أطفال من رحم الأنقاض
ليلى قمر /ديرك/
أن تولد من رحم الأم وفي أي ظرف يكن ومهما بلغت قسوة الألم والمخاض فهو أمر إلهي وطبيعي؛ حتى إن كانت تلك الولادة في البراري، حين العمل والبرد أو الحرّ، ومهما يكن المخاض عسيراً إلا أنها ستترسخ في ذهنيتنا الشعبية الكُردية التي تختزن فيها مئات الأمثلة تداولتها أمهاتنا و جدّاتنا عن نساءٍ صارعن آلام المخاض وهنّ تحت ثقل أحمال القش وشتى أنواع العمل المنهك، وكان المجتمع يتقبّله اجتماعياً كنتيجةٍ لظروف العيش الصعبة وقساوة البيئة والعادات
وهكذا حالات عديدة وغريبة حصلت ومرّت .. وهنا وفي وقفةٍ متأنّية على الزلزال الأخير والذي لم تهتزّ فيه الأرض فقط، بقدر ما أعجز تحت وطأته العقل البشري، وذلك في 6 من شهر شباط الحالي .
هذا الزلزال الذي فاق في جموحه كلّ الآراء والتوقعات العلمية التي تنبّأت بحدوثه ، الأمر الذي حوّل مسار العالم فاتجهت صوب الواقعة كمرآة مهزوزة تفضح وجه تجّار مَن يتشدّقون أو يتاجرون بما تبقّى مما يسمّى بالإنسانية ، وفي مقدمتها تلك الدول التي تنادي بحقوق الإنسان، وكذلك الحكومات العاجزة عن فعل أي شيء والمنغمسة فقط في سرقة الشعب وابتكار وسائل ترهيبه . ولتبدو الأمور وكأنّ القدر سعى وبكلّ همةٍ أن يتمّم عقابه؛ ليجعل منا شهوداً، لأبل ومن معاصري هذا الحدث الجلل والمرعب والذي سيبقى ما بقينا كعباءةٍ سوداء سقيمةٍ تثقل كاهلنا كبشر ..
ألا يحقّ لنا التساؤل وسط كلّ تلك المآسي ؟ وكيف للركام أن يتمخّض طفلاً ؟ والأهم : كيف للأنقاض أن تتحمّل وزر أرحامٍ صارعتها حتى أنهكت قواها ، ورغم بشاعة المخاض ولتصبح نتاج ولادتها مستحيلة
براعم خدَح، كانت خرجت إلى الحياة وأجسادهم البضّة قد لدغتها أفاعي الركام، والدم من تلكم الأجساد سال على استحياء
صورٌ لا تمتّ للإنسانية بأية صلة .. لوحاتٌ قاتلة ظالمة تابعناها على مضض ! ونحن نشتدّ غيظاً وألماً وكذا عجزاً فكانوا هم تحت الركام وكنا معهم ولكن … مكبّلين ! .
لا الركام سهّل لهم أمراً حتى هواءً ليعتق أنفاسهم، ولا الإنسانية أسرعت لتهزم قساوة الأفئدة و ،، تثور على هيجان الظلم المدمّر ..
وسط كلّ هذا الهذيان المرعب هناك سؤالٌ يراودني حتى بات يطوّقني كما أغلال سجنٍ بتُّ أعانيه في كلّ لحظةٍ، وسؤالٌ يجلجل في دواخلي :
ماهو مصير مئات الأطفال من مختلف الأعمار والخُدَج حديثي الولادة معهم
الزلزال حدث والاستبداد جارٍ على المنكوبين كما أراده العالم وسكت عليه
وكما شاء .. وبقي السؤال : أولئك الناجين من رحم المعاناة والاطفال ما مصيرهم؟
براعم الصخور التي تحطّمت بجلمودها على براءتهم ومع هذا ما انقطع الحبل السرّي أبداً، ولكنهم الأطفال هم مَن فقهوا لغة العالم الجديد، ولسان حالهم شاهد على مخاضهم.
أبناء الركام وصمة عارٍ على جبين الإنسانية مابقيت، إن لم تتولّاهم فلسفة العالم المتحضّر القائم على العدالة الإنسانية .
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد 305