أردوغان ينقلب على الدستور التركي
عبد العزيز مشو
عندما نمعن النظر قليلاً فيما يجري في السياسة التركية من انقلابات العسكر في الماضي إلى وقتنا الراهن لظهور قوانين الأحزاب وإدخال المفاهيم الديمقراطية في البلاد والتي بدورها ساعدت في بروز التيار الديني الإسلامي وسرعة انتشاره وذلك بحكم التعاطف الشعبي الديني المتشدد واللعب على هذه المفاهيم وتحت جملة من البنود منها تطوير البلاد والاقتصاد وإعطاء الحريات فأدت لاستلام الأحزاب الإسلامية للسلطة في الجمهورية الأتاتوركية خلال العقدين المنصرمين لكن الظروف الدولية المحيطة وقت ذاك والعقلية المقيتة لقادة هذه الأحزاب هي من عكست الآية وتعدّت على قسمٍ من هذه القوانين ليقوم العسكر مجدداً لوضع حدّ لهذه المفاهيم لتنهي سريعاً هذه الأحزاب دون أن تترك أثراً على الشارع التركي حتى ظهور أردوغان والذي أسس حزب العدالة والتنمية وهو سليل الحزب الاسلامي السابق لنجم الدين أربكان فقد كان الرجل ذكياً جداً واستفاد من أخطاء سلفه السابقة وتحت رفع شعارات رنانة منها إنهاء أزمة الاقتصاد التركي وإيجاد حلول مناسبة للقضية الكردية وإعطاء حرية الصحافة و الإعلام وغيرها من الشعارات البراقة و الذكية والقريبة من حس الشارع التركي المسلم فأستطاع استلام السلطة بتركيا ليفوز بمنصب رئيس الوزراء وبقوة جماهيرية فُوجىْ بها معارضوه ليحسن قليلا من الاقتصاد التركي وتحسين الليرة مع إعطاء حرية الصحافة والإعلام ولكن بقوانين ثابتة وضعت خصيصاً لها وطوّر البلاد خدمياً لكنه مارس في الوقت ذاته سياسة الأرض المحروقة إنما بهمة القادة العسكر العاجزين عن وضع حلول بديله لتلك السياسة كل ذلك سانده وساعده ليجدد من فوز حزبه بالانتخابات التركية مرة أخرى ويثبت للجميع بهيمنته المطلقة وجدارته بحبّ وشغف الشعب التركي المسلم ليستمر بمنصب رئيس الوزراء ولكن بأغلبية برلمانية ليقوم بتغيير الكثير من المواد في الدستور التركي لصالحه محاولاً في الوقت ذاته إنهاء منافسيه في الحزب أولاً وخصومه السياسيين بتركيا لتنتهي مهمته كرئيس للوزراء حسب الدستور المعدل ليحول أنظاره لرئاسة تركيا ولكن بصلاحيات موسعة أكثر تجاوزت صلاحيات رئيس الوزراء بعد أن أنهى من معظم خصومه السياسيين داخل الحزب ولكن ظلت الصلاحيات غير مكتملة وبحرية محدودة ومقيدة قليلاً ليفكر هذا الطامع المتحايل الحقود بجمع كل السلطات بيديه وإنهاء جميع خصومه السياسيين والعسكر من حوله وتجميد أنشطتهم نهائياً فكانت الفصول الأخيرة من المسرحية الانقلابية التي مثلت بامتياز بين عدة جهات منها بعض الأطراف الدولية وقفت ودعمت أردوغان في انقلابه ولكن وفق شروط سرية أبرمت بينهم سابقاً ووافق عليها أردوغان لغايات دفينة وشخصية فما لاحظناه من إجراءات سريعة من تسريح للقضاة وتحويل القادة العسكر للتقاعد والسجون بما فيهم أصحاب الرتب الرفيعة المعارضين لسياسات أردوغان خصوصاً للتقارب الروسي التركي أو التركي الإيراني والتي تنذر بتغيّر الوجهة التركية من حلف شمال الأطلسي و أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والتوجه نحو العالم الاسلامي ووسط أسيا وشمال إفريقيا وعودة حلم السلطنة العثمانية إنما بخلافة أردوغانية وتهديد وضرب المصالح الأمريكية في المنطقة والتي تتعارض مع سياسة تركيا الداخلية والخارجية معاً.
فهل هذا هو الانذار الأخير لنعش الجمهورية التركية التي يسارع رئيسها المتسلط أردوغان بعودة حلم الإمبراطورية الاردوغانية والبدء بالخطوة الأولى بالقضاء على خصومه العسكر والسياسيين والالتفاف مرة أخرى على الدستور التركي وحسب رغباته وشهواته وأهوائه بالرغم من ظهوره للرأي العام التركي والعالمي بمظهر الضحية لكن رائحة الغش والنفاق البينة في سياساته ومشاريعه الخبيثة واضحة فهل صدّق أردوغان نفسه بأن شرعية الشارع له جعله ديمقراطياً . بصراحة ليس أغلب الشرعيين بديمقراطيين فقد نشاهد الكثيرين منهم نشازاً وأظن بأن أردوغان واحد من هؤلاء وعقلية المتسلط والدكتاتور بينة في صفاته تماماً .