أرقام مرعبة من منظمة الأمم المتحدة للأطفال
الكلمة كما وردت
“شكراً سيّدي الرئيس.
ها انها سنة أخرى وعقد آخر وفصل كئيب آخر يمّرون على الكارثة السورية التي تركت البلاد وشعبها يعانون الهلاك والتدمير نتيجة حرب – على ما يبدو- لا نهاية لها.
لم يكّد يمرّ شهران على بداية سنة 2020، حتى بلغ عدد من لاقوا حتفهم في إدلب وحلب نحو 300 شخص منذ بداية العام، وفقاً للمفوضية السامية لحقوق الإنسان.
يزداد الوضع سوءًا يومًا بعد يوم.
لقد دفع تصاعد القتال في الشمال الغربي، والذي بدأ منذ شهر كانون الأول/ديسمبر، أكثر من 900 ألف شخص – بمن فيهم أكثر من نصف مليون طفل – للفرار والولوج نحو الخطر. إنها عملية نزوح جماعي للبشر تُشكلّ صاعقة في حجمها والوقت القصير الذي حصلت فيه.
بالنسبة للبعض، فإن هذه هي المرة السادسة أو السابعة التي يتعرّضون فيها للنزوح.
لقد فرّ الكثيرون إلى شمال غرب إدلب، بينما فرّ آخرون إلى عفرين وأعزاز والباب، بالقرب من حلب والحدود التركية.
يعيش الآن عشرات الآلاف في خيام مؤقتة ومباني عامة في الهواء الطلق، تحت الأشجار – مُعرّضين للأمطار والثلوج والبرد القارس حيث درجات الحرارة تتدنى إلى دون الصفر في فصل الشتاء القاسي الذي تشهده سوريا.
إن الضربات الأخيرة التي تعرّضت لها المخيمات المؤقتة في إدلب – وكذلك الأطفال والمدرّسين الذين قُتلوا بصورة مروعة قبل يومين فقط، عندما تعرضت 10 مدارس للهجمات –تستوجب الشجب وتُعتبر بغيضة أخلاقياً. تُظهر هذه الأعمال، وبوضوح، الظروف اليومية المرعبة للذين يعيشون هذا الكابوس.
لقد سمعنا وقرأنا تقارير عن تجمّد أطفال حتى الموت.
عندما ينفد الخشب، تحرق العائلات أي شيء تجده – الأكياس البلاستيكية والقمامة وقطع الأثاث – وذلك لمجرد توفير بعض الحماية من البرد، أو لإشعال نار صغيرة تمكّنهم من طهي أي طعام يمكنهم العثور عليه.
إن الأطفال والنساء بشكل خاصّ هم الأكثر عُرضة للخطر والاستغلال في هذه التجمعات السكانية العشوائية، علمًا بأن المراحيض المؤقتة لا توفّر أي قدر من الأمان أو الخصوصية.
كما تنتشر الألغام والأجهزة المصنعة عشوائياً والمزروعة في الأرض، مما يجعل المخاطرة ترافق كل خطوة يخطوها الناس.
سلبت فرصة التعليم بوحشية بالنسبة لـ 280 ألف طفل في الشمال الغربي. وهناك حوالي 180 مدرسة لا تصلح للعمل – نتيجة تدميرها أو تعرضها للضرر أو استخدامها كملاجئ. وهذه بحدّ ذاتها ضربة أخرى بالنسبة لآمال الأطفال ومستقبلهم.
أما الرعاية الصحية فغير موجودة تقريبًا، أو بعيدة المنال بسبب الظروف المادية. لا تزال المستشفيات مستهدفة، وقد عُلقت خدمات 72 منها بسبب القتال.
لكن الوضع في الشمال الغربي ليس سوى أحدث تداعيات الحرب المدمّرة.
في مختلف أنحاء سوريا، أدت الحرب المستمرة منذ تسع سنوات إلى تدمير الخدمات العامة. فأكثر من نصف المرافق الصحية وثلاث من أصل 10 مدارس لم تعُد صالحة للاستعمال.
الاقتصاد في حالة انهيار – مع تعرض رأس المال المادي للدمار بخسارة نحو 120 مليار دولار، ونصف تريليار دولار في الخسائر الاقتصادية. كما فقدت الليرة السورية نصف قيمتها في العام الماضي.
لكن التكلفة الحقيقية لسفك الدماء لا تقاس بالخسائر في البنية التحتية أو في الدمار الاقتصادي.
إنها تُقاس بحياة الناس اليومية.
وبالـ 11 مليون شخص الموجودين في جميع أنحاء سوريا الذين لا يزالون بحاجة إلى المساعدة الإنسانية العاجلة، ونصفهم تقريبًا من الأطفال.
وبالـ 6.5 مليون سوري الذين يعانون الجوع يوميًّا بسبب انعدام الأمان الغذائي. لقد ارتفع سعر المواد الغذائية الأساسية 20 ضعفًا منذ بداية الحرب، وهو أمر مدمِّر لبلد يعيش فيه 80 في المائة من الناس تحت خط الفقر.
تضطر العائلات إلى بيع ممتلكاتها – أو إلى إرسال أطفالها للعمل – لمجرد تلبية الاحتياجات الأساسية.
لا يحصل الأطفال على اللقاحات الحيوية أو العلاجات الطبية أو الخدمات الصحية الأخرى بسبب ارتفاع التكاليف، أو لوجود فجوات في الخدمات الصحية.
واحد من بين كل ثلاثة أطفال سوريين لا يذهب إلى المدرسة.
فرّ من سوريا 6.7 مليون لاجئ منذ أن بدأت الحرب، وهناك 6.2 مليون نازح –والعدد في ازدياد. لقد أجبر ما يقارب العقد من الحرب نصف سكان البلاد تقريبًا على مغادرة منازلهم.
والأهم من ذلك كله أن نقيس هذا الفشل العالمي من خلال إلى الأرواح البريئة التي فقدت أو تصدّعت بسبب النزاع.
في عام 2018، قُتل أكثر من 1,100 طفل في القتال – وهو أكبر عدد من الأطفال الذين قتلوا في عام واحد منذ بدء الحرب. كان العام الماضي أفضل قليلاً – إذ قُتل فيه نحو 900 طفل وأصيب المئات .
وهذه الأرقام هي ما تمكّنا من التحقق منه فقط، أما الرقم الحقيقي فهو أعلى بكثير.
كما علمتُم في الأسبوع الماضي من لجنة التحقيق، فقد احتُجِزَ أطفال واستخدموا كورقة للمساومة. هناك آلاف المحصورين في مخيمات غير مناسبة للأطفال – من سوريين وأجانب على حد سواء. لقد قامت الجماعات المسلحة بتجنيد الفتيان واستخدامهم للقتال على الخطوط الأمامية، واغتُصِبَت فتيات صغيرات لا تتجاوز أعمارهن التسعة أعوام، كما أن واحد من بين أربعة أطفال معرض لخطر الاضطرابات النفسية الحادة.
إن الحجم والتسارع المُروّعين للأزمة أدّيا إلى مضاعفة الاحتياجات الإنسانية.
تبذل اليونيسف والوكالات الأممية الأخرى مع الشركاء كل ما في وسعها.
فحصنا سوء التغذية لدى 1.8 مليون أم وطفل.
قدمنا المشورة الصحية لأكثر من 2 مليون ّ شخص.
تلقى أكثر من 7.4 مليون شخص في جميع أنحاء سوريا خدمات المياه والصرف الصحي، بما في ذلك تحسين إمكانيات الحصول على المياه ورُزم النظافة وأقراص التطهير.
وزودنا ما يقرب من 400 ألف امرأة وطفل بالإرشاد النفسي الاجتماعي لمساعدتهم على مواجهة الصدمات التي تعرّضوا لها.
كما ساعدنا 1.8 مليون طفل على مواصلة تعليمهم.
وزوّدنا أكثر من 37 ألف طفل بالملابس الشتوية والبطانيات.
وقمنا بتلقيح حوالي 600 ألف طفل دون سن العام الواحد.
هذا بالإضافة إلى آلاف الأطفال الذين وصلنا إليهم – وما زلنا نصل إليهم – في جميع أنحاء سوريا خلال السنوات التسع الماضية.
لكن الاحتياجات مهولة – وتتجاوز بسرعة ما نملك من موارد.
سوف أسافر إلى سوريا والمنطقة في نهاية هذا الأسبوع للقاء المسؤولين وطواقمنا الإنسانية الموجودة على الأرض لمعرفة ما ينبغي القيام به لتلبية هذه الاحتياجات العاجلة.
نعلم أننا بحاجة إلى المزيد من التمويل والمزيد من الموارد لدعم حياة الناس ومنح الناس في سوريا ولو فرصة من أجل مستقبل أفضل وأكثر سلماً.
لكن، سيدي الرئيس، نحتاج أيضاً من هذا المجلس وأعضائه لللدفاع عن أطفال سوريا وصوت واحد وموحّد.
أولاً – ندعو الأطراف في جميع أنحاء سوريا إلى حماية الأطفال وكذلك البنية التحتية المدنية الأساسية التي يعتمدون عليها بشدّة هم وعائلاتهم – مثل المدارس والمستشفيات وشبكات المياه – والتي ستضطرّ سوريا إلى إعادة بنائها عندما يتوقف القتال ويبدأ سريان التسوية السياسية.
ثانياً – نحتاج بشكل مُلحّ إلى وقف القتال في شمال غرب سوريا. وفي غضون ذلك نحتاج إلى فترات منتظمة من التوقف عن القتال لأسباب إنسانية تسمح للمدنيين بالتحرك في أمان بعيدًا عن الأذى إن كانوا يستطيعون ويرغبون في ذلك. سوف يمنح ذلك أيضًا عمال الإغاثة المجال الذي يحتاجون هم إليه لتوفير الرعاية العاجلة للأشخاص المحتاجين وإجراء تقييمات نزيهة، تشمل من هم عبر الحدود.
ثالثًا – نحتاج إلى وصول إنساني على كافة الأصعدة، وذلك لإتاحة الوصول إلى الأشخاص بأكثر الطرق فاعالية وفي الوقت المناسب، إن كان ذلك من داخل سوريا أو من الدول المجاورة. ويشمل ذلك السماح لقوافل المساعدات الإنسانية التي تنقل الإمدادات الطبية من دمشق أو عبر الحدود إلى شمال شرق سوريا باجتياز الطرق والحصول على التأشيرات والتصاريح لإتاحة التنقل والسفر.
رابعًا – نحثُّ جميع الدول الأعضاء على الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية حقوق الطفل، وإعادة الأطفال إلى أوطانهم بطرق آمنة وطوعية وكريمة. لا توفر الظروف التي يعيش فيها العديد من الأطفال – وخاصة الأطفال الذين كانوا يعيشون في السابق في الأراضي التي سيطرت عليها ما يعرف بتنظيم داعش – الرعاية والحماية اللازمتين اللّتين يحتاجهما كل طفل. ينبغي الحفاظ على وحدة العائلة عندما يكون ذلك في مصلحة الطفل، بحيث يستعيد الأطفال لم شملهم مع إخوتهم وأولياء أمورهم – والتي عادة ما تكون الأم.
كما ندعو السلطات إلى إخراج جميع الأطفال من الاحتجاز ووضعهم في إطار الرعاية المناسبة.
وخامساً – نجدّد دعوتنا لهذا المجلس الموقّر لتقديم دعمكم وتأثيركم للتوصل إلى حل سياسي تفاوضي ينهي هذه الحرب إلى الأبد.
كما قال الأمين العام في الأسبوع الماضي: “لا يوجد حل عسكري للأزمة السورية. الحل الوحيد هو الحل السياسيّ.”
الاستثمار في أطفال سوريا هو أفضل استثمار يمكن لأيّ منا أن يقوم به. إنه استثمار في المستقبل. استثمار في السلام.
ومع ذلك، فإننا ندع هذه الفرصة تفلت من بين أيدينا فيما نطوي صفحة أخرى على الرزنامة السنوية.
كلّما طالت هذه الحرب، كلّما مات عدد أكبر من الأطفال بينما العالم ينظر.
سوف يُجبر المزيد من الأطفال على ترك منازلهم والقيام برحلات طويلة محفوفة بالمخاطر سعيّا إلى بر الأمان.
وستتعرّض المزيد من الدول المجاورة للضغوط من أجل قبول المزيد من اللاجئين، وهي دول سبق لها باستضافة اللاجئين من قبل وبكل سخاء.
ومع كل شهر يمر، يصبح الأمل في قدرة سوريا والمنطقة على التعافي أكثر استحالة.
قُصفت المدارس وسُوّيت المباني بالأرض وتحطّمت الأجساد وتشتّتت العقول وتفرّقت العائلات وسُرق الأمل وسرق المستقبل.
وما زال القتال مستمرًا.
إن الرسالة واضحة. لا يمكننا أن نرحّب بسنة أخرى من سفك الدماء وانتهاك القانون الإنساني الدولي نفسه، هو هو، وانعدام الإنسانية نفسها التي بدأنا بها عام 2020.
الطفلة التي وُلدت مع بداية هذه الحرب بات الآن عمرها تسع سنوات. هل نحن مجبرون على الاعتراف لها بأن السلام خارج عن متناول أيدينا؟ بأننا غير قادرين، أو غير مستعدين، لوقف هذه الحرب المدمرة؟
سوف تحين الذكرى العاشرة للنزاع في سوريا في السنة القادمة – إنها ذكرى لا يريد أيّ منا أن يشهدها.
إن ملايين الأطفال السوريين يبكون في هذه الليلة – يبكون من الجوع ومن البرد … من الجروح ومن الألم … من الخوف ومن الفقدان ومن الحزن الذي يحطّم القلب.
إنهم، ومثلهم عائلاتهم، يواجهون شتاءً قاسياً وسنة خالية من عدم اليقين.
علينا أن نقف معهم.
علينا أن نقول لهم إننا نختار السلام.
وان لم نفعل ذلك، سوف يحاكمنا التاريخ وبقسوة – وسيكون حكمه عادلاً .
شكرا لكم.