حق الشعوب في تقرير مصيرها والمسألة الكردية في سورية (4 – 1)
عبد الله تركماني
4-1: أهم المخاطر المحدقة بوحدة سورية وكيفيات التعاطي المجدي معها
ليس هناك شك في أنّ تسع سنوات ونيّف من الحرب الدموية زعزعت المجتمع السوري، ومزقت نسيجه الوطني، وعمقت المخاوف وعدم الثقة المتبادلة بين جميع المكوّنات الاجتماعية، بما في ذلك داخل الطائفة والجماعة الواحدة، وليس بينها فحسب.
ثمة مخاطر عديدة تهدد وحدة سورية، إذ يمكن أن تتفكك بفعل انهيار الدولة المركزية وتشكّل دويلات وإمارات ومناطق منعزلة، فقد بدأت تتسرب دعوات إلى تشكيل أقاليم إدارية: إقليم جنوب سورية (القنيطرة ودرعا والسويداء)، إقليم دمشق وريفها، إقليم المنطقة الوسطى (حمص وحماة)، إقليم الساحل السوري (اللاذقية وطرطوس)، إقليم الشمال السوري (حلب وإدلب)، إقليم الجزيرة (دير الزور والرقة والحسكة).
ويبدو أننا أحوج ما نكون لإعادة رسم الخريطة الإدارية السورية، التي تساعدنا على تحاشي اشتراط البعض لنصوص دستورية أو قانونية تشكل ألغامًا يمكنها أن تنفجر بأي لحظة. فعندما تضمن المكوّنات تمثيلها في مناطق توزعها على الجغرافيا السورية، فإنها ستقوم من خلال الممارسة الديمقراطية بانتخاب ممثلين لها وفقًا لأسس المصلحة العامة والكفاءة والفاعلية والمردودية، وهذا هو جوهر النظام الديمقراطي الذي تقوم عليه الدول.
ذلك لأنّ التوزع الجغرافي للمكوّنات السورية، وعدم توفّر وحدة الأرض لأي منها، تحصر مفهوم ” حق تقرير المصير ” بحقوق المواطنة الكاملة، دون أي تمييز قومي أو ديني أو مذهبي، بما فيها الحقوق الثقافية لكل منها.
ولكنّ ذلك لا يعني أنّ سورية لا يمكن أن تتفجر وتنقسم، بل كثر الحديث، منذ أواسط عام 2015، عن تقسيم سورية. واليوم يكاد موضوع تقسيمها حديث الساعة في الإعلام والديبلوماسية الدولية، لكن كثرة الحديث ليس بسبب الحرب الأهلية التي دفعتها إليها طغمتها الحاكمة وحلفاؤها، ولا هشاشة بنيانها ونسيجها الوطني، ولا نتيجة قرار أحد أمراء الحرب، مهما كانت قوته العسكرية، وإنما إذا قرر المجتمع الدولي والأطراف النافذة فيه تقسيمها.
ومن الواضح أنّ مثل هذا القرار لم يتخذ بعد لدى أية دولة كبرى، لكن فرضية التقسيم، باسم الفيدرالية أحيانا، تزداد تواترًا في الأوساط الديبلوماسية الغربية، وتبدو وكأنها الخيار الوحيد المطروح لوقف العنف وبسط السلام والأمن. وهي، في الواقع ” ليست فرضية ولا تنطوي على أي خيار، وإنما تشكل طريقًا للهرب من استحقاق الحرية والديمقراطية والمواطنة لجميع السوريين، واستبداله بإرضاءات رمزية لتطلعات هوياتية وهمية، وهي خداع من المجتمع الدولي، للتغطية على فشل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتأكيد من الدول الكبرى المتنازعة على استهتارها بالمواثيق الدولية، واستعدادها الدائم للإخلال بالتزاماته، وإمعانها في إخضاع مصير سورية وشعبها لأجندة صراعات المصالح الدولية” (1).
ولا شك أنّ شروط تأسيس الكيانات وصيرورة تطورها وضمان استمرارها مسألة أعقد من أن تتم وفقًا لاعتبارات عاطفية، بل هي تخضع لحسابات عقلانية تدخل في إطارها المصالح الاقتصادية والواقع الجغرافي للكيان وحدود التداخل والتخارج مع الأقاليم الأخرى، ولا يعني ذلك عدم حصول عمليات فصل ذات طابع مغامر، وتتحدى كل معايير انشاء الكيانات الواقعية وتصنع عنوة مسارات خاصة بها، لكن هذه التجارب إما أن لا يطول بقاؤها كثيرًا على هذه الحالة، ولا تلبث أن تجبرها الظروف على العودة للبحث عن صيغة جديدة للوصل والتواصل، كما هو حال جنوب السودان، أو أنها تبقى في وضعية العجز والتشوّه من دون القدرة على تجاوزه، بدءًا من قدرتها على تظهير هويتها الخاصة وصولًا الى عجزها عن تطوير أوضاعها السياسية والاقتصادية.
ولا تخرج سورية عن هذا التوصيف ” كونها إقليمًا جغرافيًا تتداخل ديموغرافيته بشكل معقّد، وتمتزج مكوّناته في إطار ثقافي وهوياتي واحد، رغم اختلاف بعض التفاصيل الصغيرة. وحتى في المجال السياسي، ثمة فارق كبير بين تأييد طرف ما في الصراع وبين تأييد فكرة الانفصال. والحال أنّ السوريين وقعوا ضحية الافتقار لمشاريع سياسية تخرجهم من الأزمة أكثر من انشدادهم للانفصال وتأييده” (2).
وفي هذا السياق لا بدّ من ملاحظة التقارير الثلاثة لمؤسسة راند الأميركية، الصادرة في المدّة من كانون الأول/ ديسمبر 2015 وشباط/ فبراير 2017، حول ” خطة سلام لأجل سورية ” (3)، والداعية إلى ” ضرورة إقامة مناطق آمنة مقترنة بضمانات خارجية لتثبيت آلية وقف إطلاق النار “، و” اللامركزية أصلح نموذج للحكم في سورية المستقبلية “، و” أنّ التطورات الأخيرة في سورية والمنطقة بما في ذلك اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي رعته روسيا وإيران وتركيا سيفتح الآفاق لوقف إطلاق النار على أساس وطني متفق عليه، وهو ما سيفرز مناطق سيطرة تدعمها قوى خارجية”.
ويبدو أنّ توصيفات مؤسسة راند قدمت لإدارة ترامب فُرصًا للانخراط في المسألة السورية على قاعدة ” تبقى احتمالات الانتقال السياسي الشامل في سورية فقيرة، لكن هناك فرصة لإحراز تقدم حقيقي إذا ما عمدت إلى التركيز على حل نهائي واقعي وقابل للتحقيق. قوامه: دولة سورية لا مركزية تستند إلى المناطق الإقليمية المتفق عليها، والمعترف بها والمدعومة من الشركاء الخارجيين “. ويمكن أن تكون النتيجة على صورة إنتاج مناطق آمنة في شرقي البلاد ” تضم ثلاثة تجمعات تحت السيطرة الكردية، ومحافظة الرقة تحت الإدارة الدولية، وجميعها تحظى بدرجة من حماية الولايات المتحدة، أو حماية دولية أوسع” (4).
وقد ناقشت مقاربات ” راند ” كيفيات إعادة إعمار مبنية على أساس كل مجتمع محلي على حدة، وإمكانية أن تعزز من عملية سياسية تنطلق من القاعدة نحو القمة، وأن تساعد في توطيد السلام، وفي تقليل اعتماد النظام على روسيا وإيران وفي خفض احتمال إعادة انبثاق حركات إرهابية كالدولة الإسلامية في العراق والشام ” داعش “.
وتمَّ توقّع أنّ اشتراط ثبات تقديم العون بتشكيل مجالس تمثيل محلية شاملة سيدعم نتيجتين مفيدتين للولايات المتحدة وحلفائها (5): أولاهما وأكثرهما أهمية يتمثل في تسهيل ذلك لتشكيل أجساد تتمتع بشرعية محلية، وقدرة على تحديد الأولويات ومراقبة الاستقرار في مناطقها. كما سيمنح امتلاك شريك محلي في نشاط تثبيت الاستقرار الوعد بتحسن مستمر في الوضع الأمني، ما سيؤثر إيجابًا على الاستقرار الإقليمي وعلى التخفيف من التهديدات على الدول الأوروبية والولايات المتحدة. وثانيتهما، ستتجسد في خلق أساس لحكم لامركزي يمنح أفضل أمل في إصلاح سياسي في ضوء تضاؤل إمكانيات تحقيق الانتقال من رأس الهرم إلى قاعدته وفقًا للقرار رقم 2254.
وحسب التوصيف السابق، هنالك مقاربتان أساسيتان من الممكن للولايات المتحدة وشركائها الدوليين اتخاذهما عند فرض شروط على عملية منح مساعدة إعادة الاستقرار للمناطق المحلية (6): أولاهما في صوغ مبادئ عريضة يجب على المجالس المحلية احترامها كي تصبح مؤهلة للحصول على المساعدات. قد تتضمن تلك المبادئ، على سبيل المثال، الشمولية المتجسدة في تمثيل الأقليات العرقية والدينية والنساء في صفوفها، كما قد تتضمن التعهد بسيطرة المدنيين على قوات الأمن المحلية. من الممكن لآلية الحكم على مطاوعة تلك المبادئ أن تكون متضمنة في مهمات منظمة متعددة الأطراف، كصندوق الائتمان لإعادة إعمار سورية.
وثانيتهما، اشتراط مساعدة إعادة الاستقرار بإجراء انتخابات محلية تحت مراقبة دولية، وسيكون لذلك أفضلية نزع بعض من ” الذاتية ” من عملية المصادقة على الامتثال للمبادئ، وفي الوقت نفسه أفضلية غرس الالتزام بالعملية الديمقراطية. ستزيد مقاربة كتلك من الشرعية التي تتمتع بها المجالس، وقد تخلق أثرًا في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام يطالب فيها السكان بامتلاك دور مماثل. في بعض الحالات، قد ينجم عن الانتخابات نتائج ذات أغلبية قد لا تكون شاملة على نحو كافٍ.
ومن الجدير بالذكر أنّ مركز بار إيلان للأبحاث الاستراتيجية، بالتعاون مع مركز الأبحاث السياسية بوزارة الخارجية الإسرائيلية، عقد ندوة حول ” الموقف الإسرائيلي من الجماعات الإثنية والطائفية في منطقة الشرق الأوسط “، في 20 أيار/مايو 1992.
وقد ورد في مقدمة الكتاب الذي أصدره المركز عن الندوة ” تبنت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة تقوم على مبدأ دعم الأقليات العرقية والطائفية في الشرق الأوسط، وتأييد طموحاتها ورغباتها، سواء فيما يتعلق بالمساواة في الحقوق وحق تقرير المصير أو إقامة كيانات مستقلة، وذلك انطلاقًا من الحلف الطبيعي القائم بين إسرائيل وهذه الأقليات “. وبالنسبة لسورية كتب الباحث الدكتور إيتيمار رابنوفيتش في ورقته، التي قدمت إلى الندوة تحت عنوان ” سورية هل ستبقى دولة موحدة في ظل انتعاش الاتجاهات الانفصالية في المنطقة والعالم؟ “، ومما ورد في خاتمتها: “.. في ظل التحولات العالمية الجديدة، وما شهدته ولا تزال المنطقة وخريطة العالم من صراعات مريرة ودموية بين الجماعات العرقية والدينية والطائفية، في ظل ذلك كله لا يجب إغفال الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه التطورات والتداعيات الجديدة في تهيئة المناخ وتعبئة الأقليات، وشحذها بعناصر التفاؤل والجرأة اللازمة لأن تسعى إلى الاستقلال والانفصال”.
وفي سياق الحديث عن الترسيمات السابقة لمستقبل سورية تزدحم منطقة شرق الفرات بالقوى الخارجية (أميركا مع التحالف الدولي، وروسيا، وإيران، وتركيا) التي تتصارع مشاريعها وتنعكس تفتتًا ونزاعات بين القوى المحلية.
واليوم لا تزال مناطق شرقي سورية واقعة في دائرة رصد قوى دولية تسعى لفرض وجودها فيها، عبر محاولة إقامة تشكيلات عسكرية وسياسية تدعم هذا الوجود، خصوصًا المرتبط بالقوتين الرئيسيتين، الولايات المتحدة وروسيا. وفي هذا السياق، عقد ضباط من الجيش الروسي، في 23 نيسان/أبريل 2020، اجتماعًا مع شيوخ عشائر مدينة القامشلي في ريف الحسكة، لتجنيد أبناء العشائر، ضمن كيان عسكري غير نظامي، وليس له ارتباطات بقوات النظام السوري، وإنما ستكون تبعيته للروس حصرًا، وسيتقاضى عناصره رواتب ومساعدات غذائية من موسكو. وواضح أن روسيا ” تسعى إلى قطع الطريق على الأميركيين، من خلال استمالة بعض القبائل الكبيرة في القامشلي إلى صفها، في مواجهة محاولات الأميركيين استمالة قبائل أخرى في القسم الجنوبي من المحافظة” (7).
وهكذا، يبدو اليوم أنّ أميركا عثرت على ” سورية المفيدة ” الخاصة بها، وهي منطقة النفط، وبدأت تمارس دورها، مع غيرها من القوى الأجنبية، في خلخلة ما تبقى من عناصر التماسك الوطني السوري. وبالتوازي مع دعم أميركا للحوار الكردي – الكردي، ليس بعيدًا عن مساعيها ما أعلنته أطراف كردية وعربية وسريانية آشورية عن انبثاق جبهة السلام والحرية، على بعد أمتار من المربع الأمني والبقعة التي تسيطر عليها قوات النظام السوري وسط مدينة القامشلي، التي تديرها الإدارة الذاتية، في 28 تموز/يوليو الماضي. وجاء في بيان تأسيس الجبهة: بأنها ” إطار لتحالف سياسي يهدف إلى بناء نظام ديمقراطي تعددي لامركزي، لا مكان فيه للإرهاب والتطرف والإقصاء “. كما جاء في البيان أنّ الجبهة تدعم الحل السياسي في سورية وفق قرارات الشرعية الدولية وأهمها قرار مجلس الأمن 2254 وبيان جنيف 1، في حين أكد أنّ ” قيام هذا التحالف لا يؤثر في استمرار عضوية أطرافه في الأجسام والمؤسسات السياسية السورية المعارضة “، مضيفًا أنّ كل ذلك يندرج في إطار التكامل مع جهودهم.
وتضمنت الرؤية السياسية للجبهة المشكّلة حديثًا في المدينة، 15 بندًا ومبدًأ سياسيًا حول شكل الدولة ونظام الحكم فيها، أبرزها (8): الإقرار الدستوري بأنّ سورية دولة متعددة القوميات والثقافات والأديان، والشعب السوري يتكوّن من عرب وكرد وسريان آشوريين وتركمان وغيرهم، ويضمن الدستور حقوقهم القومية ويعتبر لغاتهم وثقافاتهم، لغات وثقافات وطنية تمثل خلاصة تاريخ سورية وحضارتها. وتؤكد الجبهة التزامها بالاعتراف الدستوري بهوية الشعب الكردي القومية واعتبار القضية الكردية جزءًا أساسيًا من القضية الوطنية والديمقراطية العامة في البلاد والاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي ضمن إطار وحدة سورية أرضًا وشعباً.
وقال عضو ” الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي ” والمنسق العام في حركة الإصلاح الكردي، فيصل يوسف، حول أهمية جبهة السلام والحرية، إلى أنه ” من الضروري تطوير العلاقات مع هذه القوى في هذه المرحلة، لتعميق العلاقات المجتمعية الأهلية والضغط باتجاه الحل السياسي للوضع السوري وفق القرارات الدولية والمحافظة على السلم الأهلي” (9).
صحيح أنّ اللاعبين الخارجيين رسموا حدود مناطقهم وتدخلهم، وحجزوا لهم مقاعد على طاولة أية مفاوضات لرسم صورة منطقة المشرق العربي، إلا أنّ مشاريعهم ومصالحهم تتضارب ولا يقيمون اعتبارًا لمصالح سورية وإن بالغوا في إبداء الحرص على وحدتها! وهناك من يتوقع أن ” يدفع تقاسم اللاعبين الخارجيين الجغرافيا السورية الأطراف المحلية إلى تسوية سياسية، وإن بقوة الفرض والإرغام. لكنّ سعي هؤلاء إلى تثبيت مصالحهم أولًا وأخيرًا يعقّد الحلول” (10).
ولا شك أنّ الموانع الخارجية لتقسيم سورية، أهم من الموانع الذاتية، ليس فقط، لأنّ القوى الإقليمية والدولية، صارت صاحبة القول والفعل في القضية السورية، منذ أن فتح النظام الباب للتدخلات الخارجية الواسعة منذ عام 2011 فقط، إنما أيضًا لأنّ القوى الداخلية باتت أضعف من أن تؤثر في الواقع السوري بصورة ملموسة.
إنّ الأبرز في العوامل الخارجية المانعة للتقسيم، هو ” موقف دول إقليمية فاعلة وقوية وأبرزها تركيا والمملكة العربية السعودية ومصر، سواء بسبب مخاوفها من ارتدادات عملية التقسيم عليها طبقًا لما هي المخاوف التركية، أو رغبة منها في الإبقاء على الكيان السوري موحدًا لأسباب متعددة كما هو الموقف السعودي والمصري، أما الأهم في الموقف الدولي فهو عدم قدرة المجتمع الدولي، ولا سيما دوله المؤثرة على القيام بإعادة رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، إذ إنّ تقسيم سورية سيفتح الباب على رغبات ومطامح وأهداف متناقضة، تأخذ المنطقة ودولها إلى صراعات وعنف، يبدو العالم اليوم في غنى عنها، وأبعد عن احتمالها” (11).
ويبدو أنّ مصالحة وطنية كردية – كردية سورية ستكون ” خطوة هامة على طريق المشروع الوطني السوري، والمقدمة المطلوبة للارتقاء بالعلاقة العربية – الكردية نحو مستويات أفضل، وأكثر تطورًا، تنسجم مع وقائع التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة، والموجبات الوطنية. خاصة إذا فكَّ حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الارتباط مع حزب العمال الكردستاني (PKK)، والاندماج مع الواقع السياسي الوطني السوري، وسيكون من دون شك لصالح الكرد والعرب والسريان والتركمان، وسائر المكوّنات المجتمعية في منطقة شرقي الفرات، ولصالح السوريين بشكل عام في جميع المناطق السورية” (12).
ولكنّ البيان ” نداء من أجل تحالف عربي في منطقة الجزيرة “، الذي أطلقته شخصيات معارضة في 23 حزيران/يونيو الماضي، جاء ليزيد من الشحن القومي، خاصة أنّ البيان دعا إلى تحالف القوى العربية في شمال شرق سورية في إطار سياسي لتمثيلهم بالتزامن مع الحوار الكردي – الكردي. ويمكن، ومن دون كبير عناء، تلمّس نزوع صِدامي وعصبوي في النداء ” بينما يعارض التوجه الكردي الخاص، يواجهه بتحرك عربي خاص: عروبة الجزيرة السورية، وتقديم صفة العروبة على صفة السورية، وقع أصحاب “النداء” تحت اسم “العرب السوريون في الجزيرة والفرات”، صيغة مطابقة لصيغة الكرد السوريين، وتشكيل جسم سياسي عربي صرف، والدعوة إلى ” ضم خيرة الكفاءات وأصحاب الخبرات والشخصيات الوطنية العربية السورية، لا سيما المتحدرة من شرق سورية، مع قوى المجتمع المدني والوجهاء والأعيان وممثلي القبائل والعشائر العربية وشرفاء العسكريين المنشقين الغيورين على أصالتهم ومستقبل وجودهم” (13).