أطفال قامشلو يستبدلون الحلوى بالسلاح
شفان ابراهيم
«طبيعة أطفال قامشلو تغيرت بعد ثورة 15 آذار للأسوأ»،: «عندما كان يتم الاعتداء على أي شخص أو على ممتلكاته, أو يتم استخدام السلاح كان الأطفال يبكون ويهربون ويختبئون خلف أمهاتهم, اليوم هؤلاء الأطفال أصبحوا يعانون من الاغتراب النفسي والفكري, التشوه الخلقي. لم تعد هناك حالة للطفولة الصحية, ولا وجود لجو تستطيع الطفولة فيها أن تنتعش.
لم تكن شيرين مخطئة حين ثبتت قنوات أفلام الكرتون في بداية جهاز التلفاز, بل أن مخططها ذهب ابعد من ذلك, حيث حذفت جميع القنوات المحرضة على القتل والكراهية, وأبعدت الفضائيات التي تبث أفلام الرعب والقتل والخطف, مما حدا بحماد, وهو ينتمي للمكون العربي, إلى شراء جهاز تلفاز جديد, ليكون خاص به وزوجته, واقتصرت لائحة القنوات في تلفاز الأطفال على أفلام الكرتون فقط.
لم تكن شيرين تستطيع نسيان حادثة قتل جارتها الصغيرة عائشة لنفسها عن طريق الخطأ, حين كانت تتلاعب بمسدس أبيها الذي اشتراه قبل ثلاث أيام فقط من حادثة مقتل المُدرسة نسرين القاطنة في البناء المجاور للبناء الذي تقطنه شيرين وجارتها عائشة, التي قٌتلت بمسدس أخيها مصادفة حين كان الأخ يُنظف المسدس وبعد تطبيقه خرجت رصاصة لتستقر في رأس نسرين التي كانت توظفت لتوها. كان والد عائشة يعتقد أن تركه للمسدس على الرف الأعلى سيُبعد الأطفال عنه, وسيجعله في متناول يده حين الضرورة, عائشة هذه تنتمي لعائلة فلاحية فقيرة, خاصة وان عمل والدها الوحيد في الأرض, أصبح من شبه المستحيل بعد دخول الجماعات المسلحة إلى القرية وحدوث الاشتباكات بينهم وبين القوات الكوردية مما أضرهم الانتقال للعيش في المدينة, ولفقر حالهم أختار أطراف المدينة النائية والبائسة بكل شيء. أحداهن أخبرت عائشة أن أخاها قد سرق مسدس من على أحد البسطات لبيع السلاح, وهو يطلق النار على نفسه دون أن يموت, وأنها هي الأخرى قد فعلت الفعل نفسه ولم تمت, ولأن للطفولة عنوان بارز, التقليد والتشبه, صوبت عائشة المسدس نحو رأسها لتجربه دون أن تموت, لكن عائشة لم تكن تعلم أن صديقتها ابنة الجيران لم تخبرها أن مسدسهم فارغ من الرصاص,. من جهته أفادتنا الأخصائية النفسية ( ا.ك) أن ظاهرة تقليد الفتيات و الفتية لبعضهم البعض هي بسبب غياب المراقبة الأسرية, وانعدام الرعاية يجد هؤلاء الأطفال أنفسهم في مواقف لا يعرفون كيفية التصرف, ولا يملكون الوقت للرجوع إلى الأهل للاستشارة. عدا عن تأثير التلفزيون ومشاهد الدماء والمنازعات على نفسية الطفل, فيدفعه ذلك إما إلى الانطواء والخوف, وإما إلى التقليد وهنا تحدث نتائج مفجعة.
ومازال الأعلام الكوردي يتجاهل قضايا المجتمع الكوردي ويكتفي بتناول افتتاح مكتب حزبي، وهذا التعتيم يجعل من القضايا الكوردية الملحة في دروج النسيان
ويشترى السلاح من الأسواق الشعبية في المدينة أو عن طريق مهربين من القرى أو المناطق والعشوائيات المجاورة لقامشلو، وهناك فرق بين السلاح المحلي والمستورد ، والتصنيع المحلي رخيص ضعيف ولايحتمل عدة رشقات ، و السلاح الأصلي الألماني والروسي باهظ الثمن
( ب. ش) مدير أحد المدارس الابتدائية قال لنا, بات من المستحيل تخيل منظر التلاميذ وهم يلعبون في الباحة أثناء فترة الفرصة أو حتى درس الرياضة, والاسوء في حصة الموسيقى, ألعابهم أصحبت رمي الحجارة على بعضهم البعض, أو حمل قطع من الخشب والتشبه برجال الشرطة أو العساكر أو المسلحين والبدء بالهجوم على بعضهم البعض, وفي حالات يُصيبون أنفسهم بجروح طفيفة ومتوسطة, حتى في حصة الموسيقى, فإن الأغاني الوطنية وأغاني الطفولة….استبدلت بأغاني عن الشهداء والموتى والفاجعات والانتقام.
أما غنام العلي فيقول: ضاع بكري بجريرة عمه, ويروي لنا تفاصيل قصته حيث هاجرت عائلته منذ أربع سنوات بعد أن أقدم شقيق غنام على قتل أبن شيخ من شيوخ العشائر العربية, وأضروا للنزوح من القرية التي كان يتشاركونها مع الضحية, هاجرو للاستقرار في قرية كوردية في شرقي مدينة قامشلو, وأستقروا هناك, وكانت حياته جميلة وتمضي بشكل جيد حتى كانت اللحظة التي غيرت مجرى حياته مجدداً. خرج غنام ذات يوم إلى بيت احد الأصدقاء يتحدثان عن إمكانية الدفع ببعض الوجهاء لحل المشكلة, خاصة وأنه ليس المذنب, وعادة ما تمتد ظواهر الثار عند المكون العربي لسنين عديدة, ولتشمل جميع أفراد عائلة وأقرباء الجاني, كان شيرزاد وهو كوردي من مواطني القرية قد وعده بأن يطلب من عمه أغا القرية للتوسط لدى والد المغدور للسماح لغنام بالعودة إلى بيته, لم يكد غنام يُكمل كلمة الشكر لصديقه, حتى هرول بصحبة شيرزاد إلى الخارج متتبعاً عويل وصياح النسوة, وصراخ الرجال على القدر اللعين, لقد قتل علي غنام نفسه بواسطة مسدس عمه, حيث ترك احمد شقيق غنام المسدس بصحبة أخيه وفر هاربا خارج الديار, لكن علي وهو يتلاعب بمسدس عمه الذي وجده صدفة أثناء بحث الطفولة بين الأشياء والملابس, انهى حياته وأمل والده بالعودة إلى قريته,
حتى هذه اللحظة, ومجتمع محافظة الحسكة لا يزال يعاني من فقدان المزيد من الأطفال والمراهقين لحياتهم نتيجة للأهمال الأسري, أو تأثرهم بما يشاهدونه عبر أقنية بات شغلها وهمها جني الأرباح, أو نتيجة تأثر هؤلاء المقبلين على الحياة بوسطهم المدجج بالسلاح المُميت مباشرة, أو السلاح المُميت ببطء عبر سلسلة الأحاديث والأقاويل التي تجتمع جلها حول الموت, والاستشهاد, والهروب, والاعتقال.