أزمة الشعب الكُردي – الأسباب
مروان سليمان
عندما نتأمّل أوضاع الشعب الكُردي في بلداته و مدنه بشكل عام، نجد أنه يعاني من نخبٍ سياسية ما زالت تتعامل مع الأحزاب و الهيئات التنظيمية الأخرى بذهنية الإستحواذ و الغنيمة، ولم تتطوّر النخبة المسيطرة على الأوضاع السياسية في استيعاب مفهوم القيادة حزبياً لأنهم يرون في الآخرين عبارة عن مريدين و أتباع لأنهم لم يفهموا بعد حقوق المواطن و واجبات القادة و بالتالي فإنّ الشعب لدى الغالبية من النخب السياسية المسيطرة لا يمثّل لهم سوى خزّانٍ من أجل التصفيق و جمع التبرعات و استعمالات أخرى وقت الحاجة و ما أن تصل إلى مبتغاها سرعان ما تتجرّد هذه القيادة من وعودها و التزاماتها…
فهل يُعقل في منطقة صغيرة تعجّ بالسكان والحياة والجمال والثقافة أن يسيطر عليها أناس جهلة قادمون من القرون الوسطى ليفرضوا على الآخرين بقوة السلاح و التهديد و الوعيد ثقافتهم البالية التي لم يعد أحد يلتفت إليها و أصبحت من نفايات العالم، فهذا يعني أننا أمام جهلٍ و أمام شعورٍ ضعيف بالمسؤولية لأن الإحساس بالمسؤولية يقودنا إلى معرفة المسؤولين عن هذه الكارثة و الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه الدرجة من القاع، ففي هذا الزمن يكفي أن تعطي أحد الجهلة و الأميّين مكاناً يعج بالمسؤولية حتى تحصل كارثة إنسانية و اقتصادية في ذلك المكان.
في منطقة الشرق بشكلٍ عام و في منطقتنا بشكلٍ خاص تلمع عيون السياسيين لمناصب السلطة و امتيازاتها و قليلون مَن نجدهم يخافون من استلام المناصب و هؤلاء هم فعلاً أصحاب الضمير الحيّ و الذين يمثّلون الشارع الشعبي بكلّ معنى الكلمة و يعلمون أنّ هناك أرواحاً بشرية و أحلاماً للعديد من الناس يتحمّل هو مسؤوليتها و أيّ خطأ في هذا الإتجاه يعني تراكم الذنوب الثقيلة التي لا مفرّ من محاسبته عليه في يومٍ من الأيام.
أما الذين ينظرون إلى السلطة على أنها مغانم و يجب الاستيلاء عليها و جمع الكثير من الأموال في فترة قصيرة بدون السؤال عن مصدر تلك الأموال فإنه ليس لديه أي إحساس بالمسؤولية و يتباكى على الوطن و المواطن و هناك حيث الأعداء يبيع لهم الوطن و المواطن كما يحصل اليوم مع قوى المعارضة التي هبّت من أجل حرية الشعب و انتهت بأنهم أصبحوا مرتزقة لدى الأعداء يحاربون كلّ مَن يعادي أعداء الوطن و لذلك فإن شعوبنا تعاني منذ سنوات طويلة لأنه لا يوجد من يخاف من المنصب و لا يوجد من يخشى من الفشل و لذلك فشلت الثورات و انتهى صبر الناس و كثرت البطالة و الفقر و هذا الفشل الذي نعيشه اليوم سببه ضعف السياسة و السياسيين في بلداننا بالإضافة إلى غياب الإرادة الصادقة لدى القادة من أجل خدمة الشعوب و التقدم نحو الأفضل.
بالتدقيق في الواقع العملي لواقعنا الذي نعيش فيه تجد أن كلّ الإمكانات موجودة مثل نسبة التعليم العالية و وجود الكفاءات الكبيرة و الاختصاصات المتنوّعة و المختلفة و هذا مؤشّر جيد على التقدم التعليمي في مجتمعنا و مع ذلك نجد أنّ النخب السياسية التي تحتكر السياسة الحزبوية ترسم سياسات خاطئة و تدخل في تحالفات لا تخدم القضية الكُردية على الإطلاق و هذا يعود سببه إلى إنتشار الفساد و خاصةً في الفترة الأخيرة بمعانيها المختلفة حيث زادت ميزانيات الأحزاب المالية من جراء التبرعات السخية سواءً من الأقليم أو من حكومات كانت تسمّي نفسها بيوم من الأيام أصدقاء الشعب السوري و الرواتب العالية التي يتلقّاها الذين إستلموا المناصب و احتكروها لصالحهم العائلي و تصرّفوا مع كلّ الموارد على أنها غنيمة و وجد فيها الانتهازيون فرصتهم الضائعة و الضالة و لذلك فإن القسم الأكبر من مصيبة الشعوب و أزمتها الخانقة السياسية و الاقتصادية و العسكرية منها في الآونة الأخيرة (بعد الثورة السورية) أتت من النخب السياسية التي تحكمنا.
إن الإخفاقات طفت على السطح منذ الممارسات الأولى للشكل التظاهري و الدعوة له ضد نظام الحكم القائم و ذلك بسبب التوترات و الصراعات الأيديولوجية و المصالح الشخصية و العائلية و العشائرية و هذا يعود كله إلى ضعف الساسة و عقليتهم الضيقة التي جعلت من الوضع في تراجعٍ دائم في جميع المجالات الاقتصادية و العسكرية و السياسية و الخلافات التي أخذت تعصف ما بين الثورجيين أنفسهم على مناطق النفوذ و نصيبهم من الكعكة و ارتفعت نسبة البطالة و ازدادت نسبة عسكرة المجتمع لأنها أصبحت المصدر الوحيد للرزق و المعاشات.
المعنى من كلّ هذا الكلام، أنّ شعبنا في بداية الصحوة القومية كان جاداً و سخياً و لم يبخل بالمال و الروح في سبيل نصرة قضيته و حقوقه القومية المشروعة و لكن النخبة السياسية التي تربّعت على عرش الحركة و أحزابها السياسية كانت مهملة في جميع الجوانب السياسية و الاقتصادية و الإتصالات و إيصال صوت قضيتهم إلى المحافل الدولية و الفئة السياسية أهملت الشعب و بناء الإنسان الكُردي ثقافةً و وعياً و التعرف على حقوقه و لا زالوا إلى يومنا هذا يتعاملون مع البنى الاجتماعية بسياسة الاستحواذ و الاستيلاء على كلّ شئ و الإبتعاد عن الجمهور الذي أوصلهم إلى تلك المراتب و أعطاهم الثقة و لكن مع ضعف الأداء السياسي و فشل الفئة السياسية المتسلّطة أثبت هذا المنهج خطأه العميق بالتجربة و الدراسات.
بما أن أزمتنا كبيرة و أسبابها كثيرة فلا بدّ من ذكر سبب مهم و رئيسي من أسباب محنتنا ألا و هو ضعف ولاء الفئة السياسية المتسلّطة للوطن و للشعب و خاصةً عند بعض الأحزاب التي تجد في نفسها كبيرة و تشكّل ثقلاً جماهيرياً بين الشعب و تمثّل قوة سياسية و عسكرية لا يُستهان بها و هنا يمكننا أن نتساءل كيف يمكن لأحزابٍ كبيرة خرجت من رحم هذا الشعب أن تكون ضعيفة الولاء للوطن و المواطن لابل و الأسوأ أنها تلبّي طموحات و أجندات دولٍ تعادي الكُرد بكلّ ما فيها من معاني؟
هل أصبح الشعب الكُردي محور تجاذبات إقليمية و حركته السياسية غير مهتمة بالإنسان الكُردي و استقراره؟
حتى الأعلام الكُردي بجميع قنواته تحوّل إلى سوقٍ للكسب السريع و الربح الغير شرعي و أصبح مستقبل الشعب الكُردي رهين الصفقات و المصالح و الشعب كله بمثابة أسرى لدى المتحكّمين برقاب الشعب حيث التحالف السياسي و المالي و الإعلامي.