، وإعادة نشر التاريخ المحرف للقبائل العربية وخلفيات تواجدها في المنطقة الكوردية، إن كانت عن قناعة أو بإملاءات من البعث وتركيا، ومحاولاتهم تسخير  بعض الكتاب والمثقفين العرب لتغيير مدارك الوطنيين من رواد القبائل العربية الأصيلة، وتحشيدهم للعامة من أبناء المنطقة ضد الشعب الكوردي، جريمة بحق القبائل العربية، فهؤلاء يزيدون من الوباء الفكري بينهم، ويعمقون من تشويه تاريخهم، وخاصة تاريخ القبائل العربية الأصيلة، كالشمر والطي والرولة، والعكيدات وفروعهم، كالجبور والعبيدات، وأبو العاص، والجوالة، وغيرهم الذي سكنوا جنوب وغرب جغرافية كوردستان، وعلى مراحل متتالية، فهذا العبث بالتاريخ المشوه أصلا من قبل السلطات العروبية السابقة، لا تخدم الأمة العربية، ولا القبائل العربية في الجزيرة، وخير أثبات عليه، ملاحظة أن معظم الذين يغررون بهم، ويقنعوهم بأفكارهم العنصرية، هم شريحة البسطاء من الناس، إلى جانب مجموعة ترتزق منها، فتشكل حولها شرائح لدعمها، ولا شك هؤلاء لن يتوانوا من تدمير القبيلة من أجل مصالحها.   

 ومن المؤسف، أنه لم يجدي نفعا، كل محاولاتنا السابقة، من النداءات الوطنية إلى الحوارات الأخوية، مع الأقلام المأجورة، فكان لا بد من هذا النداء، للعنصريين من الكتاب العرب، لأن الوطنيون لا يحتاجون إلى مثله، لكونهم أوعى من أن يسقطوا في الخيانة ويمتثلوا للإملاءات الخارجية أو لمفاهيم البعث.

 فنعيدها لأولئك الذين لا يتوانون ما بين فترة وأخرى من إعادة بث نفس المفاهيم التي تخلق الكراهية وتزيد من الصراع بين الشعبين الكوردي والعربي، علها تستيقظ، وتتحرر من الوباء المبتلى به، وتعمل على توعية مجتمعها وتعيد كتابة تاريخ القبائل المتواجدة في المنطقة الكوردية بمصداقية، ليس فقط في الجزيرة، بل وفي الباب وجرابلس وإعزاز والرقة، وغيرها من المناطق، وهجراتها بشفافية، ليعيد أمجاد قبائلهم أيام كانت عليه في الجزيرة العربية، ويعرف الأجيال الجديدة بمنابعها الأصيلة. فعلى المنطق الذي يتم تدريسه وتحليله وبثه، بالإمكان القول إن من يطالب بالحقوق الفلسطينية في دولة إلى جانب إسرائيل يجرم بالمنطق والحقيقة، فهل القوة والديمغرافية المبنية على التوطين والتهجير هي التي تحدد الهوية، ونحن هنا لسنا بواقع سرد تاريخ اليهود، أو تكذيب النصوص الإلهية، فالأمثال التي تدحض المطروح عديدة. الغاية أكثر من معروفة، والداعمون لنشرها واضحون، والارتزاق أكثر من واضح.

دروس من التاريخ

 لا يهمنا البحث ودراسة الحاضر، لكن من الأهم عدم نسيان تاريخ أربعة عشرة قرنا من الاحتلال العربي الإسلامي للمنطقة، فيما بين الإيمان بالإسلام والاحتلال العربي مسافات كونية، رافقتها عمليات متواصلة من التهجير القسري للشعب الكوردي، مع تشريع الأبواب للقبائل العربية للتمدد ضمن جغرافيتهم، ومن ثم العمل لتحضيرهم وعلى مدى عقود طويلة، ونحن هنا لا نتحدث عن مسيرة قرون من الاضطهاد بكل أنواعه، والتمييز العنصري وما رافقته من قضايا لا إنسانية، بل نود التذكير بما كتبناه وكتبه العديد من المؤرخين، ليس عن الغمريين المتوسعة مستوطناتهم من 45 إلى اكثر من 150 مستوطنة تم غرزها في المنطقة الكوردية، وبعدد سكان يتجاوزن الأن النصف مليون، ولا عن المهجرين قسرا بسبب الحرب الأهلية في سوريا، والذين نسبتهم في المنطقة الكوردية تقترب من المليون والنصف، وتم احتضانهم وحمايتهم من قبل الشعب الكوردي والإدارة الذاتية، وجلهم أبناء الداخل الهاربين من السلطة والمعارضة التكفيرية المسلحة، أو من داعش من أبناء الرقة ودير الزور، بل نذكر هؤلاء الباحثين، بما فعلته مشاريع الإصلاح الزراعي، وليس المشروع بحد ذاته، بل بما كان يطمر للكورد من خلفه، وما تلاه من القرارات والمراسيم والقوانين الاستثنائية والتي تتجاوز العد، وجميعها كانت موجهة لإفقار الشعب الكوردي اقتصاديا، وتدميرهم سياسيا، ومن ثم تهجيرهم، والأساليب كانت متنوعة، وفيما بعد توطين العرب مكانهم، أو لنقل فتح الأبواب للتمدد العربي في المنطقة الكوردية.

  ومن حيث التاريخ القريب وليس البعيد، أضحل مؤرخ يعرف إشكاليات ثورة حائل في شمال شبه الجزيرة العربية في بدايات القرن الماضي، والهجرات التي تمت بعدها، وأبسط مؤرخ عربي يعرف جغرافية الطي والقبائل العربية الأخرى الساكنة اليوم في المنطقة الكوردية، ومن أين قدمت إلى الجزيرة ومتى، فهل لنا أن نكذب أحاديث الرسول الكريم والصحابة بذكر عشيرة الطي على سبيل المثال، وإسلامها، معاذ الله، لكن تحريفها من قبل الكتاب العروبيين، هي التي يجب أن يتم البحث فيها، ومحاسبة الطاعنين في أقوال الصحابة والتاريخ العربي.

خلفية النداء

 ما يبثه الحاقدون، والمختفون تحت عباءة الوطنية، حول الواقع الديمغرافي في الجزيرة، والمنطقة الكوردية بشكل عام، لا يغير من الحقائق شيئا، فالكورد يقيمون على أرضهم التاريخية، وهي جغرافيتهم، وستظل رغم كل التهجير، والتغيير الديمغرافي.

  الجزيرة كوردستانية، تديرها قوة كوردية مع المكونات الأخرى من أبناء المنطقة، بغض النظر عن الأخطاء، وهي التي أنقذت المجتمع من كارثة داعش، وربما البعث سيلحقه، تحتضن قرابة 70% من جميع ثروات سوريا الطبيعية، وكانت أفقرها على مدى قرن من الزمن، وفي البعد السياسي وفي حال تم التوافق الكوردي الكوردي، ستقود سوريا إلى الحل الأمثل لقادمها، ولكن كعويل على مقبرة النظام، والإحساس بنهاية سيادة العروبة، تظهر الشريحة المنوهة بسفاهتها ودراساتها الكيدية. مع ذلك سيظل الشعب الكوردي متمسكاً بمبدأ الأخوة مع القبائل العربية الأصيلة، والعيش معا ضمن فيدرالية كوردستانية، تحتضن الجميع، ضمن الوطن السوري، ونداؤنا لهم أن يضعوا حدا: للأقلام العروبية المرتزقة، وكتابهم المغرضين الذين خسروا مصداقيتهم، وتنبيه المثقفين الذين يكرسون الكراهية بين القبائل العربية قبل بثها بين الكورد والعرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى