آراء

المفاوضات الكُردية – الكُردية بين الأخذ والردّ

فرهاد شيخو
كثيراً ما يراقب المواطن الكُردي وبحذرٍ شديد ما ستؤول اليه النتائج، ويتوقّف ملياً في تسطير تراجيدياته ومآسيه، وكشعبٍ كُردي في كُردستان سوريا يتمنّى أن يتخلّص وهذا الكمّ الهائل من الزيف المنخدع الذي يمارَس عليه ، ويتساءل مستغرباً إلى أيّ حدٍّ وصل الانحطاط والغبن والجهل ؟ أليس من الممكن أن يكون هناك لجام ينيط بتلك الهالة الميؤوسة منها، وتلك النظرة الدونية وغرور النفس البشرية المقيتة ؟
يتعجّب حقيقةً الشارع الكُردي في الكثير من الأحيان عندما تتعالى أصوات النشاز في الكثير من الأحيان بعدم إمكانية خلق شراكةٍ حقيقية بين الأطراف الكُردية المتفاوضة، وزرع المزيد من العراقي، والابتعاد أوالتجاهل عن معطيات الواقع وعدم إيجاد الحلول المناسبة للشراكة الحقيقية وذلك عبر تقزيم ما يهمّ المفاوضات، وما يثير الدهشة هو انجرار البعض لغضّ النظر إلى الحقائق المتواجدة على أرض الواقع وتعالي أصواتها التي تغيب عنها الاستحقاقات التاريخية، وتتمسّك بأيديولوجياتها الراديكالية المقيتة حيث ولّى زمنها وتوقيتها ، وتتناسى بكلّ تأكيدٍ تلك الأصوات الجماعية الداعية والرامية إلى تكريس كلّ الجهود الرامية للوصول إلى شراكةٍ حقيقية بين الأطراف الكُردية كلّها .
هنا فقط يمكننا الاختزال في لبّ المشكلة وأيضاً يمكننا أن نستدلّ من خلال ذلك و بكلّ جرأةٍ و ببساطةٍ على كيفية استدارجنا بشكلٍ ممنهج نحو ما يفرضه علينا أعداؤنا وكيف تمّ ذلك وما غرسوه أمامنا من هذه الأفكار اللاقومية التي لا تمتّ للروح الإنسانية وحتى الأخلاقية بشيءٍ؟ وكيف أنّ أولئك القادة المزيّفين الذين هم أقلّ من الهشاشة جعلوا الشعب الكُردي يقع فريسةً سهلةً بين مخالب الأعداء و مكائدهم؟ . وكلنا يستذكر كيف استفحل أتاتورك وتلك الانظمة المستبدة وببعض الكلام المعسول لتشتيت شملنا، و أفقرنا حتى من التفكير في مصيرنا تارةً كأمةٍ تركية أو وريثة الأسلام وتارةً تحت شعار الأخوة في الوطن الواحد ؟
وهنا أحبّذ أن أستشهد بالروائي جورج أورويل في روايته مزرعة الحيوان التي يمكن اعتبارها من أروع الروايات التي تشخّص حالة الثورة وتنمّق تلك الشخصيات التي جعلت من نفسها قادة وبيدها زمام الأمور ، وكيف أنهم غيروا مسار الثورة وأهدافها نحو مجريات وغايات شخصية أنانية تنمّ عن مورثاتٍ طفيلية لا ترى أبعد من أنفها المحشوة بروث الأنانية.
و من دون شك فمجتمعنا الكُردي مليئ بذوي العقول النيّرة وذوي الاختصاصات في مجمل المجالات، ومن حقه المشاركة في مستقبل أي شأنٍ يخصّ تقرير مصيره وأيّ تجاهلٍ له، وعدم الإنصات للتك الأصوات التي تحاكي الواقع وتدعو إلى ترميم الثغرات المنخورة في جسم الحركة الكُردية يُعتبر نخراً واضحاً في جسم الحركة الكُردية عموماً، . فالحركة الكُردية السياسية عموماً بحاجةٍ في الدرجة الأولى لأذان صاغية لتلك العقول النيرة ومن يبترّ ويصعّد وتيرة الخلافات ويدّعون الكمال ويعتبرون من نفسهم بمثابة فولتير واسبينوزا أو تشي كيفارا الكُرد، ويدّعون المثالية ويرمون إلى بناء المدينة الفاضلة لأفلاطون، هم في الحقيقة مَن يمثّلون المشروع المناهض للقومية الكُردية..
وفي خضم هذه التطورات وتكتّل المستفيدين من خسارة قضيتنا، وكسب هذه المعركة التي تعدّ بمثابة كن أو لا تكن “فالمفاوضات الجارية”، هي ما زالت السير بالاستمرار في العنجهية الآحادية للحزب الواحد الذي فرض نفسه بقوة السلاح والمتمثّل بحزب العمال الكُردستاني المتحكّم بزمام الأمور، وحامل لواء الأممية، والمعادي حقيقةً لأيّ مشروعٍ قومي كُردي في أيْ جزءٍ كان ، فنجاح هذه المفاوضات وإرساء مبادئ الشراكة الحقيقية بإبعاد منظومة حزب العمال الكُردستاني وكوادره وقياداته من ساحة كُردستان سوريا – وإلا فأنّ المؤشّرات قد تدلّ على قيام حرب مستعرة وقودها الشعب الكُردي وتهجيره من مناطقه ووطنه من جديد وكذلك تسليم بقية المناطق المتبقية للاحتلال الطوراني التركي ومرتزقته من الفصائل السورية الموالية له “وهذا ما أستشفّه من تصريح القيادية في حزب العمال الكُردستاني “بسي هوزات” عندما قالت ليستعد الشعب الكُردي لمواجهةٍ جديدة مع الأتراك -” وترك زمام الأمور للشعب الكُردي في سوريا الذي بإمكانه أن يضع قضيته نصب عينيه ولا يقدم على بيعها في أسواق النخاسة فليس هناك حاجة أكثر لأن نؤكّد على أهمية الاتفاق بين الحركة الكُردية،، فقد بات كلّ الشعب الكُردي في كُردستان سوريا يدركها، ولا غرور في التنازل بين الأخوة في سبيل تحقيق طموح وحلم هذا الشعب على خارطة الوطن التائه حيث يؤمّن له ذلك فرص النجاة من خبث الأعداء وإنهاء قضيته وأيضاً بين مكر المجتمع الدولي ودوله الكبرى التي حتى الآن لا تعترف بقضيته القومية بشكلٍ واضح وصريح .
لذا يستوجب تدارك حجم المسؤولية المُلقاة على عاتق الأطراف الكُردية المتفاوضة، وخاصةً في هذه المرحلة الحرجة التي تمرّ بها أوضاع الشعب الكُردستاني في سوريا، والسعي بكلّ إمكانياتهم لإنجاح ها، وتمكين الشعب الكُردي في شراكةٍ حقيقية للإدارة والاقتصاد وإعادة بيشمركة روج ليساهم في الدفاع عن مدنه وجغرافية كُردستان سوريا .
فمن السذاجة أن نسمح بتوغّل تلك الأيادي التي تسمّى بخفافيش الليل وبعض الغربان من أعداء الشعب الكُردي و ان تتطاول أياديها في مسار المفاوضات الجارية بين المجلس الوطني الكُردي وأحزاب الوحدة الوطنية، وصنع العراقيل والمشاكل لفشل هذه المفاوضات والوصول إلى الغاية المرجوّة التي يتمنّاها أعداء الشعب الكُردي ، و هذا ما يدعزنا إلى تكثيف الجهود ونبذ كلّ الخلافات جانباً ، والعمل بشكلٍ مكثّف أكثر لتسطير ملاحم الروابط المقدسة التي نعمل لتحقيق حلمنا لها سويةً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى